مقالات مختارة

فظائع السودان والدرس التاريخي

جلبير الأشقر
عربي21
يوم الإثنين الماضي، دخل النزاع الدائر في السودان بين القوات المسلحة النظامية بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو في شهره الثاني، ولا تلوح في الأفق أي ملامح تسوية سياسية أو حتى هدنة حقيقية بين الطرفين. وإنه لنزاع مختلف عن النزاعات الأخرى التي شهدتها المنطقة العربية في السنوات الأخيرة، في سوريا واليمن وليبيا.

والطريف فيه أنه صدام بين طرفين يقف المجتمع السوداني منهما موقف المتفرج، إنما المتفرج على مشهد مرعب الذي يخشى من أن يطاله العنف الذي يشاهده. فبينما انشطر المجتمع في كل من البلدان الثلاثة التي عرفت نزاعات مسلحة إثر انتكاسة «الربيع العربي» بحيث أمكن وصفها بالحروب الأهلية، يصعب لصق هذه التسمية على ما يدور في السودان، وهو أشبه بنزاع مسلح بين عصابتين تفرضان سطوتهما وخوّتهما على مجتمع مدني لا حيلة له ولا قوة إزاءهما.

فتتفاقم نتائج الصراع يوماً بعد يوم، حيث ناهز عدد ضحاياه 700 من القتلى و5600 من الجرحى (في حين أن أقل من 20 في المئة من مستشفيات الخرطوم لا تزال شغالة).

وقد تسبب في نزوح ما يقارب المليون من السكان، بينهم 200 ألف إلى خارج الأراضي السودانية. وإلى هذه المأساة العظيمة، التي تنذر الأزمة الإنسانية الصحية والمعيشية الناجمة عنها ببلوغ مستوىً يضاهي مستوى الأزمة التي شهدها اليمن، تنضاف مآس أخرى لم تنل بعد ما تستحق من الاهتمام الإعلامي. وقد نشرت صحيفة «ذي غارديان» البريطانية يوم الثلاثاء تقريراً لمراسلتها في الخرطوم، زينب محمد صالح، أفاد بأن السودان يشهد أيضاً ما يصاحب معظم النزاعات المسلحة من مآس تطال النساء والفتيات بوجه خاص، قصدنا بالطبع الاعتداءات الجنسية وحالات الاغتصاب.

ويشير التقرير إلى شهادات بعض النساء والفتيات النازحات اللواتي تعرضن لاعتداءات، ثم ينقل عن سليمة إسحاق، مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة في وزارة التنمية الاجتماعية السودانية، قولها إن مثل هذه الحالات أكثر بكثير مما هو معروف بسبب عجز الكثير من الضحايا عن التبليغ في الظروف السائدة، ناهيك مما نعرفه عن النزعة إلى كتمان الاعتداءات الجنسية في مجتمع لا زال يميل إلى تأنيب الضحية الأنثى بقدر تأثيمه للمرتكب الذكر، إن لم يكن أكثر.

كما يشير تقرير زينب صالح إلى أن قوات الدعم السريع متخصصة في مثل الاعتداءات المذكورة، وقد مارستها ميليشيات الجنجويد على نطاق واسع في حرب دارفور، وهي الميليشيات التي حولها عمر البشير إلى «قوات الدعم السريع» قبل عشر سنوات. كما أن القوات ذاتها، التي لعبت دوراً مركزياً في مجزرة فض الاعتصام أمام مقر قيادة القوات المسلحة في الخرطوم في الثالث من يونيو/ حزيران 2019، معروف عنها أنها ارتكبت حينها أكثر من 70 حالة اغتصاب.

إلى كل ما سبق من فظائع، تنضاف مأساة تحول بعض أحياء الخرطوم ومناطق السودان الأخرى إلى ساحات يسود فيها قانون الغاب إثر انهيار الدولة، فتجول فيها وتحوم عصابات مسلحة تسطو على ما يحلو لها من ممتلكات وأعراض. وتقول شهادات من داخل السودان أن بعض تلك العصابات تابع لطرفي النزاع، بما يزيد كثيراً من خطورتها لغياب أي رادع لها على الإطلاق. وهذا ما يحيلنا إلى درس من تاريخ الثورات بوجه عام وتاريخ الانتفاضات العربية بوجه خاص ما انفككنا نؤكد عليه، ألا وهو أهمية قيام الحركات الثورية بعمل منهجي في صفوف القوات المسلحة كي تكسب إلى القضية الثورية أكبر عدد ممكن من أفرادها قبل أن يفوت الأوان وتستخدمها الأنظمة في وأد الثورات.

فحيث تميزت الثورة السودانية بتفوق رأس حربتها المتمثل بلجان المقاومة، وهي التي قامت بتنظيم المقاومة الشعبية ضد الانقلاب العسكري الذي نفذه البرهان في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وقد أكدت من جديد أهمية دورها من خلال قيامها بتنظيم الخدمات الشعبية إزاء انهيار الخدمات الحكومية من جراء النزاع الناشب قبل شهر، ولاسيما الإشراف على توزيع ما توفر من الغذاء على سكان الأحياء المنكوبة، وهو دور بدأت لجان المقاومة تمارسه منذ طور الثورة السودانية الأول في عام 2019، فإن غياب طرف ثوري أفلح بالسعي وراء مد شبكة تعاطف مع الثورة في صفوف القوات المسلحة، جعل اللجان بلا قدرة على توفير الحماية للأهالي (على الأقل، مما بدا حتى الآن).

ولو كان ذلك الشرط متوفراً، لتمكن الحراك الثوري من حث قسم من صفوف القوات المسلحة على رفض الانخراط في النزاع الدائر وعلى الانضمام إليه في رسم طريق ثالث للبلاد، رافض لطرفي النزاع وساعِ إلى إسقاطهما والمضي إلى الأمام في نقل الثورة السودانية إلى محطة جديدة متقدمة، وهو ما وصفنا قبل أيام بالحلم السوداني ولا زلنا نتمناه.

القدس العربي
التعليقات (1)
محمد
الأحد، 21-05-2023 02:31 م
اذا كان جزءان المكون المدني هو من اجج الصراع ويميل لحميدتي ……. لاي جزءً من العسكر ترغب في تحيده ولمصلحة من ؟ دول عربية منكوبة بكل عسكرها ونخبها …

خبر عاجل