نشرت دورية "
فورين أفيرز" مقالة آشر أوركابي،
الأستاذ المشارك بجامعة هارفاد ومؤلف كتاب "
اليمن: ما يجب على كل شخص معرفته"، ناقش فيه خطة للسلام بعيدة النظر، وتستلهم من دروس الحرب الأهلية في ستينات القرن الماضي.
بدأ أوركابي تحليله بالإشارة إلى تبادل السجناء الذي
تم في 21 حزيران/ يونيو بين السعوديين والمتمردين الحوثيين على طول الحدود بين البلدين، والذي اعتبر تطورا إيجابيا يدعو للاحتفال بين الطرفين المتحاربين في الحرب الأهلية
التي مضى عليها ثمانية أعوام.
ولا يزال غير معروف إن كان هذا تطورا جوهريا قد يقود
إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار أم لا. فمنذ نيسان/ أبريل، يجري الحوثيون مفاوضات مع
الحكومة اليمنية التي تدعمها
السعودية، إلا أنهما وجدا صعوبة في التوصل لاتفاق حول تبادل
الأسرى، علاوة على وقف الحرب التي دمرت البلد، وقتلت مئات الآلاف من اليمنيين، وأنتجت
أسوأ كارثة إنسانية في العالم.
وينبع عدم التقدم من الطرفين المتحاربين، فالسعودية
التي دعمت الحكومة اليمنية تريد إبقاء اليمن في وضع ضعيف حتى لا يهدد حدودها الجنوبية.
وبالمقابل يرفض الحوثيون وقف إطلاق النار إلا حال أوقفت السعودية ومن طرف واحد الحرب، وسحبت قواتها، وأنهت الحصار الجوي والبحري، والتزمت بعملية تعويض طويلة لحكومة الحوثيين.
باختصار، تريد السعودية من الحوثيين التخلي عن السلطة، أما الحوثيون فيريدون من السعودية
تقديم البلد إليهم على طبق من الفضة.
إلا أن الموضوع الأهم في الحرب هو الشرعية التي يفتقدها
الطرفان المتحاربان. وما عليك إلا النظر للطريقة التي يتعامل فيها اليمنيون مع السعودية،
ففي نيسان/ إبريل عندما وصل وفد سعودي- عماني إلى صنعاء لعقد محادثات مع الحوثيين،
لم يتم استقبالهم كصناع سلام، وبدلا من ذلك صورهم إعلام الحوثيين بالمعتدين في النزاع
وتم وصف الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية بأنه يتم التلاعب بها من حكومة أجنبية
جارة شنت حربا وحشية لخدمة أهدافها.
ولا يحظى الحوثيون بالشرعية نفسها، فمنذ سيطرتهم
على السلطة عام 2015 أقاموا حكما ديكتاتوريا اتهم بالقمع الواسع وخرق حقوق الإنسان
إلى جانب الفساد المستشري والتمييز المفتوح. وأكثر من هذا، فقد قبل الحوثيون مثل الحكومة
اليمنية دعم القوى الأجنبية مثل حزب الله اللبناني وتحديدا دعما من الحكومة الإيرانية.
وما يجمع طرفا النزاع الحالي في اليمن هو شيء واحد، أي عدم ترحيب اليمنيين بهما وأنهما
أصبحا عالقان مع تحالفات إقليمية.
وفي الحقيقة ليست هذه هي المرة الأولى في تاريخ اليمن
يجد البلد نفسه أسيرا لفصائل غير محبوبة وتابعة للقوى الأجنبية، واحتاج الأمر طرفا
ثالثا لإخراج البلد من الحرب الأهلية التي تبعت إنشاء الجمهورية في الستينات من القرن
الماضي، وهو الذي قام بإنشاء إدارة مستقرة وإنهاء العنف والحصول على الشرعية الشعبية.
ولو أرادت الحكومة الحالية بالمنفى والمتمردين الحوثيين
التوصل لتسوية، فعليهما التعلم من الدروس التاريخية هذه وضم قادة يتمتعون بشرعية عظيمة
في المحادثات بينهما.
ففي عام 1962، عندما أطاح الثوريون اليمنيون بحكم
الإمامة الزيدية وأعلنوا عن الجمهورية العربية اليمنية، دولة قومية عربية في الجزء
الشمالي من اليمن المعاصر، وجدوا أنفسهم أمام أطراف معارضة من القبائل التي ظلت على
ولائها للإمام المعزول، وهي من تدعم الحوثيين اليوم. وعندما لم يكن الثوريون الجدد
قادرين على الدفاع عن الدولة الناشئة، ناشدوا مصر التي لبت وأرسلت ثلث قوتها من الطيران
و 70.000 جندي، حيث وجد عبد الناصر في النزاع فرصة لتعزيز سجله كمدافع عن القومية العربية.
اظهار أخبار متعلقة
ومن جانبهم طلب الملكيون الدعم من السعودية التي
خافت من دور ناصر المزعزع لاستقرار شبه الجزيرة العربية، ولهذا فتحت لهم حدودها وأمدتهم
بالدعم المالي. وبحلول عام 1963 كان قادة اليمن الجدد يكافحون لاحتواء التمرد الذي
دعمته السعودية وزاد طلبهم من مصر للمساعدة، وكلما زاد الحضور المصري في اليمن، كلما
تآكل الدعم الشعبي للجمهوريين. ولأن المسؤولين المصريين لم يثقوا بالساسة اليمنيين
ولا بقادتهم العسكريين ولهذا تحملوا مسؤولية العمليات العسكرية وإدارة الشؤون المالية
للبلد، وبعبارة أخرى، حول المصريون عرض الدعم العسكري الأول إلى ما وصل إلى إدارة استعمارية،
وبثمن كارثي بات يؤثر على اقتصاد مصر وموقفها الدبلوماسي في العالم النامي.
وفي الوقت نفسه، كان لدى السعوديين حساباتهم الخاصة
حول التورط مع قبائل شمال اليمن، فقد التزموا بسياستهم من البلد التي اتبعوها منذ الثلاثينات
في القرن الماضي، حيث كانت الحكومة السعودية مهتمة بمنع انتصار مصري ولكنها لم تكن
راغبة بعودة الإمامة نظرا لتاريخها في النزاع مع السعودية. ولهذا اقتصر الدعم السعودي
للقبائل من أجل فرض حالة الجمود على ساحة المعركة وليس التأكد من هزيمة المصريين.
ومع استمرار تدخل القوى الخارجية بالبلد، شعر اليمنيون
بالخيبة من الطرفين اللذين وقعا تحت تأثير القوى الخارجية وانفصلا عن احتياجات اليمنيين.
ونتيجة لهذا، وبحلول 1965، ظهرت قوة معارضة متنامية وإن كانت صغيرة عرفت بالقوة الثالثة
في داخل الجمهورية اليمنية. وكان أنصارها يريدون زيادة استقلالية اليمن ووقف التدخلات
الخارجية في البلد.
وبعد عام دعا ناصر 50 سياسيا بارزا يدعم القوة الثالثة
إلى القاهرة بذريعة التفاوض حول توقيت انسحاب القوات المصرية من اليمن. وعندما وصل
الوفد إلى نادي الضباط في القاهرة، أمر ناصر باعتقالهم ومنعهم من العودة إلى اليمن.
ومن خلال فعل الخيانة هذا، استطاع ناصر تحييد معارضة داخلية في صنعاء للجمهورية اليمنية
التي تقودها مصر ومنع أي إمكانية لانقلاب تقوم به القوة الثالثة.
وكجزء من الاتفاق المصري- السعودي في الخرطوم بشهر
أيلول/ سبتمبر 1967، وافق الطرفان على وقف الأعمال العدائية، وبعد شهر أطلق سراح قادة
القوة الثالثة وعادوا إلى صنعاء وأطاحوا بالقيادة المؤيدة لمصر وعينوا قاض اسمه عبد
الرحمن الأرياني كرئيس للبلاد.
وبنهاية تشرين الثاني/ نوفمبر خرج آخر جندي مصري
من اليمن تاركين الجمهورية في يد القوة الثالثة. وبعد خروجه من الحصار الطويل على صنعاء،
أعلن الأرياني عن انتصار الجمهورية وتفاوض على تسوية مع قادة الشمال ومنحهم تمثيلا
متساويا في مجلس النواب وبقية مؤسسات الدولة. وفي عام 1970 أرسل آخر أئمة اليمن وعائلته
الممتدة إلى المنفى أسوة بما حدث للقادة الموالين لمصر عند عودة القوة الثالثة عام
1967. وعليه فقد ولدت جمهورية اليمن الحديث برئيس متفق عليه على رأسها وبعد خروج القوى
الأجنبية وفك ارتباطها بالكامل من البلد.
ودخل اليمن في حالة استقرار شهدت بناء مؤسسات سياسية
ومرحلة نمو اقتصادي وتطور دعمته تحويلات اليمنيين في الخليج وقدرة الأرياني على وقف
الحرب الأهلة من خلال تحالف حكومي وحد في النهاية اليمن.
وبعد خمسين عاما يواجه اليمن وضعا مشابها لفترة الستينات،
ومرة أخرى تقاتل حكومة جمهورية قبل الشمال المعارضة وفي ساحة المعركة، ورغم اختلاف
الحلفاء إلا أن كل طرف تدعمه قوة خارجية. ويواجه المتحاربون نفس التحديات التي واجهها
من سبقوهم. ومثل الحرب بين الحكومة التي دعمتها مصر والقبائل التي مولتها السعودية،
فالحكومة اليمنية الحالية في المنفى والحوثيون في صنعاء لم يستطيعا تحقيق النصر الحاسم
ضد بعضهما البعض. وكلاهما متهم بالموالاة للقوة الخارجية وتعاني من مشكلة الشرعية التي
لا تدعم قدرتهما على بناء سلام دائم. ورغم ما لديهم من عيوب إلا أن الطرفين هما الوحيدان
اللذان تتم دعوتهما لطاولة المفاوضات برعاية الأمم المتحدة، ولهذا السبب لا يوجد تقدم.
وما تم تجاهله من دروس القوة الثالثة، أهمية جلب الجماعات التي تمثل مصالح واهتمامات
السكان.
اظهار أخبار متعلقة
وهناك عدة جماعات في اليمن غير مرتبطة بالطرفين ويمكن
أن تكون أصواتا مهمة في عملية التحول من الحرب إلى السلم. وفي نيسان/إبريل 2022 شكلت
السعودية مجلسا مكونا من ثمانية أعضاء وضم عددا من الرموز اليمنية البارزة، إلا أن
مجلس القيادة الرئاسي فشل في بناء قيادة موحدة، بل زاد من حدة الاقتتال بين الفصائل
المتنافسة بشأن استمرار سيطرة السعودية على سياسة الجمهورية اليمنية وهي تحاول تأمين
خروج يحفظ ماء الوجه.
ومن بين القوى المهمة داخل المجلس، المجلس الجنوبي
الانتقالي، الذي يحظى مثل البقية بدعم مالي وعسكري من الإمارات العربية المتحدة، إلا
أنه مقارنة بحكومة المنفى يحظى بشرعية أكبر بين اليمنيين. فقد رفض رئيس المجلس عيدروس
الزبيدي فكرة سيطرة الحوثيين على مصادر البلاد في الجنوب. وناقش أن الهوية اليمنية
يجب ألا تتشكل من صنعاء بل ويجب أن يكون الجنوب ممثلا وأن يكون له الحظ الأكبر من القيادة
في البلاد. ومنحت السعودية في العام الماضي عضوية للعيدروس في مجلس القيادة الرئاسي،
لكن المجلس الانتقالي الجنوبي لم يمنح بعد مقعدا على الطاولة. كما أن العلاقة القريبة
والدعم المالي والعسكري المقدم من الإمارات للزبيدي، أثارت أسئلة حول قدرته على التصرف
باستقلالية في اليمن.
وهناك مرشح آخر وهو فرج سالمين البحسني، محافظ حضرموت
والذي ضم للمجلس الرئاسي. وظلت محافظة حضرموت الصحراء واحة استقرار وهدوء في ظل النزاع
نظرا لقوة المحافظ والميليشيا المحلية. ونظرا لتجارتهم التاريخية عبر المحيط الهندي،
فقد عرف الحضارمة باستقلاليتهم عن صنعاء وأبعدوا أنفسهم عن التنافس السياسي فيها. وباستثناء
الدعم المالي من الإمارات إلا أن الحضارمة الذين فكروا مرة بفصل منطقتهم عن بقية اليمن
يتمتعون باستقلالية في القرار.
وذكر الكاتب طارق صالح، ابن أخيه لعلي عبد الله صالح، الذي برز كقيادي عسكري مهم في منطقة الحديدة ويقود الحرس الجمهوري، وهم بقايا قوة النخبة
لعمه ويواصل السيطرة على أجزاء من الغرب اليمني ويقف ضد تقدم الحوثيين. وهو عضو في
المجلس الرئاسي ودعا لإحياء حزب عمه "المؤتمر الشعبي العام" الذي قد يعمل
كعربة لتوحيد القوى السياسية، إلا أن علاقة صالح مع عمه هي نعمة ولعنة، فمن جهة لا
يزال يحتفظ بولاء الحرس القديم لعلي صالح، ومن جهة أخرى، فمجرد ذكر اسم العائلة يذكر
اليمنيين بالفساد وسوء استخدام السلطة.
ويعتقد الكاتب أن كل مرشح من المرشحين لكي يكون قوة
بديلة عن المتنازعين يعتمد على قدرته بناء نوع من الدعم الذي استطاع الأرياني عمله
قبل 50 عاما، فكل واحد منهم لديه عيوبه الهامة ولن يكون قادرا على لعب دور الأرياني.
وفوق كل هذا فقد نجح القاضي الأرياني لأنه أنهى الحرب وأشرف على خروج القوى الأجنبية
من البلاد وأقام حكومة تسويات شملت أعضاء من كل الأحزاب، وفوق كل هذا كان يتمتع باحترام
الجميع.
ولتكرار هذا المثال، فهناك حاجة للعدالة والمصالحة
تطال كل قطاعات القيادة السياسية اليمنية. وعلى أي حال، فلدى اليمن فرصة هامة للاستفادة
من الجماعات ذات الشرعية الأعلى، والعثور على شخصية قد يكون مرشح تسوية.
وعلى القائد المقبل لليمن وبعد نهاية الحرب، إظهار
أنه يمثل كل اليمنيين، وليس أداة بيد القوى الخارجية التي عليه تحقيق مصالحها. وعلى
السعودية وإيران تحمل المسؤولية في مرحلة ما، ومساهمتهما بالأزمة الإنسانية التي قادت
لمقتل أكثر من 300.000 يمني، وربما اتخذت التعويضات شكل إعادة إعمار ما دمرته الحرب
والذي يحتاجه البلد. وطالما ظل البلد موزعا بين قوتين ملوثتين بالتبعية الأجنبية، فلن
يحصل هذا، وربما جاء الوقت الذي يتوصل فيه المدنيون والمعتدون والوسطاء إلى أن الوقت قد
حان للتقدم أماما، وخلق قوة ثالثة.