عام مضى على رحيل واحدة من رموز الإنسانية الحقة في
هذه الدنيا،
شيرين أبو عاقلة، من جعبة الحياة، فارسة الحقيقة كانت حتى آخر لحظة في
حياتها، أعطت وعدا فكانت كما الأم
فلسطين أهل الوعد والوفاء كله. رحلت بجسدها لكن
ذكراها المعطرة بالعود والعنبر باقية في صفحات التاريخ الحياة لا تنسى، فيها
الرواة الصادقون وإن طغى على مسارها العبثية والعشوائية والتوهان، والأعاصير ومعها
الأمواج التي تلطم فتوجع هنا وهناك. هذا كله مؤقت الأثر، الإنسانية باقية هي طبع أصيل
للحياة.
شيرين لم تكن فلسطينية الاسم فقط كانت قضية العروبة كلها
وشهيدة الإنسانية بكل معانيها ودلالاتها وكل مضمون فيها، أعطت خيرا فمُنحت محبة
البشرية والإنسانية كلها، حتى الشجر وأوراقه والبحر وأمواجه بكوا على رحيلك..
ذرفوا الدموع الصادقة يا شيرين، أوجعت القلوب، رحيلك مسّ الضمير جعله في صحوة وإفاقة
في حيّز هذا العالم والكون الكبير، لأنك الإنسانة وعلامة القلب الأبيض النقي نقاء
فلسطين وطهرها، وكل صفات النُبل فيكِ وفيها، فأنت الابنة البارة خير البر. ياه يا شيرين
ذكراك فعلا توجع وتلامس الوجدان والضمير وتجعله إنسانيا أكثر وأكثر.
شيرين أبو عاقلة وغيرها من أبناء فلسطين رحلوا بأجسادهم
ورائحة الياسمين تحيطهم دوما، لكنهم لن يُطمسوا ولن يغيبوا أبدا لأنهم الضمير نفسه،
لأنهم الحقيقة رغم الألم والوجع الكبير الذي صنعه ذلك السجان والمجرم الصهيوني في أرض
السلام فلسطين. هو امتحان الحياة وقد نالت شيرين ومعها كل شهيد فلسطيني؛ محمد
الدرة، خضر عدنان.. وغيرهما الكثير أيا كان مكانه وموقعه، العلامة الكاملة في
الانتماء للأرض وللإنسان، متى كان النداء كانوا هم أول من لبّى وأجاب.
العذر منك شيرين ومن كل شهيد على تراب فلسطين، قدمتم
الخطوات والمسير فأنتم الشهداء، كنتم المدرسة التي علّمت فكان العلم على أصله وعلى
حقيقته. اليوم فلسطين تعود بأبنائها كما العهد بهم، حيث تلقين بني صهيون درسا في
الإخلاص والوفاء.
فلسطين عربية، هي لشيرين لإخوانها الأوفياء، ليست أبدا
لاتباع هرتزل وشعب إسرائيل. وجودكم مؤقت ولكل وقت ساعة وتوقيت.
شيرين رسمتِ بنفسك ملامح الذكرى لك، حيث يحل العام الأول
على غيابك. مكانك في نقل الحقيقة شاغر لكن ضميرك الحي يصرخ من هناك من بعيد: أنا
هنا أتابع وأعرف وأُرسل إلى أطياف العالم كله، عن إجرام وسادية إسرائيل، أعمل
جاهدا كما كانت شيرين على استدامة الإنسانية التي كانت منارتها وشمعتها الأولى،
وستكون، فلسطين وشيرين.
أنا ضمير شيرين يا عالم اليوم، متى تصحو من كبوتك ومن
غفوتك أو بالأصح من نفاقك؟.. هل من إجابة يا بشر؟ الشجر يجيب، تلك الشجرة التي
احتضت شيرين آخر لحظات عمرها تجيب على هذا السؤال: إسرائيل وشعبها لن يتغيروا لن
يدخل السلام قلوبهم.
إذن متى يقظة عالم اليوم؟ شيرين تسأل وأنت اليوم عليك
الإجابة، لا تتلعثم لا ترتجف، تلك الشجرة كانت أقوى أكثر شجاعة وضميرا حيا منك وأنت
البشر وفيك العقل وداخلك أنا الضمير. أنا ضمير مختلف، أنا شيرين الإنسانة، أنا
الابنة التي غطت آلام فلسطين بغطاء النُبل كله حتى تبقى أرض السلام أرض الحرية والأحرار
برغم أنف المجنون الصهيوني السجان.
رحمك الله شهيدة الإنسانية شيرين، وفيّة أنت حتى ضميرك
معنا وأنت بجسدك غائبة، الحزن موجود لكن الحزن على فراقك أكبر وأكثر وجعا وذرفا
للدموع. ألم الرحيل كله أنت ومعك كل شهيد من أبناء مدرسة الإنسانية الحقّة فلسطين.
ما عاد القلب يحتمل الأسى، ونسأل كم بقي في العينين من مجاميع الدموع؟