قضايا وآراء

المؤشرات والدلالات الهامة لعملية المجند المصري ضد جنود الاحتلال!

طه الشريف
تشير العملية إلى فشل كل المخططات التي وضعت من أجل جعل التطبيع أمراً واقعاً- جيتي
تشير العملية إلى فشل كل المخططات التي وضعت من أجل جعل التطبيع أمراً واقعاً- جيتي
فجّر المجند المصري الشهيد "محمد صلاح" صاحب واقعة التسلل والاشتباك مع جنود الاحتلال، أوضاعاً كانت هادئة، وحرّك أمواجاً كانت راكدة، وفتح جبهة كانت إسرائيلُ تحاول أن تبقيها كما خُطط لها في "كامب ديفيد"، ساكنة دون حراك، نائمة دون يقظة، خاملة من غير نشاط، ولو إلى حين!..

فإسرائيل تعرف تماما رغم الحميمية التي تبديها الحكومات العربية، وسباق بعضها للارتماء في أحضانها، أن الشعوب -المغلوبة على أمرها- تبغضها أشد ما يكون البغض، وأنه لو كان الأمر بيدها ما بقي الاحتلال يوما واحدا!..

وهذا ما حدا بالإعلام العبري أن يصف العملية الحدودية بالخطيرة! وذلك لقراءته للدلالات والمؤشرات التي تشير إليها الحادثة على أنها "مدبرة".. وليس كما حاول الجانب المصري -في البداية- تفسير العملية على أنها تجاوزات حدثت من المجند أثناء قيامه بمهامه في تعقب مهربي المخدرات، للهروب من شبح "سليمان خاطر"! واكتفاء الإعلام بنقل تصريحات المتحدث العسكري وتجاهل الاحتفاء الشعبي المرصود من خلال ترندات ووسوم عدة على صفحات السوشيال ميديا، في محاولة لعدم تبني فكرة تعمُّد الجندي وتخطيطه للعملية وتحوله لذئب منفرد! كما يحدث مع شباب فلسطين، ممن لا ينتمون إلى تنظيمات المقاومة (حماس والجهاد) وأطلقت الدوائر الأمنية للاحتلال على تحركهم مسمى الذئاب المنفردة!

والتفسير الإسرائيلي ناهيك عن اتساقه مع ذهنية الاحتلال وهواجسه من الماضي المؤلم، أنهم إزاء عملية جديدة لسليمان خاطر في تشرين الأول/ أكتوبر 1985، أو لأيمن حسن في تشرين الثاني/ نوفمبر 1990"، فإنه ينبئ عن نظرة الاحتلال لمصر وثقلها في العالمين العربي والإسلامي بلداً وشعبا كونها مصدر إلهام أصيل لبقية الشعوب، بعيدا عن الاتفاقية التي رعتها إدارة الرئيس "جيمي كارتر" في سبعينيات القرن الماضي، وبعيدا عن تفاهمات الاحتلال مع الحكومات..

وما يعزز ذلك التفسير ما ثبت بالتحقيقات وبعد تفريغ الكاميرات التي تراقب الحركة في مقابل معبر "العوجة"؛ أن العملية جاءت عن طريق القنص ولم تكن كرد فعلِ للمجند المصري، مع اختبائه لعدة ساعات تلت عملية القتل لفردي الحراسة الإسرائيليين، ثم اشتباكه مع دوريات التمشيط، لينهي بذلك أي تفسيرات تبتعد بالعملية عن كونها مدبرة، وهو ما دفع بعض كبار المسؤولين الإسرائيليين إلى مهاجمة القاهرة، مثل وزير الأمن المتشدد "إيتمار بن غفير" ورئيس أركان الجيش "هرتسي هاليفي"..

وأخطر ما تشير إليه الدلالات والمؤشرات الخاصة بعملية المجند الشهيد هي فشل كل المخططات التي وضعت من أجل جعل التطبيع أمراً واقعاً، حتى أقامت بعض العواصم الخليجية معابد لليهود، ونظَّمت إمارة "أبو ظبي" أجواء احتفالية ضخمة لعيد "حانوكا" اليهودي، واستُقبل حاخامات يهود استقبالا حميميا لا يطمع فيه بعض دعاة المسلمين! ناهيك عن الزج بهم في غياهب السجون ومصادرة أموالهم واستباحة أعراضهم ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ومن الدلالات الهامة لتلك العملية هي شهادة الفشل المدوّي للإعلام العربي ولرجال الأعمال المتصهينين الذين يمولونه بضوء أخضر من الأنظمة، ممن حاولوا اللعب في مخيّلة الشعوب لكسر الكثير من المحرمات السياسية والإجتماعية، تماما كما فعلوا في كسر المحرمات الدينية والأخلاقية بإشاعة الانحلال والمجون والمجاهرة بالعلاقات المحرمة على الهواء.

شهادة فشل كذلك لبرامجهم الحوارية المُسممة ولأعمالهم الدرامية التي تدعو إلى التعايش مع الصهاينة والتطبيع الاجتماعي مع الاحتلال، كما فعلت شبكة أم بي سي السعودية في رمضان منذ ثلاثة أعوام، بتقديمها مسلسلين شهيرين هما "أم هارون، و"مخرج7" وقد واكب عرض المسلسلين إجراءات الحظر بسبب تفشي فيروس كورونا ومكوث أفراد الأسرة في المنزل! من أجل قلب الحقائق ونسف الثوابت والمسلمّات وإزالة الحواجز النفسية للتقارب مع الاحتلال..

والجدير بالذكر أن المسلسلات المذكورة كانت أكثر قبولاً في العواصم التي سعت لعلاقات تعاون أكثر دفئا مع إسرائيل، وروجت لما يسمونه "التسامح الديني"، مثل البحرين ودولة الإمارات. وكانت "المنامة" أحد رعاة مسلسل "أم هارون"، من خلال مركز الملك "حمد" العالمي للتعايش السلمي!

حتى فاجأهم المجند ذو الـ23 عاما وخلفيته غير المؤدلجة بأي خلفية سياسية أو فكرية، مع انعدام الصلة بينه والسياسة، ناهيك عن ضعف تحصيله المعرفي من الشهادات الجامعية!

وهو لم يحسب لردة فعل الصهاينة حياله بعد استشهاده، فقد قام الصهاينة بتصويره شبه عار ونشروا صوره لدى إعلامهم لينفثوا الحقد والغل الذي أشعل صدروهم! فقد أبطل بفعله سحراً حشدوا له المردة من شياطين السحر الأسود.. وضيّع أموالا أنفقها الوكلاء الجاثمون على صدورنا من أجل تغييب الوعي وتمييع الثواب.
التعليقات (0)