بدأت تأثيرات عودة العلاقات
السعودية - الإيرانية تنعكس على بعض الملفات في المنطقة. والملف الأول الذي شهد تطورا إيجابيا هو ملف الحرب اليمنية؛ حيث قام وفد سعودي بوساطة ومشاركة عُمانية بزيارة صنعاء والتقى مع القيادات الحوثية، وفي هذا الإطار تم بحث وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى وحلّ النزاع القائم. وقد أفضت المحادثات السعودية - الحوثية إلى تبادل أسرى وتثبيت وقف إطلاق النار. والمبادرة السعودية في اليمن تتحدث عن وقف إطلاق نار لمدة ستة شهور، يعقبها حوار لمدة ثلاثة شهور، وبعدها فترة انتقالية لمدة عامين في عملية سياسية لتوحيد البلاد.
وينعكس تحسن العلاقات بين السعودية وإيران، على ملف العلاقات السعودية - السورية، ولعل زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد للسعودية بمنزلة فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، ومقدمة لعودة سورية للجامعة العربية بعد إزالة الرفض القطري طبعا. مع العلم أن أحد أهم شروط السعودية السابقة لعودة سوريا، هو تخليها عن العلاقة والتحالف مع إيران. أما وقد استؤنفت العلاقات السعودية - الإيرانية، فلم يعد هذا الشرط مطروحا.
والملف الثالث، الذي على ما يبدو سيتأثر بمتغير العلاقة السعودية - الإيرانية، هو الملف
الفلسطيني. وقد دعت السعودية الرئيس محمود عباس لزيارة الرياض، حيث يلتقي ولى العهد الأمير محمد بن سلمان، ويبدو أن الموضوع الأهم على أجندة اللقاء مع ولي العهد، هو ملف المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية. وفي هذا السياق سيزور وفد من حركة «حماس» السعودية في وقت لاحق، بعد أن تأجلت الزيارة المقررة يوم الأحد القادم على ما يبدو؛ بسبب اللغط الكثير الذي واكب الإعلان عنها. وفي كل الأحوال، هذه ليست المرة الأولى التي تتدخل فيها السعودية في ملف المصالحة، فلا يزال اتفاق مكة بين قيادتَي «فتح» و»حماس» حاضرا في قائمة الاتفاقات الفلسطينية حول المصالحة والوحدة الوطنية.
الآن، وفي ظل المتغيرات الإقليمية والدولية، لا يجوز بأي حال أن تضيع القيادة الفلسطينية فرصة المصالحة الوطنية، إذا ما كان هناك أفق لحصولها، وإذا كان هناك تدخل سعودي فعال من أجل إتمامها، ولو نتيجة لانفراج العلاقات السعودية - الإيرانية. فمعنى إضاعة فرصة قائمة كهذه هو الخروج من دائرة التأثير في الأحداث بالمنطقة، خاصة مع وجود انعكاسات جدية لما يجري على الساحة الدولية من تشكل لنظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، بل وما يحدث على ساحة الصراع مع إسرائيل، في إطار الأزمة الإسرائيلية الداخلية والضعف الإسرائيلي الملحوظ، ومحاولات توحيد الجبهات المعادية لإسرائيل بجهود إيرانية قوية.
من المهم أن تكون للقيادة الفلسطينية بصمات واضحة في بلورة الأوضاع الفلسطينية الداخلية، وشكل العلاقة المستقبلية مع دولة الاحتلال. وخروج القيادة من دائرة التأثير باستنكافها عن دفع ملف المصالحة والوحدة الوطنية لأسباب غير جوهرية، سيقود إلى تهميش دورها واستثنائها من الترتيبات المستقبلية القائمة على التحولات المتسارعة إقليميا ودوليا.
وفي الواقع، موضوع المصالحة والوحدة الفلسطينية أصبح أولوية وطنية من الدرجة الأولى؛ في ظل المخاطر التي تتهدد القضية الوطنية بعد تشكيل حكومة أقصى اليمين العنصرية في إسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو، ولم يعد خاضعا للأمزجة والحسابات الصغيرة مهما كان نوعها. وفي هذا الإطار، تقع المسؤولية الأكبر على القيادة بشكل رئيس، حتى لو كان الطرف الثاني وهو «حماس» يتحكم بزمام الأمور في غزة، وقد لا يكون سهلا إعادة توحيد الوطن. فما هو مطلوب من القيادة أكبر بكثير من المطلوب من أي فصيل مهما بلغ حجمه. وهناك مسؤولية تاريخية أكبر من كل المصالح الفئوية والذاتية، وهي مصلحة الوطن التي تتطلب استغلال كل فرصة ممكنة للنيل من العدو وتحقيق إنجازات وطنية مهمة. واللحظة الآن باتت مهيأة أكثر من أي وقت مضى لاستغلال المتغيرات الكونية لصالح الحقوق الفلسطينية.
الآن، وبصرف النظر عن وجود وساطة سعودية أو غيرها، هناك حاجة ماسة لتغيير قواعد اللعبة السياسية مع إسرائيل. وأحد أهم الأمور التي يمكنها أن تعزز الموقف الفلسطيني في مواجهة المشروع الاستيطاني العنصري، هو توحيد الساحة الفلسطينية. ودون هذه الوحدة لن يأخذنا أحد على محمل الجد، ودونها كذلك ستفقد القيادة دورها لصالح محاور أخرى ستكون أكثر قوة وتأثيرا؛ في ظل الحديث عن توحيد الجبهات ضد إسرائيل.
وفي النهاية، يتفاوض العالم مع الأقوياء وأصحاب الموقف والتأثير، ولا يهتمون كثيرا بفكرة الشرعية طالما صاحب الحق الشرعي يتنازل عن دوره. هناك فرصة يجب عدم تفويتها، وينبغي أن نمنح السعودية الفرصة لتحقيق إنجاز قد يؤدي إلى إحياء المبادرة العربية للسلام كبديل لعملية التطبيع العربي المجاني مع الاحتلال.
(الأيام الفلسطينية)