نشرت صحيفة
واشنطن بوست مقالا للصحفي إيشان ثارور، قال فيه إن الفوضى وانعدام القانون والخوف باتت تسيطر على أجزاء كثيرة من
السودان.
ومر أسبوع منذ أن انفجرت التوترات بين أبرز جنرالين في البلاد وتحولت إلى معارك شاملة امتدت عبر البلاد التي يبلغ عدد سكانها حوالي 46 مليون نسمة، ما حول العاصمة المزدحمة، الخرطوم، إلى مدينة أشباح وأثار موجة من النزوح فرارا لأجل أمان.
وقال ثارور، إن وقف إطلاق النار المؤقت بما في ذلك وقف إطلاق النار خلال عطلة العيد، فشل في وقف الصراع، الذي في جذوره هو التنافس على السلطة بين الجنرال عبد الفتاح البرهان قائد القوات المسلحة السودانية ورئيس الأمر الواقع للدولة، والجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف عموما بلقب حميدتي، والذي يرأس قوات الدعم السريع شبه العسكرية المؤثرة.
وفي ظل اشتباكاتهم، فقد بدأت الدولة السودانية تتفكك، واضطرت العديد من المستشفيات إلى إغلاق أبوابها بسبب نقص الكهرباء والمياه والإمدادات الحيوية، أو تعرضها لنيران أسلحة ثقيلة.
ولفت الصحفي في مقاله إلى أن الجماعات المسلحة ذات الانتماءات المختلفة قامت بنهب المنازل والشركات، ما أرغم المدنيين الذين لم يجدوا طريقة للهروب على التفكير في الاختيار القاتم بين الجوع والحرمان داخل المنزل والمخاطر الأمنية في الخارج.
اظهار أخبار متعلقة
وقال مدرس علوم في الخرطوم لزملائي: "أي شيء نسمعه في الأخبار كذب. النار تزداد قوة. لا يمكننا البقاء هنا. إذا لم تمُت من القنابل، فسوف تموت من الجوع. لا يوجد شيء في الأسواق نأكله".
وأدت الحرب الشديدة في العاصمة إلى سقوط قذائف الهاون على منازل المدنيين وانتشار خليط من المليشيات المحلية في مختلف البلدات والأحياء. وتشير تقديرات متحفظة من منظمة الصحة العالمية إلى مقتل ما لا يقل عن 400 شخص في أنحاء البلاد وجرح آلاف آخرين. قال زملائي في تقاريرهم: "تم إغلاق النوافذ ضد الرصاص الطائش ورائحة الموت النتنة".
ومن بين القتلى موظفون محليون في عدد من المنظمات الدولية بما في ذلك برنامج الغذاء العالمي. كان الأجانب مستهدفين أيضان حيث تعرضت قافلة دبلوماسية أمريكية لإطلاق النار الأسبوع الماضي، وقد أصيب عامل إنساني مسؤول من الاتحاد الأوروبي بالرصاص بجروح خطيرة.
وتحاول مجموعة من الحكومات الأجنبية تنسيق عمليات إجلاء مواطنيها من السودان. وقامت الولايات المتحدة، التي يصل عدد رعاياها إلى نحو 16 ألفا في البلاد، بإجلاء موظفي سفارتها وعائلاتهم في الساعات الأولى من صباح الأحد. وكذلك فعلت مجموعة من الدول الغربية الأخرى.
وتحذر وكالات الإغاثة من أزمة إنسانية متفاقمة في بلد كان يواجه أصلا جوعا متزايدا حتى قبل بدء القتال، وسار آلاف الأشخاص عبر الحدود القاحلة مع تشاد، ويستعد مسؤولو الأمم المتحدة لاستقبال نحو 100 ألف لاجئ سوداني في الأيام المقبلة.
وفي نهاية الأسبوع الماضي، دعا عبدو دينق، منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان، إلى السلام قائلا: "بما أننا نختتم شهر رمضان المبارك ونحتفل بعيد الفطر، وقت السلام والمصالحة، فإنني أدعو جميع أطراف النزاع إلى إنهاء القتال على الفور والعمل من أجل حل سلمي".
ويبدو أن السلام لا يلوح في الأفق، ففي عام 2021، عمل البرهان وحميدتي معا لإسقاط حكومة ضعيفة بقيادة مدنية، ووضعا نفسيهما في السلطة مع تأكيدات للمجتمع الدولي أنهما سيرعيان التحول الديمقراطي الذي بدأ بعد الإطاحة بالديكتاتور الحاكم لفترة طويلة عمر البشير عام 2019.
وبدلا من ذلك، فقد عزز الاثنان مواقفهما، وأبقيا المجتمع المدني والمعسكر المؤيد للديمقراطية بعيدين (بالرغم من تعهدهما في كانون الأول/ ديسمبر بإعادة الحكم المدني في نهاية المطاف)، وأثريا نفسيهما وحلفائهما. ووصلت التوترات إلى ذروتها وسط خلافات حول كيف ومتى يتم دمج قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي في الجيش السوداني النظامي.
اظهار أخبار متعلقة
والآن، يتعهد الزعيمان بهزيمة بعضهما البعض بشكل كامل، مع مشاهد غير مسبوقة من العنف تجتاح الخرطوم؛ "حتى لو قام الجيش بتأمين العاصمة في نهاية المطاف، وانسحب حميدتي إلى دارفور" - المنطقة التي ضربها التمرد حيث بنى حميدتي سمعته كزعيم لمليشيا شريرة مؤيدة للحكومة - وأوضحت مذكرة سياسية من مجموعة الأزمات الدولية الأسبوع الماضي أنه "يمكن أن يتبع ذلك
حرب أهلية، مع احتمال زعزعة الاستقرار في تشاد المجاورة، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وليبيا، وجنوب السودان، وجميعها شوهها الاقتتال أصلا بدرجات متفاوتة".
علاوة على ذلك، فإن السودان مليء بعدد لا يحصى من الجماعات المسلحة والمليشيات الأخرى، والتي يمكن لأي منها أو جميعها أن تراهن على البرهان أو حميدتي، مما يحول الحرب ذات الجانبين إلى حرب شاملة أكثر تعقيدا للجميع، لا سيما في المناطق النائية".
وقال ثارور، إن السودان يجد نفسه في قلب لعبة شطرنج إقليمية معقدة، مع وجود روسيا واحدة فقط من العديد من القوى الخارجية التي تتنافس على النفوذ في ثالث أكبر دولة في أفريقيا. مصر حليف قوي للبرهان، الذي التحق بالكلية العسكرية نفسها التي درس فيها الديكتاتور المصري عبد الفتاح السيسي، والإمارات محايدة علنا، لكنها جندت قوات الدعم السريع التابعة لحميدتي في شن حملاتها في اليمن وفي دبي، أمّن حميدتي سوقا لامتيازات الذهب السوداني الذي يسيطر على تنجيمه.
وقال مجدي الجزولي، محلل سوداني في معهد ريفت فالي، وهو مجموعة بحثية، لصحيفة نيويورك تايمز: "الجميع أراد جزءا من السودان ولم يكن بإمكانه تحمل كل التدخل.. الكثير من المصالح المتنافسة والمطالبات كثيرة جدا، ثم انهار التوازن الهش، كما ترون الآن".
ويخشى الدبلوماسيون الذين يتعاملون مع سياسات السودان المعذبة من تحول أكثر قتامة في دولة ليست غريبة عن الحروب المدمرة. وتجربة دولة جنوب السودان المجاورة، التي نالت استقلالها عن الخرطوم بعد عقود من الصراع ويمزقها التنافس بين اثنين من أمراء الحرب، توفر دليلا مقلقا، وإن كان جزئيا فقط. وقال إندري ستيانسن، سفير النرويج في السودان، لقناة الجزيرة: "لم يكن أي وضع في الماضي مثل هذا، إنه كابوس"، محذرا من أن القوى الخارجية قد تزيد الوضع سوءا، ومضيفا أن "الطريقة الوحيدة لتحقيق الاستقرار هي الانتقال الشامل نحو الديمقراطية".
ومع ذلك، فإن هناك أسبابا تدعو للسخرية من مثل هذا الخطاب. كتب جاستن لينش في فورين بوليسي: "ما عجل في وقوع هذه الحرب في السودان هو اتفاق المصالحة وخطة إصلاح قطاع الأمن التي دفعت الولايات المتحدة وبعثة الأمم المتحدة في السودان باتجاهها. مباشرة بعد الانقلاب في عام 2021، وأعادت الولايات المتحدة والأمم المتحدة تنشيط الخطة"، التي أضاف أنها "خلقت ببساطة منافسة حفزت حميدتي والبرهان على بناء قواتهما".
جيفري فيلتمان، المسؤول السابق في الأمم المتحدة والمبعوث الأمريكي السابق للقرن الأفريقي، جادل بأن الجنرالات لا يمكن أن يكونوا جزءا من حل دائم. وكتب فيلتمان في مقال له في صحيفة واشنطن بوست: "إن أكبر ضرر يمكن أن يلحق بالشعب السوداني، وبسلامة السودان كدولة ذات سيادة، وبأمن جيران السودان، وحقيقة للسلم والأمن الدوليين، هو السماح للمفاوضات بين المتحاربين بأن تسفر عن اتفاق آخر يحظى بتأييد دولي ويقوم على مشاركة السلطة، وعلى الأقل الآن يجب أن يكون واضحا أن البرهان وحميدتي ليسا إصلاحيين، وأنه لا يمكن إصلاحهما أبدا".