اعتدنا
أن تعكس المسلسلات والأفلام والموسيقى والفن جزءا من حياتنا الواقعية، مهما اختلف البلد
المنتج، فالفن مرآة للمجتمع، وكذلك في
الدراما الكورية، فلم يغفل الكُتّاب عن القضايا
المجتمعية في بلادهم، فعملوا على تصويرها ولفت النظر إليها، ومحاولة علاجها من خلال
التأثير بالمشاهدين، فهوس الجمال الذي يؤدي إلى التنمر، واختلاف الطبقات الاجتماعية
الذي يولّد التمييز الطبقي بين الناس، والرأسمالية التي يفقد الشعب فيها إنسانيته،
فيغدو الإنسان رقما ليس إلا، كما يصبح العالم الذي يعيش فيه تنافسيا إلى حد مرعب.
كل تلك
تعد من الظواهر المنتشرة في المجتمع الكوري، فبالتالي انعكست قضايا العنف والتنمر على
الدراما الكورية، فنجد العشرات من المسلسلات التي يكون التنمر هو جوهرها الأساسي وقصتها
الأولى، كعمل "الجمال الحقيقي" من إخراج كيم سانغ هيوب، كما شهدنا العديد
من الأفلام التي تحدثت عن العنف المدرسي وتناولت قصصا حقيقية لأشخاص انتحروا بفعل العنف
أو التنمر، وواحد من هذه المسلسلات التي تناولت قصة حقيقية لإحدى ضحايا العنف المدرسي،
هو مسلسل "
مجد الانتقام".
مجد
الانتقام- The Glory
مسلسل
كوري جنوبي، من بطولة سونغ هاي كيو، وليم جي يون، ولي دو هيون، ويوم هي ران، وبارك
سونغ هون، عرض على منصة نيتفلكس، وصدر الموسم الأول منه عام 2022، ومنذ صدوره احتل
المرتبة الأولى في الكثير من الدول ومنها دول عربية، كما جاء في المركز الخامس في قائمة
أفضل عشرة مسلسلات تلفزيونية على نيتفلكس على مستوى العالم، كما أصدر الموسم الثاني
عام 2023، ومنذ أن حُمّلت حلقته الأولى تهافت المشاهدون لمتابعته بحماس ومتعة، وانعكس
هذا الاهتمام على نسبة المشاهدة بالطبع، فتصدّر المسلسل قائمة الأعمال التلفزيونية
باللغة غير الإنجليزية للأسبوع الثاني على التوالي بواقع 123.59 مليون ساعة مشاهدة،
ليصبح أكثر العناوين مشاهدة خلال أسبوعين على التوالي.
رشح
المسلسل وطاقمه للعديد من الجوائز، وفي حفل توزيع جوائز بيكسانغ للفنون، حصل المسلسل
على جائزة أفضل دراما لعام 2023، كما نالت بطلة المسلسل سونغ هاي كيو جائزة أفضل ممثلة
لهذا العام عن دورها (دونغ إيون)، أما الممثلة ليم جي يونغ فقد حصلت على جائزة أفضل
ممثلة مساعدة عن دورها (يون جين) في المسلسل.
اظهار أخبار متعلقة
يتناول
المسلسل قصة حقيقية لفتاة مراهقة تدعى دونغ إيون، كانت ضحية للعنف المدرسي، فتعرضت
للتنمر اللفظي والجسدي من زملائها باستمرار في الصالة الرياضية للمدرسة، هاجمتها تلك
الطبقة الراقية من الطلاب، أصحاب الأموال أو النفوذ، وكان مدرس التربية البدنية (الأستاذ
كيم) يقوم بالتستر على أعمالهم، وكان يشارك في تعنيفها إذا ما اشتكت من زملائها أو
قدمت شكوى لإدارة المدرسة، معللا ذلك بقوله: "لا بأس بأن يتبادل الأصدقاء الصفعات
أحيانا".
تعرضت
دونغ إيون للتنمر العنيف، من ألفاظ بذيئة تشتم بها، ومن آلات حادة تترك الندوب على
جسدها، وبعض الحروق التي غطت أطرافها وملامحها الأنثوية والناتجة عن تفقد سخونة مكواة
الشعر بملامسته لجسدها، حتى تصفف إحداهن شعرها، أو إطفاء السجائر على ذراعيها، وهذا
ولّد حروقا تشعرها بالحكة على الدوام، ولا تملك سوى أن تخلع ثيابها وتنام على الأسطح
الباردة أو على الثلوج حتى يقل شعورها بالألم، عانت دونغ إيون من شتى أنواع الاعتداءات
والتعذيب بلا سبب يذكر، وبلا رحمة، ولا تملك أحدا سوى والدتها، وهي أيضا تخلت عنها
حين باعت حق ابنتها مقابل أموال دفعها أهالي الطلاب الذين اعتدوا عليها، فوقّعت ورقة
تثبت أن دونغ إيون غادرت المدرسة لعدم قدرتها على التأقلم وليس بسبب العنف المدرسي.
كبرت
دونغ إيون وأكملت دراستها وهي تعمل في إحدى المصانع، حتى تخرجت وعملت كمدرسة في مدرسة
ابتدائية، طوال هذه المدة لم تحلم إلا بالانتقام لنفسها من أولئك الطلبة، فاستمرت في
مراقبتهم لأعوام، تدرس حياتهم، تلتقط نفايات منازلهم لعلها تصل إلى معلومة تساعدها
في انتقامها منهم، وتتبع عوائلهم وكل من يمت لهم بصلة، حتى توصلت إلى معرفة نقاط ضعفهم،
وما قد يؤذيهم، وعرفت أسرارهم التي يخفونها عن الآخرين، وبعض الحقائق التي قد تدمر حياتهم،
وقامت بإعداد خطة محكمة لتنتقم منهم، كما انتظرت الوقت المناسب حين امتلكت تلك القوة
التي تمكنها من مجابهتهم وخوض معركة لن تخسر فيها أبدا.
وتستمر
أحداث المسلسل بين الماضي والحاضر، من "الفلاش باك" الذي يصدم المشاهدين
بمشاهد مؤلمة عاشتها دونغ إيون، إلى مشاهد أخرى تظهر ما عاشته مجموعة المتنمرين في
السنوات الماضية، فكل لديه ما يدمره، ولديه ما يخسره، وكل لديه ما يتستر عليه خوفا
من أن تكتشفه العامة.
بعضهم
يتعاطى المخدرات، وبعضهم يمارس علاقة غير شرعية، والبعض الآخر لديه عقد نفسية وأمراض
لا يعرف عنها أحد.
تأثرت
بطلة المسلسل سونغ هاي كيو البالغة من العمر 41 سنة بدورها -دونغ إيون- بشكل كبير،
وظهر هذا التأثر بخطابها في حفل جوائز بيكسانغ للفنون، حيث قالت: "لقد حصلت على
الجائزة يا يون جين، وأنا الآن متحمسة جدا".
تسلسلت
أحداث المسلسل بطريقة مشوقة إلى حد كبير، ولم تفتقر الحلقات إلى الحماس الذي يدفع المشاهد
إلى تصور الأحداث القادمة وانتظارها، كما أن وجود بعض التفاصيل الرمزية، كلعبة
"الـغو" التي كانت تلعبها البطلة، فلها أبعاد ترمز إلى طريقة انتقامها من
المتنمرين، فجعلت الأحداث تبدو حيوية أكثر، وقادرة على شد انتباه المشاهد إلى أصغر
التفاصيل.
سلبيات
المسلسل
رغم
أن المسلسل نال شهرة واسعة بين المشاهدين، وحقق نسب مشاهدة عالية جدا، إلا أنه لم يخلُ
من السلبيات والتي لا يمكن ألا نشير إليها، كمشاهد التعذيب وتعاطي المخدرات التي لا
تناسب من هم دون سن السادسة عشرة، كما لم يخلُ المسلسل من المشاهد المخلة بالآداب، كظهور
بعض الشخصيات بشكل عار، أو التعمق في تصوير العلاقات الجنسية غير الشرعية والتي لا
يجوز بثها، وغيرها من المشاهد التي كان من الممكن عدم عرضها، ولم يكن بثها مناسبا لأي
فئة عمرية كانت، وأعتقد بأن القصة كانت ستسير بشكل سلس حتى ولو لم تعرض هذه المشاهد،
أو لو لم يتم تصويرها بهذا العمق والدقة، واكتفت الشخصيات بذكرها فقط.