إن شعيرة
الحج من أعظم الشعائر وأحد أهم
الركائز والأركان التي بُني عليها الإسلام كما جاء في حديث الصادق المصدوق، تلكم
الشعيرة التي منّ الله بها على عباده من أتباع الملّة الحنيفية من أبي الأنبياء
إبراهيم (عليه السلام) وانتهاء بالمصطفى صلوات الله وتسليماته عليه.
وإن اجتماع المسلمين من أدنى الأرض إلى أقصاها على اختلاف
ألوانهم وألسنتهم وأعْراقهم وجنسياتهم من شرق الأرض حيث إندونيسيا وماليزيا إلى
غربها حيث أمريكا وكندا، ومن شمال الكرة الأرضية حيث الدول الإسكندنافية الباردة
إلى جنوبها حيث أفريقيا الساخنة، جاؤوا ملبّين مكبِّرين من كل فج عميق. وقد بلغ
الحضور قرابة 3 ملايين من المؤمنين أو يزيدون..
وبذلك حققت الأمة تنوعا فريدا من نوعه، لا يحدث لأي مما
سواها من التجمعات البشرية المنتظمة في كل عام، سواء احتفالات الهندوس والسيخ في
الهند فيما يسمى بعيد الأنوار (ديوالي) في فصل الخريف، أو احتفالهم بعيد الآلهة
(دورجا بوجا)، وكذلك احتفالات الطائفة الشيعية بالعراق وإيران، مثل مواكب استشهاد
رجل الدين الشيعي "موسى الكاظم" ببغداد، أو مسيرة الأربعين (المشّاية)
حيث يمشون إلى قبر "الحسين بن علي" في كربلاء! والتي حققت أرقاماً مذهلة
وصلت في إحداها عام 2016 إلى 30 مليون من البشر!..
لكنّ غالبية تلك الجموع التي احتشدت جاءت من بعض الدول
المتجاورة والتي لا تكاد تتخطى أصابع اليد الواحدة، وهو ما يختلف عن شعيرة الإسلام
العظيمة -الحجّ- حيث يجتمع المسلمون في كل عام من شتى بقاع الدنيا كلها وبوفود من
أكثر من 160 دولة، وصدق الله القائل في كتابه العزيز "وعلى كل ضامرٍ يأتين من
كل فجٍ عميق" الآية.
لماذا تشرذمنا إذن، ومن المسؤول عن عدم اجتماع كلمتنا؟!
كانت أمتنا الإسلامية أيام عزها.. أمة واحدةً في الغاية
والهمّ، واحدةً في السكون والحركة، واحدةً في الكلمة والفعل، حتى تشرذمت وتفتتت
إلى دويلات ضعيفة وقوميات متناحرة، ولم نصل إلى ما وصلنا إليه بين عشية وضحاها! بل
لقد حدثت الفرقة وانقطعت اللُحمة، نتاج جهد جهيد وتخطيط طويل في مداه، عميق في
قعره، مؤلم في أثره، وذلك بالرغم مما نراه من احتشاد الوفود الممثلة لأمة
المليارين، ولولا اعتبارات التنظيم وأعباء الخدمة لفاقت أعداد الحجيج كل تصور!
والسؤال الذي يحتاج إلى إجابة شافية:
من المسؤول عن عدم اجتماع كلمة الأمة رغم ما نشاهده كل عام
من حدوث تلك اللُحمة الربانية المباركة لضيوف الرحمن في موسم الحجّ، وفي ساحاته
المُعبَّقة بتكبيرات الحجيج من العرب والعجم وبني الأصفر وانتهاء بأصحاب البشرة
السوداء.. فعلى من تقع المسؤولية إذن؟؟
1- وُثوب من لا يستحق أن يُمسك بمقْود الحكم والسلطة ممن لا
يحسن سياسة البلاد، ناهيك عمن تم تجنيده منهم ممن أوكلت الصهيونية العالمية إليهم
إضعاف الأمة وتفتيت قواها وإهدار ثرواتها ثم لم تعد لها كلمة حتى تجتمع عليها!
ولقد انتهى بنا الحال كما هو معلوم إلى الدرْك الأسفل من الضعف والوهن فخسرت أمتنا
معه دينها ودنياها!
ومُحال أن تجتمع كلمتنا وقد آل أمر بلادنا إلى أيادٍ غير
أمينة ضعيفة فاقدة للإرادة، قد فضح الله سوء نية أصحابها وفساد طويتهم في توحيد
الهمّ وشحذ الإرادة الجَمْعية للمسلمين وإيقاظ وعيهم تجاه قضاياهم الهامة، كمسرى
النبي الكريم ومعراجه (القدس) وتجاه محن الأقليات المسلمة مثل مسلمي الإيجور في
تركستان بالصين، ومثل أزمة مسلمي الهند وكشمير، ومثل مأساة إخواننا الروهينغيا على
أيدي رهبان البوذية وبدعم من عسكر ميانمار بورما.. إلخ.
ولا ينتظر أي نصرة من مثل تلك الحكومات.. كيف؟! وهي التي
تحرص على إقامة العلاقات الدافئة مع حكومات الدول التي تمارس القمع في حق الأقليات
الإسلامية بطريقة أقرب إلى التواطؤ منها إلى المصلحة!
2- وتشرذمنا أيضا سببه غياب الرؤية لدى بعض العلماء والدعاة،
وتقصيرهم في بناء الجسور من الحب والشعور بالولاء بين تلاميذهم ومحبيهم وبين
إخوانهم من مسلمي العالم، وعلى أقل تقدير هو تعريفهم بمأساة المستضعفين من
المسلمين، لا لشيء إلا لأنهم مسلمون! فمن أين يعرف هؤلاء بقضية الأقليات ومتى
يتألمون لآلامهم، والحال كما ذكرنا؟!
وماذا عن الإعلام في بلاد المسلمين وعلاقته بقضايا الأمة
الإسلامية؟؟
ولا نجني من ذكر الإعلام غير الشعور بالغصة في حلوقنا من
مرارة الإهمال والتجاهل في ظل انشغال الميديا بمهمتهم في إفساد الحجر والشجر، وفي
حمل الناس على الجرأة في مواجهة الثوابت والمسلّمات المتعلقة بدينهم وشعائرهم
وموروثهم الاجتماعي من أخلاق وقيم وعادات.
الأسباب التي حرمت الأمة من اجتماع كلمتها ووحدة صفها
كثيرة، حتى المنظمات المعنية بالدفاع عن المسلمين وأهمها "منظمة المؤتمر الإسلامي"
بلغت من الضعف والهوان حداً لا يحتمل! لا سيما وأن أمانتها المختارة لا تعبر إلا
عن مصالح دولة أو أخرى من الداعمين للمنظمة ماليا وهم لا يحسنون سوى الكلمات
المُنمّقة والمديح للبعض من أصحاب الفخامة والجلالة والسمو!