باتت التعيينات والترقيات في الحكومة
المصرية، تمر عبر بوابة السلطة العسكرية بعد إلزام الراغبين في التعيين والترقية، لأول مرة في تاريخ البلاد، بالحصول على دورة تأهيل من الكلية الحربية كشرط أساسي للالتحاق بالوظيفة والترقي.
أصدر مجلس الوزراء المصري خطابا دوريا، الشهر الماضي، يتضمن توجيها رئاسيا بإصدار تعليمات لمؤسسات الدولة تلزم الراغبين بالتعيين بالحصول على دورة تأهيل داخل الكلية الحربية لمدة ستة أشهر كشرط رئيسي للتعيين.
ونقل موقع مدى مصر (مستقل) عن مصادر حكومية، لم يسمها، أن "الكلية الحربية أصبحت منذ عدة أشهر صاحبة الكلمة الأولى في الترقيات والتعيينات داخل الجهاز الإداري للدولة، مشيرة إلى أن الهدف مادي وسياسي في آن واحد من خلال جني عوائد مالية والتأكد من ولاء الموظفين الجدد.
اظهار أخبار متعلقة
على المستوى الرسمي وفي سابقة في تاريخ المهام الرئاسية، حضر رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، منذ شباط/ فبراير الماضي، اختبارات المتقدمين لشغل
وظائف بوزارة النقل، وفي نيسان/ أبريل حضر اختبارات أخرى لعدد من المرشحين لوظائف مدنية في وزارة التربية والتعليم ووزارة النقل والتي عقدت في الأكاديمية العسكرية.
وبحسب المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، أحمد فهمي، فإن السيسي اطلع على منظومة الاختبار الإلكترونية، وتحدث مع عدد من المتقدمين للوظائف من أجل "التعرف على رؤاهم وأفكارهم بشأن الوظيفة التي يتقدمون لها".
عسكرة الوظائف
ويخضع المتقدمون، بحسب وزير النقل المصري، إلى اختبارات طبية ونفسية بالكلية الحربية، وبعد ذلك يحصلون على دورة تدريبية لمدة 6 أشهر بكلية التكنولوجيا العسكرية، لضمان صقل خبراتهم على مستويات عدة مثل التكنولوجيا والأمن القومي.
وفي رده على عسكرة الوظائف أجاب الوزير: "أهلا وسهلا بالعسكرة لو أن اختيار الموظفين سيكون وفق هذه الطريقة"، وقال: "ما العيب في أن نُعلم المتقدمين الأمن لكي نحميهم ونحصنهم من الشرور؟ نحن نستهدف تعيين موظفين أكفاء وطنيين".
وقال الإعلامي المقرب من السلطة، أحمد موسى، خلال برنامجه المذاع على قناة صدى البلد الفضائية، إن المتقدمين لشغل وظائف بقطاع النقل تم تأهيلهم بنفس مستوى الملتحقين بالكليات العسكرية والشرطية خلال الدورة التدريبية التي تستمر لستة أشهر.
مشيرا إلى إجراء التحريات الأمنية من قبل المخابرات والأمن الوطني حول هؤلاء المتقدمين، "ما يضمن أن يكون الموظف منتميا لمصر وليس لأي جهة أخرى".
عسكرة الترقيات في أجهزة الدولة المدنية
بخصوص الترقيات، نقل موقع مدى مصر أيضا عن مصدر بوزارة التربية والتعليم، أن "اجتياز الدورة التأهيلية بالكلية الحربية أصبح هو الشرط الرئيسي للترقي في كل الوظائف داخل الوزارة، مشددًا على أن الوصول للحصول على تلك الدورة تسبقه كثير من الإجراءات والاختبارات".
ويتفق حديث المصدر مع تصريحات وزير التربية والتعليم، قبل أيام، عن المبادرة الرئاسية لاختيار 1000 مدير مدرسة من المعلمين الشباب، حيث يتم منح (المعلمين) تدريبا شاملا بإقامة كاملة لمدة 6 أشهر، على أن يتم منح من يجتاز منهم هذا البرنامج دبلومة في "القيادة التربوية والأمن القومي"، التي تمهد بدورها لمن يجتازها تولي إدارة المدرسة.
وصف البرلماني السابق والحقوقي، الدكتور عز الدين الكومي، القرار بأنه "سابقة في تاريخ البلاد ويخالف القانون والدستور، والمقصد هو اقتصار التعيين والترقيات على موظفين ليست لهم أي جذور أو فروع بالإسلاميين أو المتدينين، وتهدف هذه الدورات إلى غسيل مخ الموظف لضمان ولائهم للمؤسسة العسكرية وليس للدولة".
اظهار أخبار متعلقة
ودلل على حديثه لـ"عربي21" بالقول: "ليس هناك أدل ولا أبلغ من رد وزير النقل الذي جاء من المؤسسة العسكرية بأنه لا يمانع في عسكرة الوظائف إذا كان الاختيار للموظفين سوف يتم على النهج العسكري، وبالتالي فإنه يتم تحويل المعلم وسائق القطار والكمساري إلى رقيب عسكري ومخبر إذا أراد الحصول على وظيفة، ونحن بدورنا نتساءل لماذا لا يقوم الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة بإجراء الاختبارات اللازمة لموظفي القطاع الإداري للدولة وهو المخول بهذا الأمر".
وتساءل الكومي: "لماذا يخضع المواطن الذي يتقدم إلى وظيفة مدنية في القطاع الإداري للدولة لدورة تدريبية إجبارية لمدة ستة أشهر فى الكلية الحربية، فضلاً عن تحريات الأمن الوطني والمخابرات وهو ما يفتح الباب على مصراعيه لعسكرة وظائف القطاع الإداري للدولة؟".
مخالفة قانون الخدمة المدنية
بعد سنوات من توقف التعيينات بالجهاز الإدارى للدولة، كشف وزير المالية المصري، محمد معيط، خلال كلمته أمام مجلس النواب، مؤخرا، أن الحكومة خصصت 3.7 مليار جنيه (119 مليون دولار) لتعيين 70 ألف موظف من بينهم 30 ألف من المدرسين و30 ألف من الأطباء والصيادلة، إضافة إلى تعيين 10 آلاف موظف في جميع مؤسسات الدولة.
يشار إلى أن قانون الخدمة المدنية لا يشترط حصول الراغبين في الالتحاق بالوظائف الحكومية على دورات تأهيل عسكرية من الكلية الحربية، أو اجتياز الاختبارات والدورات التأهيلية، ما يعد مخالفا للقانون وغير دستوري، بحسب مراقبين.
يبلغ عدد الموظفين نحو 5.5 مليون موظف بالجهاز الإداري للدولة بالوزارات ووحدات الإدارة المحلية والجهات والهيئات الحكومية، ولطالما يصفهم المسؤولون وعلى رأسهم السيسي، أنهم عبء ثقيل على موازنة الدولة ولا يتم الاستفادة إلا بنحو مليون موظف فقط.
انقلاب على مدنية الوظائف
اعتبر مدير المركز الدولي للدراسات التنموية والاستراتيجية، الدكتور مصطفى يوسف، مثل تلك الاختبارات والدورات التأهيلية العسكرية بمثابة "تجاوز لكل حدود الدولة المدنية، وتكريس عسكرة القطاعات الحكومية في مخالفة صريحة للقانون الذي لم ينص على مثل تلك الأمور".
وأكد في تصريحات لـ"عربي21": "لم يسبق أن حضر رئيس مصري اختبارات المتقدمين لوظائف مدنية من خلال لجنة عسكرية يحضرها القائد الأعلى للقوات المسلحة، ووزير الدفاع وعدد من المسؤولين العسكريين وكأنها لجنة لاتخاذ قرار حرب لا تعيين موظف في مدرسة أو مستشفى أو في قطاع النقل العام، ما يجعل الأمر أشبه بالعسكرة".
ورأى يوسف أن "حرص الدولة على تصدير هذا المشهد داخليا، هو تأكيد سيطرة
الجيش على المشهد الداخلي، ويؤكد توغل القوات المسلحة في جميع شؤون الدولة المدنية بما فيها التعيينات التي ظلت مغلقة لنحو 10 سنوات إلا باستثناءات معينة يحددها رئيس الوزراء أو من ينوب عنه، وهو يكشف عن طبيعة الدولة الأمنية والعسكرية التي لن تتغير رغم جلسات الحوار المدني التي تسير في عكس الاتجاه دون أمل في الوصول إلى نقطة التقاء".