قضايا وآراء

سياسة صفر مشاكل السعودية بين الداخل والخارج

حامد أبو العز
تغييرات في السياسة الخارجية لتحقيق رؤية 2030- واس
تغييرات في السياسة الخارجية لتحقيق رؤية 2030- واس
منذ العام 2015، أي منذ تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد في السعودية، كان من الصعب على أي مواطن عربي أو مسلم أو حتى أي محلل سياسي أن يتوقع أن يرى وزير الخارجية السعودي في طهران، أو أن يرى وفدا سعوديا بضيافة الحوثي في صنعاء.

إن سياسة "صفر مشاكل" بنسختها السعودية، تقوم على مبدأ تذليل كل الصعوبات والعقبات أمام تحقيق رؤية 2030 التي جاء بها الأمير محمد بن سلمان. وتصفير المشكلات في المحيط الإقليمي أمر لا بد منه، إذ إن الرفاه الاقتصادي يحتاج إلى بيئة إقليمية آمنة لجذب الاستثمارات ورؤوس الأموال إلى البلاد.

وأما النقاش حول ديمومة هذه السياسة ودخولها في سياق التكتيك أو التحولات الاستراتيجية، يبدو أنّ التصريحات التي تصدر عن المسؤولين السعوديين ترجح كفة استراتيجية هذه السياسات. ومن الممكن التدليل على هذا، من خلال سعي ولي العهد السعودي إلى التركيز على الجانب الاقتصادي لجذب الاستثمارات وتحقيق مشروعه الواعد الذي أطلق عليه اسم "نيوم"، حيث في تصريحاته الأخيرة أشار ابن سلمان إلى أنّ بلاده "تريد إنشاء حضارة جديدة للغد"، كما أن بلاده تحتاج إلى تشجيع الدول الأخرى على الاستمرار في فعل نفس الشيء من أجل كوكب أفضل.

 سياسة صفر مشاكل تتجلى بشكل واضح في ملف السياسات والعلاقات الخارجية للسعودية، ولكنها تخفق بشكل دراماتيكي في الداخل، إذ تخّلت السعودية عن سياسة التدخل المباشر والانخراط الفعال في الأزمات الإقليمية، وذلك لأنها رأت بأن مثل هذا الانخراط لم ينجح في تحقيق الأهداف، ولم يجلب للسعودية إلا الخسائر. كما تعمل السعودية اليوم على تحقيق الموازنة بين المعسكر الشرقي بقيادة (الصين وروسيا) والمعسكر الغربي بقيادة (أوربا والولايات المتحدة).

إن سياسة صفر مشاكل تتجلى بشكل واضح في ملف السياسات والعلاقات الخارجية للسعودية، ولكنها تخفق بشكل دراماتيكي في الداخل، إذ تخّلت السعودية عن سياسة التدخل المباشر والانخراط الفعال في الأزمات الإقليمية، وذلك لأنها رأت بأن مثل هذا الانخراط لم ينجح في تحقيق الأهداف، ولم يجلب للسعودية إلا الخسائر. كما تعمل السعودية اليوم على تحقيق الموازنة بين المعسكر الشرقي بقيادة (الصين وروسيا) والمعسكر الغربي بقيادة (أوربا والولايات المتحدة)، وحسنا فعلت، فتنويع الاقتصاد وتنويع الحلفاء والشركاء يوفر للمملكة نوعا من الاستقلال السياسي والاقتصادي، ويجعلها قادرة على التأثير في الأزمات الدولية، وتحديد أسعار النفط والعمل بشكل مستقل.

كل ما تم ذكره أعلاه جاء في إطار السياسة الخارجية، حتى أزمة الصحفي "جمال خاشقجي" دخلت ضمن هذا الإطار، إلا أن سياسة صفر مشكلات، لم تجد بعد طريقها إلى الداخل السعودي أو السياسات الداخلية السعودية. لا بد من أن يفهم السياسيون ومنظرو "صفر مشاكل" أن هناك شقا آخر لهذه السياسة يتعلق بالداخل السعودي، ومن يريد جذب الاستثمار وجذب المشاريع الاقتصادية وتحقيق رؤية 2030، عليه أن يحقق البيئة الداخلية الآمنة كذلك.

تعاني السعودية على سبيل المثال من فقدان التشريعات المناسبة للتعامل مع العمالة الخارجية، بالإضافة إلى نظام الكفالة الذي لم يطله الإصلاح لسنوات، فالعمال وصغار المستثمرين لا يزالون يعانون من التمييز والانتهاكات الجسيمة بحقهم، وذلك في غياب جهاز قضاء فعال وأنظمة قانونية منصفة، هذا من جهة، كما أن عمليات الاختفاء القسري تدحض سياسة صفر مشاكل في الداخل السعودي من جهة أخرى.

سياسة صفر مشكلات، لم تجد بعد طريقها إلى الداخل السعودي أو السياسات الداخلية السعودية. لا بد من أن يفهم السياسيون ومنظرو "صفر مشاكل" أن هناك شقا آخر لهذه السياسة يتعلق بالداخل السعودي، ومن يريد جذب الاستثمار وجذب المشاريع الاقتصادية وتحقيق رؤية 2030، عليه أن يحقق البيئة الداخلية الآمنة كذلك.

تتحدث وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية عن اختطاف صحفية يمنية معروفة، تدعى "سميرة الحوري" وابنها "أحمد الحليلي". تقول عائلة الحوري؛ إن عملية اختطاف قوات الأمن السعودية لسميرة وابنها أحمد تمت في 17 نيسان/ أبريل من عام 2022، ومنذ ذلك الحين لم تعرف عائلتها أي شيء عنها. يُذكر أن الحوري كانت معتقلة في صنعاء وبعد الإفراج عنها انتقلت إلى السعودية، وتحدثت خلال تلك المدة عن الانتهاكات في سجون صنعاء.

ختاما، ما حققته السعودية في خطاها نحو تصفير المشاكل على المستوى الخارجي، أمر مثير للاهتمام والإعجاب؛ إذ إنها تخلت عن سياسة التدخل المباشر في الأزمات الإقليمية، وعملت على فتح قنوات الحوار مع الفاعلين الإقليميين لتحقيق الاستقرار في المنطقة، كما أن وقوفها على الحياد الإيجابي فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، وفّر لها مزيدا من الاستقلالية والقدرة على التأثير في الملفات الدولية، إلا أن هذه السياسة لم تجد بعدُ طريقها للداخل، وما تعانيه السعودية في الداخل هو أمر مهم ولا يقل أهمية عن الملفات الخارجية.

أهم ما يوفر الأمن الداخلي ويحقق البيئة الآمنة لجذب الاستثمار والمستثمرين هو "سيادة القانون"؛ سيادة القانون سواء فيما يتعلق بنظام العمالة أو عمليات الاعتقال التعسفي، وهو أمر يجب أن يوليه المسؤولون في السعودية أهمية خاصة.
التعليقات (1)
ابو حلموس
الأحد، 02-07-2023 09:05 ص
مستحيل ان يحقق (اكبر مشكلة) في الوثن العربي مقولاته بشأن (صفر مشاكل) . تلك الخلقة التي تحمل من نبوءات الخراب والضياع في كل ملامحه .. يستحيل ان تستشرف بوجودها سوي المزيد الي الحضيض . (] ولا تؤتوا السفهاء أموالكم [) ?? سورة النساء 5 ??ربنا حذرنا ، بل أمرنا?? ونحن لا نطيع ولا نحاول ان نستطيع .. والله ثم والله .. لَيَبكيَن الجميع ولَيَشيبَنَّ من هَوْل العقاب حتى الرضيع !!!