شهدت محافظة
حضرموت اليمنية، حراكا واسعا، على وقع مساعي المجلس
الانتقالي الجنوبي المدعوم من
الإمارات، السيطرة عليها وإلحاقها بالمحافظات الأخرى الخاضعة لسيطرته جنوب البلاد.
وما زال ممثلو قوى ومكونات معارضة للمجلس الانتقالي في حضرموت، في العاصمة
السعودية الرياض منذ الشهر الماضي، في انتظار موقف سعودي متقدم من تحركات الانتقالي نحو محافظتهم.
وعقد ممثلو القوى الحضرمية، لقاءات عدة، منذ وصولهم إلى الرياض، انتهت ببلورة رؤية سياسية لإبعاد المحافظة الاستراتيجية عن أي صراعات وإسناد السلطة فيها لشخصيات من أبنائها.
وأمام موقف الرياض الغامض من التطورات الأخيرة في حضرموت، من بينها التعزيزات العسكرية التي دفع بها المجلس الانتقالي إلى عاصمتها، مدينة المكلا، في وقت سابق من أيار/ مايو الماضي، تثار أسئلة عدة حول تبعات تحول هذه المحافظة إلى ساحة صراع مفتوحة تغذيه دول إقليمية.
"موقف في حدوده الدنيا"
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء، ناصر الطويل إنه من الواضح أن محافظة حضرموت والمحافظات الشرقية تشهد حالة من التدافع بين توجهات الانتقالي الهادف للسيطرة عليها بالقوة وإلحاقها بالمناطق الأخرى التي يسيطر عليها، وبين مكونات مجتمعية وسياسية حضرمية ترفض ذلك وتقاومه بأدوات مجتمعية وسياسية ومن خلال استثارة حلفائها الإقليمين وتحديدا السعودية.
وأضاف الطويل في حديث لـ"
عربي21" أن هذا التدافع وإن كان بين قوى سياسية محلية لكنه مدفوع بأطراف إقليمية.
وتابع، بأنه من الواضح أن الانتقالي مدفوع بسياسات إماراتية محضة باعتبار أن عوامل الاستقلال لهذا الكيان محدودة جدا، ولكونه أداة بيد أبوظبي، فمن الصعب أن يتحرك في الملفات الصعبة والحساسة إلا بتوجيه وتخطيط إدارة إماراتية خالصة.
وقال الأكاديمي اليمني إن القوى الحضرمية استنجدت بالسعودية وطالبتها بالتدخل وبالفعل تم نقل ممثلين لها إلى الرياض للتباحث، ولكن من الواضح أن فاعلية السلطات السعودية التي ترى فيها القوى الحضرمية حليفة لها، في حدودها الدنيا، حيث تم تأمين اجتماع لها في الرياض وتوزيعها إلى فرق.
وأردف: "وهذا السقف على ما يبدو، وربما يخشى أن يكون الأمر هو احتواء مطالب هذه الأطراف أكثر من تحقيق أهدافها وتطلعاتها من الحليف السعودي".
وأكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء أن المؤشرات تقول إن السعودية لن تدعم هذه المكونات المعارضة للمجلس الانتقالي بقوة.
وأوضح أنه إذا أرادت السعودية منع الانتقالي من التوغل أو محاولة فرض سيطرتها على المحافظات الشرقية، فإن ذلك سيتم، باعتبار أنها القوة الإقليمية ذات النفوذ الأكبر في البلاد.
ولفت الأكاديمي اليمني إلى أن المسألة تبدو ليس أكثر من جمع هذه القوى وإيصال رسائل إلى المجلس الانتقالي وربما إلى الإمارات الداعمة له، دون أن تتم ترجمتها من قبل المملكة إلى أي ممارسات في الأرض والحد من نفوذ المجلس الانتقالي.
وحذر السياسي اليمني من تبعات إقحام محافظات شرق اليمن، من خلال توغل المجلس الانتقالي فيها. وقال إن من شأن ذلك، الدفع بها إلى حالة عالية من الفوضى، في ظل القدر العالي الذي تتمتع به تلك المناطق، وتتميز أيضا بوجود مؤسسات الدولة الشرعية إلى حد ما، إضافة إلى فعالية ونشاط تمارسه السلطة المحلية هناك.
وأضاف أن محاولة الانتقالي فرض سيطرته يجرها إلى فوضى شبيهة بتلك التي تعاني منها شبوة وأبين، بحيث لا يستتب الأمر للانتقالي ولا تتمكن القوى المحلية الحضرمية من إدارة هذه المحافظة من خلال السلطة المحلية.
وأوضح أن جر حضرموت إلى الفوضى من خلال سيطرة الانتقالي عليها، سيوفر بيئة مناسبة لأنشطة التنظيميات المتشددة ومنها تنظيم القاعدة.
وقال إن المجلس الانتقالي باقتحامه لهذه المحافظة يكون بذلك أوصل رسالة بأنه اعتدى على كرامة أبنائها، والذي لاشك، قد يدفعهم إلى توسل أي قوة في مواجهة هذا الكيان، وربما تكون واحدة من هذه القوى تنظيم القاعدة، كما قال.
"بعد أمني استراتيجي للمملكة"
من جانبه، قال حسن محمد بن طالب، عضو الهيئة العليا لمؤتمر حضرموت الجامع (أحد المكونات المعارضة للانتقالي في حضرموت)، إن للمحافظة بعدا أمنيا استراتيجيا للسعودية، إضافة إلى المصالح الحدودية والاقتصادية المشتركة مع المملكة.
وأضاف ابن طالب في حديثه لـ"
عربي21" أن "هذا البعد، سيشمل مستقبلا بعدا جغرافيا يتعدى حدود محافظة حضرموت الإدارية".
ورأى أن "المملكة لن تتخلى عن ترتيب أوضاع حضرموت سياسيا وأمنيا واقتصاديا، فذلك، من مصلحة سعودية وعلى جانب كبير من الأهمية".
وأبدى تفاؤله من الموقف السعودي من التطورات الأخيرة في حضرموت، وقال إن الرياض لن تدع أوضاع المحافظة لنتائج صراعات القوى اليمنية في الداخل أو مشاريع موالية لدول إقليمية أخرى.
"الرياض تدير تفاعلات حضرموت"
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي إنه لطالما كان التصعيد تجاه حضرموت من جانب المجلس الانتقالي الجنوبي أولوية تحظى بدعم الإمارات، وتثير ردود فعل لا تكاد تخرج عن الأولويات السعودية التي تنظر لأكبر محافظات اليمن (حضرموت) على أنها مجال حيوي هام بالنسبة للمملكة.
وتابع التميمي حديثه لـ"عربي21" بأن التصعيد في حضرموت لن يفضي إلى دورات عنف أحد أطرافها المجلس الانتقالي، لأن أنصار هذا المجلس من الشخصيات الحضرمية رغم ولائها للإمارات إلا أنها تدين بالتبعية للسعودية.
وأشار إلى أن هذا الأمر تجلى واضحا في استدعاء الرياض لفرج البحسني عضو مجلس القيادة الرئاسي الذي انضم للمجلس الانتقالي مؤخرا وأصبح نائبا لرئيس المجلس، وهو من أهم الشخصيات الحضرمية التي يراهن عليها الانتقالي، بالتزامن مع تواجد ممثلين عن المكونات الحضرمية في السعودية لإجراء حوار بشان خيارات المحافظة في التعامل مع التحديات.
وأكد الكاتب اليمني أن هناك قبضة سعودية واضحة للأحداث في حضرموت وهناك تنسيق بين دولتي التحالف بما يحول دون تصاعد الأحداث إلى مستويات خطرة.
وقال إن المكونات الحضرمية، ليس لديها جهوزية للدخول في دورات عنف ناجمة عن انسداد الأفق، كما أن هناك إرثاً من الصراع الجهوي الجنوبي لا يسمح باستقطاب ذي قيمة في حضرموت لصالح المشروع الانفصالي الذي يهدد بعودة محتملة لذلك الصراع.
وأوضح السياسي التميمي أن التجاذب الحالي يدور بين المكونات الحضرمية ذات الامتداد السعودي مع المجلس الانتقالي حول القوات الحكومية المنتشرة في وادي حضرموت، والتي تمثل التركة المتبقية من الجيش اليمني السابق.
وأضاف أن المحاولات الحثيثة لإجبار هذه القوات على الانسحاب ولَّد ردات فعل قوية من قبل المكونات الحضرمية الذين ينظرون لسلوك المجلس الانتقالي على أنه مقدمة قد تمهد لعودة هيمنة المحافظات الجنوبية الغربية على محافظة حضرموت، كما كان الحال في عهد جمهورية اليمن الديمقراطية السابقة والحزب الاشتراكي اليمني الذي كان يحتكر السلطة في اليمن الجنوبي من 1967 وحتى 22 أيار/ مايو 1990.
وقال التميمي إنه من الواضح أن المملكة تدير التفاعلات الحضرمية وتستفيد كثيرا من هذه التفاعلات وتقوم بإعادة توجيهها بما يتفق مع مصالحها وأولوياتها الجيوسياسية.
وأكد المتحدث ذاته أن المملكة قد صممت لنفسها منذ عقود شكلا من الوصاية غير المعلنة على الفضاء الحضرمي، وهو الأمر الذي سيساهم إلى حد كبير في لجم التفاعلات الدائرة في حضرموت والسيطرة على مآلاتها.