كشفت عمليات البحث عن
الغواصة "
تيتان"
التي تشغلها شركة أوشن جيت إكسبيديشنز الأمريكية عن التباين الكبير في جهود الإنقاذ
البحرية الدولية، بين ما يخصص لإنقاذ اللاجئين التي تنقلب قواربهم في عرض البحر،
وما خصص لإنقاذ خمسة أثرياء نزلوا إلى عمق المحيط لزيارة حطام سفينة
"
تايتانيك".
وقضى في الغواصة المصممة لأغراض
الاستطلاع السياحي مؤسس الشركة ورئيسها التنفيذي ستوكتون راش الذي كان يقود
الغواصة، والملياردير البريطاني هيميش هاردينج (58 عاما)، ورجل الأعمال البريطاني
من أصل باكستاني شاه زاده داوود (48 عاما) وابنه سليمان (19 عاما)، والمستكشف الفرنسي
بول هنري نارجوليه (77 عاما).
ودفع كل واحد منهم مبلغ 250 ألف دولار
لمشاهدة حطام سفينة "تايتانيك"، التي غرقت في واحدة من أكبر الكوارث
البحرية في القرن العشرين.
وانطلقت فور انقطاع الاتصال بطاقم
الغواصة وفقدان أثرها "عملية متعددة الجنسيات" للبحث عن الطاقم فوق
الماء وتحته، واستنفرت عدة دول تقنياتها المتقدمة في سباق مع الزمن للعثور على
الغواصة قبل نفاد الأوكسجين، واستمرت العملية خمسة أيام قبل أن تنتهي، بعد تأكد
وفاة أفراد الطاقم بعد العثور على حطام عائد للمركبة التي كانوا فيها.
وانطلقت "تيتان"، في رحلة
مدتها ساعتان صباح يوم الأحد الماضي، لكنها فقدت الاتصال مع سفينة الدعم بعد مضي
حوالي ساعة و45 دقيقة.
كوارث مأساوية
على الجانب الآخر، قال متحدث باسم عائلات 51 مهاجرا
مغربيا الخميس الماضي؛ إنها فقدت الاتصال بهم منذ 12 يوما، بعدما كان يفترض أن
يعبروا بشكل غير نظامي نحو جزر الكناري الإسبانية في المحيط الأطلسي.
وأوضح أمين أهروي وهو قريب أحد
المفقودين لوكالة فرانس برس، أن "51 مهاجرا كان يفترض أن يعبروا فجر الأحد 11
حزيران/ يونيو على متن قارب، انطلاقا من سواحل أكادير باتجاه جزر الكناري".
تزامن ذلك مع إعلان السلطات الإسبانية
الأربعاء الماضي مصرع مهاجرَين على الأقل، في
غرق قارب حوالي 160 كيلومترا عن ساحل
جزيرة غراندي كناريا، فيما تم إنقاذ 24 آخرين، كما أعلنت إنقاذ 150 آخرين الخميس، كانوا على متن ثلاثة قوارب.
والأربعاء الماضي، انتشل خفر السواحل
اليوناني 78 جثة من البحر، بعد ساعات من انقلاب مركب صيد متهالك على متنه حمولة
زائدة في المياه الدولية وغرقه قبالة شبه جزيرة بيلوبونيز اليونانية، على بعد 47
ميلا بحريا (87 كيلومترا) من بيلوس في البحر الأيوني، بحسب حصيلة رسمية.
وتم إنقاذ مئة وأربعة أشخاص نقلوا إلى
ميناء كالاماتا في جنوب اليونان.
ويُعتقد أن عدد القتلى جراء الكارثة قد
يصل إلى عدة مئات، إذ أشارت روايات الشهود إلى أن ما بين 400 و750 شخصا كانوا على
متن قارب الصيد الذي غرق.
وقالت المفوضة الأوروبية للشؤون
الداخلية إيلفا جوهانسون؛ إن مأساة قارب
المهاجرين قبالة الساحل اليوناني الأسبوع
الماضي، "قد تكون الأسوأ" في البحر المتوسط.
جاء ذلك في تصريح للصحفيين، بعد اجتماع
وزراء العدل والداخلية للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في العاصمة السويدية
ستوكهولم.
وفي
نيسان/ أبريل الماضي، قضى 11 مهاجرا بعد غرق قاربهم المتهالك
قبالة سواحل جنوب المغرب، وفق ما أوردت وسائل إعلام محلية مغربية.
وقعت المأساة قبالة الشاطئ الأبيض قرب
كلميم في جنوب المملكة.
استنفار
دولي
واستخدم الجيشان الأمريكي والكندي
خصوصا، وسائل كبيرة من مراقبة جوية بواسطة طائرات سي-130 أو بي-8 وسفنا مجهزة
بروبوتات غواصة في موقع سفينة بولار برينس، التي انطلقت منها الغواصة
"تايتن".
ووصلت صباح الخميس الماضي سفينة البحث
الفرنسية "أتلانت"، المجهزة بروبوت فيكتور 6000 القادر على الغوص حتى
حطام تايتانيك، القابع على عمق أربعة آلاف متر تقريبا، على ما ذكر معهد الأبحاث
الفرنسي لاستكشاف البحار "أنفريمير" التابعة له.
ومثّل فيكتور 6000 "الأمل
الرئيسي" لعملية الإنقاذ تحت الماء، على ما ذكر للصحفيين روب لارتر، الخبير
في هيئة المسح البريطانية في أنتاركتيكا،
وهي منظمة بحثية بريطانية مقرها كامبريدج.
وامتدت منطقة البحث على سطح المياه على
مسافة 20 ألف كيلومتر مربع.
وأوضح الكابتن في خفر السواحل
الأمريكيين جايمي فريدريك، أن "مكان عمليات البحث على بعد 1450 كيلومترا شرق
كايب كود على ساحل الولايات المتحدة الشمالي، و640 كيلومترا جنوب شرق سان جون في
نيوفاوندلاند في كندا، يجعل حشد عدد كبير من التجهيزات صعبا للغاية".
انتقادات
ولم تمر حادثة الغواصة دون انتقادات للتباين
في الجهود المسخرة لإنقاذ الأرواح في البحار والمحيطات، لا سيما مع موجات
اللجوء
عبر البحر باتجاه أوروبا.
وسلطت الملكة رانيا، عقيلة عاهل
الأردن، الضوء على التعاطف الكبير مع حادثة الغواصة، مقارنة بالتعاطف والجهود
المبذولة تجاه المهاجرين عبر البحر.
ونشرت على حسابها الخاص، صورة للفنان
الأسترالي أوليفر جيفرز، انتقد فيها تجاهل مأساة اللاجئين عبر البحر.
وإلى جانب الصورة، كتبت: "مآس متشابهة، واستجابة دولية متباينة، كل حياة تستحق الإنقاذ".
أما صاحب
الصورة الأصلية، فقد كتب إلى جانبها: "بينما
نتابع بترقب فاجعة فقدان 5 سيّاح، معظمهم من الأثرياء (...) الأسبوع الماضي، غرق
قارب يحمل مئات اللاجئين قبالة سواحل اليونان".
وتابع: "من الصعب ألا تسخر من
اهتمام العالم بهذه القصة في خضم التأزم المتواصل في قضية اللاجئي،ن مع المزيد
والمزيد من الناس يموتون يوميا، لكنهم لا يحصلون على القدر نفسه من
الاهتمام".
كما قارن الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، في مقابلة مع شبكة "CNN" الأمريكية وضع التغطية الإخبارية المتعلقة بقضية الغواصة “تايتان” مقابل التغطية الإخبارية التي حظي بها المهاجرون الذين لقوا حتفهم قبالة سواحل اليونان قائلا إن هنالك "تفاوتًا شديدًا في أهمية حياة الناس.
وتابع: "هناك عنصرًا اقتصاديًا لديمقراطيتنا يجب أن ننتبه إليه. لن تكون ديمقراطيتنا صحية مع مستويات عدم المساواة التي رأيناها الناتجة عن العولمة والأتمتة والانحدار في النقابات وعدم المساواة الفاحشة. تفكر في أخبار اليوم. نحن لا نتحدث عن أخبار اليوم بشكل عام، لكن في الوقت الحالي، لدينا تغطية على مدار الساعة - وأنا أفهم ذلك - لهذه الغواصة ، الغواصة التي فقدت بشكل مأساوي في قاع البحر (...) في الوقت نفسه، بالقرب من ساحل اليونان، مات مئات المهاجرين وقد نقلت أخبار عن الأمر، لكنها لم تهيمن بنفس الطريقة. وفي بعض النواحي، يشير ذلك إلى التفاوت الشديد في أهمية حياة الناس".
تغطية
إعلامية متباينة
وكتب
موقع "
nbcnews" الأمريكي؛ إنه بينما يتسابق العالم لإنقاذ حفنة من الأثرياء، اختفت كارثة
أخرى عن الأضواء (في إشارة للقارب قبالة اليونان)، مشيرا إلى إحباط واسع بين المدافعين
عن حقوق الإنسان بسبب الموارد المسخرة، والاهتمام الإعلامي الذي وجه إلى الغواصة
"تيتان".
وقال تقرير عمل عليه "شانتال
دا سيلفا"؛ إن هنالك تفاوتا كبيرا في المواد المخصصة لإنقاذ المهاجرين، ونقلت عن المديرة
المساعدة لقيم أوروبا وآسيا الوسطى في "هيومن رايتس ووتش"، جوديث
سندرلاند، قولها؛ إن هذا التناقض "مرعب ومثير للاشمئزاز".
وتابعت
سندرلاند: "ترك البعض يموت بينما يتم بذل كل جهد لإنقاذ آخرين، انعكاس مظلم
على الإنسانية".
كما
نقل عن الرئيسة التنفيذية لمنظمة "شوز لوف" البريطانية الداعمة للاجئين
حول العالم، جوزي نوتون، قوله؛ إن عملية البحث عن الغواصة هيمنت على وسائل الإعلام
أكثر مما فعلت قوارب المهاجرين.
وتابعت:
"يجعلنا هذا نتساءل عن سبب هذا الاختلاف في الإعلام وفي الاستجابة
الحكومية".
من جانبها،
رصدت منظمة "
كاونتر فاير" العمالية، تباينا في تغطية وسائل إعلام مختلفة، حيث تصدرت صحف بريطانية قصة الغواصة خوفا على
حياة ركابها الخمسة.
وتابعت المنظمة؛ كانت صحيفتا ديلي
إكسبرس والميرور "تصليان من أجل معجزة" ؛ وأشارت الديلي ميل، والإندبندنت
أن هناك "ساعات فقط لإنقاذهم"، وغطت الخبر بكثافة كل من ذا صن، والتايمز،
ولفتت إلى أن "الغارديان" و"التلغراف" كانتا أفضل حالا، لكنهما
أبقيتا على تغطية خبر الغواصة في الصفحات الأولى أيضا.
ولفتت إلى أن كل نشرة إخبارية على
الشاشات، وفي الإذاعات، كررت قصة الغواصة بلا توقف، فيما لم يعرج أحد على مئات
المفقودين من النساء والأطفال والرجال في البحر الأبيض المتوسط.
وأكدت
أن التزايد في الخسائر بالأرواح سبب التأخير في الاستجابة، وإعاقة عمل المنظمات
غير الحكومية، وسياسة الهجرة اليونانية التي تعتبر "درعا لأوروبا".
كما
كان لمواقع التواصل الاجتماعي حصة كبيرة من تسليط الضوء على التباين في التغطية وجهود
الإنقاذ بين مأساة الغواصة، ومأساة المهاجرين في الزوارق المتهالكة.
وقال
مستخدمو مواقع التواصل؛ إن الإعلام والجهود الحكومية يقولان؛ إن موت المئات من
المهاجرين على الشواطئ القريبة أمر طبيعي، أما وفاة عدد من الأثرياء في رحلة سياحية
أمر مأساوي.