يواجه رئيس
الوزراء الأسكتلندي الجديد
حمزة يوسف أزمة متصاعدة داخل الحزب القومي الأسكتلندي
الذي يتزعمه، خصوصا مع التحقيقات التي تجريها الشرطة بشأن مخالفات مالية محتملة في
الحزب. من جهة أخرى، أثارت صحفية بريطانية تصريحات سابقة ليوسف يرفض فيها وصف
إسرائيل كدولة فصل عنصري كما يرفض مقاطعتها.
وفي أول إعلان له عن خططه القادم، قدم يوسف رؤية جديدة
للسنوات الثلاث القادمة، تتضمن تخليا أو تأجيلا لسياسات أساسية للزعيمة السابقة
نيكولا ستورجين.
وحمزة يوسف، هو أول مسلم في
أوروبا يتولى منصبا بهذا الحجم، حيث انتخب الشهر الماضي على رأس الحزب القومي
الأسكتلندي ثم رئيسا لوزراء أسكتلندا، باعتبار أن الحزب يتمتع بالأغلبية في البرلمان
الأسكتلندي، بعد الاستقالة المفاجئة لستورجين.
ويواجه الحزب
أزمة غير مسبوقة، في ظل تحقيقات الشرطة الأسكتلندية حول شبهات بمخالفات مالية، حيث
تم التحقيق مع مسؤولين كبيرين في الحزب حتى الآن؛ هما المسؤول المالي في الحزب كولين
بيتي، وقبله المدير التنفيذي السابق في الحزب بييتر مورلي (زوج ستورجين).
ورغم أن غالبية السياسات التي أُعلن عنها الثلاثاء
تتعلق بقضايا محلية، بعضها يتعلق بإعادة تدوير النفايات، وأخرى بمجال التعليم، أو القيود والإعلانات الخاصة بالكحول، ومشكلات قطاع الأعمال، إلا أنها تعكس سعي يوسف لإعادة
بناء الحزب بعدما بدا أن الهدف الأول للحزب، وهو إجراء استفتاء جديد على استقلال
أسكتلندا عن المملكة المتحدة، قد تراجع التأييد له في صفوف الأسكتلنديين.
وقال يوسف خلال لقائه مع ممثلين عن قطاع الأعمال؛ إنه
سيركز على ثلاث مهمات؛ معالجة مشكلة الفقر، وبناء اقتصاد نام عادل وأخضر، وتحسين
الخدمات العامة.
لكن يوسف واجه انتقادات من أحزاب المعارضة في
أسكتلندا، متهمة الحزب القومي الأسكتلندي الذي يتزعمه، بالفشل خلال السنوات
الماضية. ويتحدث معارضوه عن الانقسام الذي يشهده الحزب بعد رحيل ستورجين وانتخاب
زعيم جديد بفارق ضئيل، والفضيحة المالية التي تحقق فيها الشرطة، وأن ذلك من شأنه
أن يصرف اهتمام يوسف عن قضايا ملحّة، مثل ملف الخدمات الصحية وقضية المياه العادمة
التي يجري إلقاؤها في الأنهر؛ للتركيز على مسألة إصلاح حزبه.
وبدت علامات الانقسام في الحزب بعدما رفض منافسو يوسف
في الانتخابات على زعامة الحزب، تسلم أي مناصب في الحكومة الأسكتلندية الجديدة،
وخصوصا منافسته كيت فوربس التي حلت ثانية بفارق ضئيل عن يوسف.
ودعت فوربس الحكومة لاستخدام كامل صلاحياتها لبناء
اقتصاد سليم وقادر على مواجهة مشكلة الفقر.
وكان يوسف خلال حملته الانتخابية قد تعهد بعقد قمة
لمكافحة الفقر، يُدعى إليها مختصون إضافة إلى المعارضة، كما تعهد بتخصيص مدفوعات إضافية
للأطفال.
وحذرت فوربس من أن الناخبين يراقبون بعناية ما يجري في
الحزب، منبهة إلى أن الحزب سيكون في مشكلة في الانتخابات العامة في
بريطانيا المنتظرة
العام القادم؛ دون اتخاذ "إجراءات حازمة وعاجلة".
ويشار إلى أن الحزب القومي الأسكتلندي هو الحزب الحاكم
في أسكتلندا، وهو أيضا صاحب غالبية مقاعد البرلمان الممثلة لأسكتلندا في البرلمان
البريطاني في لندن.
وجاءت تحذيرات فوربس على ضوء التحقيقات مع مسؤولي
الحزب بشأن استخدام تبرعات تبلغ نحو 660 ألف جنيه أسترليني؛ مخصصة لحملة الاستفتاء
لاستقلال أسكتلندا.
وقالت فوربس لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)؛ إن
هذه القضية تطرح تساؤلات عن "الثقة والشفافية". وأوضحت أن الحزب
"في لحظة حرجة جدا، والاستجابة وردة الفعل ستحددان كم هي المشكلة كبيرة
بالنسبة للحزب القومي الأسكتلندي".
وكان زوج ستورجين قد اعتقل في
وقت سابق بعد مداهمة وتفتيش منزلهما، للتحقيق معه في القضية المالية قبل أن يطلق
سراحه لاحقا بدون اتهامات. والثلاثاء اعتقل بيتي على ذات الخلفية، ثم أطلق سراحه بعد
التحقيق معه.
ويواجه يوسف دعوات من داخل
حزبه لتعليق عضوية ستورجين وكل من لهم صلة بالقضية حتى انتهاء التحقيقات، وهو ما
قد يتسبب بمزيد من الانقسام في الحزب.
وعلق يوسف بعد اعتقال بيتي الثلاثاء بالقول؛ إنه لا
يعتقد أن حزبه يتصرف "بطريقة إجرامية"، لكنه رفض وقف بيتي عن مهمته
كمسؤول عن مالية الحزب، مؤكدا أن "الناس أبرياء حتى تثبت إدانتهم".
وأكد في المقابل أن الحزب بحاجة "لمراجعة بشأن
الشفافية والحكم الجيد"، وكذلك "تغيير في الطريقة التي يعمل بها
الحزب".
وكانت رسائل إلكترونية مسربة ظهرت في نهاية الأسبوع
الماضي، قد أشارت إلى ستورجين، عرقلت خططا لتعيين مدير مستقل للإشراف على التبرعات، رغم ما أثير حينها من مخاوف بشأن الشفافية.
ويرى منتقدون من أحزاب المعارضة في أسكتلندا، أن تركيز
الحزب القومي الأسكتلندي خلال السنوات الخمس عشرة التي تولى فيها السلطة على قضية
الاستقلال، أضعف أداء المؤسسات والخدمات في أسكتلندا، وأن الحكومة لا تقوم بدورها
بفعالية.
أبارتايد إسرائيل:
من جهة أخرى، كشفت الصحفية البريطانية يوفون ريدلي أن
يوسف يرفض تصنيف إسرائيل كدولة فصل عنصري، رغم أن زوجته
فلسطينية وأقاربها ما
يزالون في غزة.
وأشارت ريدلي في مقال لها في موقع ميدل إيست مونيتور؛ إلى
أن يوسف هو أول رئيس وزراء مسلم في أوروبا الغربية. وقالت؛ إن الحزب القومي
الأسكتلندي دخل في فوضى بعد ساعات من تولي يوسف رئاسة الوزراء، حيث أطلقت الشرطة
تحقيقاتها في الاتهامات بالمخالفات المالية.
ورغم "النشوة" التي انتابت المجتمع المسلم
المؤيد للحزب في أسكتلندا، فقد رأت مجموعة ضغط إسلامية، وهي اللجنة الإسلامية للشؤون
العامة، أن انتخاب يوسف قد لا يكون مدعاة للاحتفال. وقالت المجموعة؛ إن يوسف
"الذي يريد انفصال أسكتلندا عن إنجلترا، يرفض ذات الحق لفلسطين".
وأشارت المجموعة عبر موقعها الإلكتروني إلى تصريح قديم
ليوسف يعود إلى أيار/ مايو 2014، يقول فيه؛ إن "إسرائيل ليست دولة فصل عنصري"
(أبارتايد)، رغم أن الوصف استخدم من الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر، ومنظمات
حقوقية دولية مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، وحتى منظمة إسرائيلية هي بتسيلم.
وبعد شهرين من هذا التصريح، نفذت القوات الإسرائيلية
اعتداءات على قطاع غزة وارتكبت مجازر راح ضحيتها 2100 فلسطيني.
وكانت ريدلي عضوة في الحزب القومي الأسكتلندي حتى عام
2021، لكنها غادرت الحزب والتحقت بزعيم الحزب السابق أليكس سالموند الذي استقال من
الحزب وأسس حزبا جديدا. وتقول ريدلي إن سالموند يدعم الفلسطينيين.
وتنقل ريدلي عن حمزة يوسف قوله عام 2014 أيضا: "أستطيع
أن أمنحكم تعهدا من الحكومة الأسكتلندية بأن سياستنا ليست مع مقاطعة إسرائيل"،
مشيرا إلى أن سياسة حكومة أسكتلندا تجاه الشرق الأوسط "لا تختلف كثيرا عن
سياسة المملكة المتحدة".
وأشارت ريدلي إلى أنها كتبت إليه تحذره من أن الحملة
الأسكتلندية للتضامن مع فلسطين (SPSC)، لن تغفر له ما ترى فيه خيانة للشعب
الفلسطيني.
وتساءلت عما إذا كان موقف يوسف قد تغير منذ زواجه من
نادية النخلة، وهي فلسطينية تنحدر من قطاع غزة، وتفخر بجذورها الفلسطينية، وأفراد
عائلتها ما يزالون في غزة.
وخلال "القصف الوحشي للدولة الصهيونية" على غزة
في رمضان 2021؛ كتب يوسف مقالات تنتقد العنف الذي يهدد حياة أقارب زوجته في غزة،
وأنه "يصلي ويأمل أن يبقوا أحياء في الصباح"، ودعا "المجتمع الدولي
للتدخل وحل جذور الصراع بشكل حقيقي".
من جهته، قال مايك نابير، المؤسس المشارك للحملة
الأسكتلندية للتضامن مع فلسطين: "كخطوة أولى، نحث رئيس الوزراء الجديد على تأكيد
دعوة الحكومة الأسكتلندية عام 2014 التي تكررت في 2015 لفرض حظر السلاح على إسرائيل".
ودعا للاعتراف بأن "كل منظمات حقوق الإنسان
الكبرى، أوجدت وضعا يجعل إصراره على إنكار أن إسرائيل دولة فصل عنصري، يفصله عن
التيارات التقدمية في أسكتلندا".
وأضاف نابير: "سيجد أنه لا
يستطيع مطلقا توقع استرضاء جماعات الضغط الموالية لإسرائيل عبر إثارة الجرائم
الإسرائيلية، و(في الوقت نفسه) إدانة أولئك الذين يقاومون همجيتها ضد الشعب
الفلسطيني".
ورأت ريدلي أنه ما دام يُنظر إلى يوسف كداعم لإسرائيل،
فإنه لا يستطيع أن يكون "بطل الاستقلال" لأسكتلندا، وفق قوله.