قالت
صحيفة الغارديان، إن التطورات على صعيد
المصالحة الإيرانية السعودية، تشير إلى أن القوتين في الشرق الأوسط، عازمتان على
تخفيف حدة المنافسة التي شوهتها على مدى 40 عاما.
وأشارت في تقرير ترجمته "عربي21"
إلى أن جميع الإشارات التافهة والكبيرة، تقود إلى أن التقارب حقيقي، وسيتم استئناف الرحلات الجوية المدنية بين
البلدين، إضافة إلى أن إيرانيا فاز في مسابقة سعودية لقراءة القرآن بقيمة 800 ألف
دولار.
والفولاذ الإيراني يشق
طريقه إلى الأسواق السعودية، وشوهد مسؤولون من البلدين يتعانقون بعد أن أنقذت
البحرية السعودية 60 إيرانيا محاصرين في السودان، ومن المتوقع أن يعلن إبراهيم
رئيسي عن زيارة للرياض قريبا، هي الأولى لرئيس إيراني منذ 2007.
وتم الإعلان رسميا في
الصين في 10 آذار/مارس عن المصالحة، التي يقودها اسميا أغرب شريكين ممكنين ولي
العهد السعودي البالغ من العمر 37 عاما، محمد بن سلمان، والمرشد الأعلى الإيراني
البالغ من العمر 83 عاما، آية الله علي خامنئي ووضع الجانبان خطة لمدة شهرين
لتطبيع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بعد ثماني سنوات من التوتر.
وانقطعت العلاقات عام
2016 بعد أن اقتحم محتجون السفارة السعودية في طهران بسبب إعدام رجل دين شيعي
معارض. لكن في الواقع، يخوض الطرفان، اللذان يمثلان ثقافات مختلفة وجناحي الإسلام،
معارك بالوكالة للسيطرة على المناطق منذ الثورة الإيرانية عام 1979.
والسؤال المطروح الآن
هو ما إذا كانت رياح التغيير هذه يمكن أن تنتشر عبر الشرق الأوسط، وتحل نزاعات في
اليمن ولبنان والعراق وسوريا وحتى إسرائيل، والتي تفاقمت جميعها أو حتى استدامتها
بسبب التنافس السعودي الإيراني.
ونصح دبلوماسي مقيم في
لندن بالحذر، فقال: "هذه ليست قصة حب، قالوا إنها استراحة مناسبة للطرفين".
وقالت سينزيا بيانكو،
الزميلة الباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن الصفقة حقيقية ولكنها
هشة للغاية، "هناك بعض النقاط الحاسمة، مثل رئيس جمهوري محتمل في الولايات
المتحدة، أو هجوم إسرائيلي في إيران، كلا الجانبين لا يزالان يبحثان عن أوراق
تأمين محتملة".
وشبه دبلوماسي عربي في
لندن العملية ببناء طابق أرضي يمكن للدول الأخرى البناء عليه، مما يشير إلى أن
التداعيات على المنطقة قد تكون في نهاية المطاف خطيرة، وقال إن الاتفاق قد يؤكد
تراجع نفوذ واشنطن في الشرق الأوسط، ويضعف إسرائيل، ويعيد رئيس النظام السوري بشار
الأسد، إلى الحظيرة العربية، ويزود السعودية بسوق كربون جديد طويل الأمد في الصين،
ويبدأ في إنهاء العزلة الاقتصادية لإيران.
لكن أيهم كامل، رئيس
أبحاث الشرق الأوسط لمجموعة أوراسيا، توقع عملية بطيئة حتى مع قيام الصين بدور
الضامن، وقال: "لا تنتقل من المنافسة إلى التعاون الكبير بين عشية وضحاها،
أظن أن العلاقات الإيرانية الخليجية ستنتقل من عصر المواجهة إلى حقبة طبيعية أكثر
حيث توجد خلافات وتنافس وتعاون".
وقالت الصحيفة إن
الرياض لم تشعر بالأمان في علاقتها بواشنطن منذ عقد على الأقل، وبمجرد انتهاء
اعتماد الولايات المتحدة على النفط السعودي، كان دور الأول كمزود للأمن للأخير
موضع تساؤل حتما وتباعدت مساراتهما ببطء، ورأت الرياض أن دعم باراك أوباما للربيع
العربي مضلل، وحاولت عرقلة جهوده للتفاوض على اتفاق نووي مع إيران في عام 2015.
وترى الصحيفة أن ابن
سلمان، أراد أن يخرج نفسه من خط النار، خوفا من أن تكون السعودية هي محور اهتمام
طهران في حال وقوع هجوم إسرائيلي على المواقع النووية الإيرانية، وأراد أن يتبع
دولة الإمارات الأكثر تحوطا نحو مكان أقل انكشافا والتركيز على تطوير الاقتصاد
السعودي.
قال فارع المسلمي،
زميل الشرق الأوسط في تشاتام هاوس: "لقد انتهت السعودية من هذه الصورة
باعتبارها ماكينة الصراف الآلي العالمية. لم يعودوا بقرة تدر أرباحا في العالم".
وربما أدى التنافس بين
السعودية وإيران إلى تفاقم العديد من الصراعات الموجودة مسبقا في المنطقة، لكنه لم
يخلقها - ولن يؤدي التقارب إلى إنهائها.
قالت بيانكو: "كل
هذه الصراعات هي من صنع الذات ولكن لها أيضا بُعد إقليمي يغذي العنصر المحلي، وهذا
يجعلها أكثر تداخلا، وأكثر تعقيدا، وأكثر دموية".
ورأت الصحيفة أن هناك
فرصة محتملة لإحراز تقدم في اليمن، أفقر دولة في العالم العربي، حيث قامت إيران
بتسليح الحوثيين الذين يقاتلون تحالفا تقوده السعودية ولكن يبدو الآن أنه يدعم
جهود السلام.
وقال المسلمي:
"الحوثيون قد يكونون منهكين بعد تسع سنوات من الحرب الأهلية. السعوديون من
جانبهم يعرفون أن أصغر صاروخ حوثي من اليمن يمكن أن يكلف 500 مليون دولار إضافية
في التأمين".
لكن التنافس بين جماعة
الحوثي والحكومة المعترف بها دوليا والقوات الانفصالية الجنوبية له جذوره في اليمن
نفسه. وقالت دينا اسفندياري، محللة شؤون الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية:
"السيطرة الإيرانية على الحوثيين ليست كاملة، لذا فإن الوعد الإيراني بفعل ما
في وسعها هو مجرد وعد".
وكمقابل للمساعدة
الإيرانية في اليمن، يبدو أن السعودية مستعدة لتطبيع العلاقات مع الأسد. وقد عومل
على أنه منبوذ لمدة 12 عاما، ولكن يوم الأحد تم قبول بلاده في جامعة الدول
العربية. تؤكد الرياض أن التطبيع قد يؤدي إلى تعزيز المؤسسات السورية، ويقدم
الطريقة الأكثر واقعية لاستعادة النفوذ والسيطرة على شبكات المخدرات العابرة
للحدود.
لكن مرة أخرى هناك
عقبات أخرى، فقطر، الشريك الرئيسي لواشنطن في الخليج، تريد من الأسد تقديم تنازلات
سياسية، وهو أمر لم يُظهر أي ميل سابق للقيام به.
كما أنه من غير الواضح
ما الذي قد يعنيه التطبيع بالنسبة لعدد كبير من السكان في المناطق الخارجة عن
سيطرة الحكومة السورية. يريد الأسد من تركيا مغادرة شمال سوريا، والتوقف عن رعاية
المسلحين في محافظة إدلب، لكن أنقرة ليست مستعدة للمغادرة دون تأكيدات بشأن
الأكراد السوريين على حدودها، الولايات المتحدة مصممة على أن الأكراد يجب أن
يؤسسوا نصيبهم من موارد النفط والغاز السورية على غرار النموذج الفيدرالي في
العراق.
دولة ثالثة من المرجح
أن تستفيد من إنهاء الخصومة السعودية الإيرانية ستكون لبنان والتي لم يكن لها رئيس
منذ انتهاء ولاية ميشال عون في تشرين الأول. يجب أن يشغل المنصب حسب الدستور مسيحي
ماروني. لم تتمكن الفصائل المدعومة من السعودية وإيران من الاتفاق على بديل على
الرغم من جولات التصويت المتتالية.
وبالنسبة لرئيس
الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كل هذا قد يؤدي إلى كارثة. كان يعتقد أن
اتفاقات إبراهيم التي صممتها إدارة ترامب ستعمل على تطبيع العلاقات مع السعودية،
لكن بدلا من ذلك تعمل الرياض على تطبيع العلاقات مع أعداء إسرائيل - إيران وسوريا
وحتى حماس.
زار كبار مسؤولي حماس
السعودية لأول مرة منذ عام 2015، ولا يمكن لخطوة الرياض الأخيرة لتصبح "شريك
حوار" لمنظمة شنغهاي للتعاون، التي تتمتع فيها إيران بوضع المراقب، إلا أن
تزيد من قلق إسرائيل.