نشرت مجلة "
ريسبونسيبول ستايت كرافت" الأمريكية مقال رأي للكاتب وليام هارتونغ، سلط من خلاله الضوء على
تلاعب مقاولي الأسلحة بالأسعار، الذي من شأنه أن يُقوّض المصلحة الوطنية للولايات المتحدة.
وقال الكاتب، في مقاله الذي ترجمته "عربي21"؛ إن برنامج 60 دقيقة الذي يُعرض على قناة "سي بي إس"، بثّ حلقة حول تلاعب مقاولي الأسلحة بالأسعار التي لا تعد هدرا لمال
الكونغرس فحسب، بل تعرّض أيضا أمن الولايات المتحدة للخطر؛ من خلال زيادة فرص جعل أنظمة الأسلحة التي يمولها البنتاغون غير جاهزة تمامًا للقتال.
وحسب برنامج 60 دقيقة، فإن المساهم الرئيسي في التلاعب بالأسعار يعود إلى حقيقة أن صناعة الأسلحة باتت صناعة مستقطبة أكثر مما كانت عليه في أي وقت مضى، وذلك بسبب طفرة الاندماج التي بدأت في التسعينيات، وتنامت مرة أخرى في السنوات الأخيرة مع صفقات اندماج "ريثيون يونايتد تكنولوجيز" لسنة 2020.
إظهار أخبار متعلقة
وأشار الكاتب إلى أنه في التسعينيات، كان هناك حوالي 51 شركة دفاعية متعاقدة رئيسية. لكن في الوقت الحالي، تتقاسم لوكهيد مارتن، وبوينغ، ورايثيون، وجنرال دايناميكس، ونورثروب غرومان - وهم أكبر خمسة مقاولين للأسلحة - حوالي 118 مليار دولار من عقود البنتاغون حسب أرقام السنة المالية 2022، أي ما يقارب ثلث جميع العقود التي أصدرها البنتاغون في تلك السنة.
وتصنع هذه الشركات معظم القنابل والصواريخ والطائرات المقاتلة والمروحيات والدبابات وأنظمة الأسلحة الرئيسية الأخرى التي تشتريها الحكومة الأمريكية، مما يمنح البنتاغون نفوذا محدودا عند محاولة التفاوض على أسعار معقولة أو محاسبة المقاولين.
إلى جانب المشاكل التي يطرحها احتكار الصناعة شبه الكامل لإنتاج الأسلحة، فإن البنتاغون ساهم في تفاقم الوضع من خلال التساهل في إجراءات الرقابة، بما في ذلك الفشل في جمع معلومات أساسية كافية لمفاوضات الأسعار؛ واستخدام عدد كبير جدا من العقود أحادية المصدر وعقود التكلفة الإضافية؛ ناهيك عن الفشل في محاسبة المقاولين المسؤولين عن تجاوز التكاليف وضعف الأداء.
وذكر الكاتب أنه في بعض الحالات، عندما يدفع البنتاغون لشركة لوكهيد مارتن لإصلاح العيوب في الطائرات التي تم نشرها بالفعل، تستفيد الشركات بالفعل من أخطائها. وحتى الآن، واجهت الجهود المبذولة للتخفيف من بعض هذه المشاكل، التي دعا إليها الإصلاحيون مثل السيناتور الديمقراطية عن ولاية ماساشوستس إليزابيث وارين، معركة شاقة في الكونغرس، الذي غالبا ما يكون مكبلا بقوة المال ولوبيات الضغط التابعة لصناعة الأسلحة.
ومن المحتمل أن الحاجة إلى رقابة جادة ستتفاقم بسبب الدفع لتوسيع الإنتاج بسرعة لتزويد أوكرانيا بالإمدادات العسكرية اللازمة والاستعداد لصراع محتمل مع الصين. ستفتح مقترحات بيع الأسلحة بسرعة أكبر مع إجراءات تدقيق أقل، إلى جانب الحجم الهائل للأنظمة التي يتم إنتاجها، الطريق أمام تلاعب إضافي في الأسعار.
وأضاف الكاتب أنه في ظل ارتفاع الإنفاق وانخفاض التدقيق، ستنمو فرص الاحتيال وهدر المال وسوء الاستخدام. ويعتبر عدم اتخاذ صناعة الأسلحة وحلفاؤها في الكونغرس والبنتاغون أي إجراءات للتعامل مع حالة الطوارئ الدائمة في أوكرانيا فرصة لزيادة الأسعار، التي يمكن أن تتصاعد حتى بعد نهاية حرب أوكرانيا.
وبدلاً من استخدام عائداتهم المتزايدة لإنتاج أسلحة أفضل أو البحث عن أسلحة جديدة، كان المقاولون الرئيسيون يضعون الجزء الأكبر من أرباحهم في عشرات المليارات من عمليات إعادة شراء أسهمهم لتعزيز أسعارهم، إلى جانب دفع مئات الملايين من التعويضات. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الإجراءات لا تساعد على تعزيز الدفاع الأمريكي فحسب، بل لا تخدم سوى مصالح الشركات العسكرية وثروتها.
وأشار الكاتب إلى أن العامل الآخر الذي يقف وراء إهدار أموال البنتاغون وسوء إدارة المقاولين، هو سعي الولايات المتحدة المستمر لفرض هيمنتها العسكرية على المستوى العالمي. وتعتبر استراتيجية الدفاع الوطني لإدارة بايدن، التي صدرت في أواخر السنة الماضية، مناورة في التجاوز العسكري الذي يزيد الضغط على المجمع الصناعي العسكري لضخ الأسلحة في أسرع وقت ممكن وتجاهل إجراءات التدقيق.
إظهار أخبار متعلقة
وتدعو استراتيجية الولايات المتحدة إلى التدخل في أي حرب، بدءا من الفوز في حرب مع روسيا أو الصين، ومهاجمة إيران أو كوريا الشمالية إلى مواصلة "الحرب العالمية على الإرهاب"، التي تتضمن أنشطة عسكرية على الأقل في 85 دولة.
ويرى الكاتب أنه يمكن تنفيذ استراتيجية أكثر انضباطًا ترفع من مستوى الدبلوماسية، وتكبح جماح تعطش الولايات المتحدة للتدخل العسكري، مقابل دفع أموال أقل بكثير وتصنيع أنظمة أسلحة أقل تكلفة. سيوفر هذا الوقت الكافي لإعادة هيكلة صناعة الأسلحة، وتقليل حجمها، وزيادة المنافسة، والتركيز على أنظمة أسلحة أبسط وأرخص وأكثر موثوقية، يمكن إنتاجها بكميات أكبر حسب الحاجة، مع أوقات إنتاج أقصر ومشاكل أداء أقل. ومن شأن هذا النهج أن يقلل من أرباح المقاولين الرئيسيين، ولكنه سيجعل من السهل الاستجابة بسرعة في أزمة مثل حرب أوكرانيا الحالية.
وفي الختام، أوضح الكاتب أن برنامج 60 دقيقة ينبغي أن يثير نقاشا شاملا حول كيفية شراء الولايات المتحدة لأنظمة الأسلحة لأي غرض، وإلا ستظل الولايات المتحدة متشبثة باستراتيجية عسكرية مغالية، تدعمها شركات صناعة أسلحة غير فعالة، وهو وضع ستكون له تداعيات كارثية على اقتصاد البلاد وأمنها.