منذ بضع أيام خرج
الداعية السعودي الشيخ صالح المغامسي على إحدى
القنوات
السعودية، في حوار لا يمكن أن يكون عفويا، فقال: إنني أرجو أن يوفقني الله
لإنشاء
مذهب فقهي جديد، ومنذ هذا الإعلان منه، وردود الأفعال مختلفة حول كلامه،
وكيف له أن يتجرأ بالإعلان عن ذلك وفي قلب السعودية، وفي وسيلة إعلام سعودية
رسمية، وهل لكلامه ومشروعه المزعوم علاقة بالأمير محمد بن سلمان، ولي عهد
السعودية؟
بعيدا عن نقاش المغامسي في بهلوانية دعواه، فالمعلوم للقاصي والداني
من أهل العلم، وللمغامسي نفسه، أنه من أواخر من يمكن أن يقوموا بهذا العمل من أهل
العلم، فالرجل ليس له أي صلة من قريب أو بعيد بالبحث الفقهي، ولا يعرف له اشتغال
بالفقه ومسائله لا أصولا ولا فروعا، فكيف يجرؤ على طرح كهذا.
فلا يعلم عن المغامسي أنه ألف كتابا في الفقه، ولا أصوله، ولا كتب
بحثا فيه، ولا مقالا، ولا له فتوى فقهية تعلن عن ملكته الفقهية، أو ميوله الفقهية،
فلا يعرف عنه الفقه تقليدا حسب قواعده المعروفة لدى أهل التقليد الفقهي، ولا
اشتغالا بالفقه فكرا أو تأليفا، فكيف يقدم من هذا حاله على هذه الخطوة، أو الدعوة
إليها؟!
وبعيدا أيضا عن تخصص المغامسي وهو من دارسي اللغة، ومعروف بأنه داعية
موفق ومحبوب من شرائح مختلفة من الناس، وقد كان معنيا لفترة في خطابه بتزكية
النفس، ومعلوم أن الخطوة التي أقدم عليها تتعارض مع مسيرته السابقة، فمن لديه
العلم الحقيقي ينكر ذاته، بل يعمل بلا إعلان، ويرى الناس عمله، ويحكمون، فضلا عن
لباسه لباسا لا يتناسب مع قدراته.
محمد بن سلمان أعلن منذ عام في حوار له مع مجلة (أتلانتيك)، ونقل الحوار موقع روسيا اليوم، والسي إن إن، ومواقع سعودية، صرح فيها ابن سلمان، عن قرب انتهاء مشروع قام به يتعلق بالسنة النبوية، من حيث تنقيتها حسب قوله، وأن ما صح منها فقط يصل لألف حديث، في تصريح غريب وعجيب.
وهذا ديدن المذاهب الفقهية التي تأسست، فلم يسمع عن إمام أعلن عن
نيته أو سعيه لتأسيس مذهب فقهي للأمة، بل قام الأئمة بعمل مذاهبهم، وفق منهج
معروف، وحمله تلامذة أنضجوا هذا المذهب، وطوروا منه، وصار مدرسة فقهية معروفة، فلا
بد من منهج، ورسالة، وكتب، وتلامذة، وأتباع، وقبول من الناس وأهل العلم، وهو ما
يعرفه يقينا المغامسي، فكيف جرؤ إذن على دعواه؟
لا يمكن أن يفصل باحث يريد تناول أو مناقشة دعوة المغامسي، بعيدا عن
الوضع الجديد والظروف الجديدة في المملكة العربية السعودية، في ظل مجال عام لا
يمكن أن يغرد فيه شخص خارج السرب، ولا قريبا من ذلك، في ظل وجود كم من العلماء
الكبار في السجون السعودية، لمجرد أن غرد أحدهم وهو الشيخ سلمان العودة، يتمنى أن
يتم الصلح بين قطر والسعودية وقت الخلاف الذي دار منذ سنوات، وقد تم بالفعل بعد
سنوات من تغريدته، وبقي المغرد في السجن، وتصالح من كانت التغريدة عنهما: قطر
والسعودية!
فضلا عن علماء آخرين، وما حدث من تنكيل بهم، وسوء معاملة داخل
السجون، في ظل غياب تام وعدم تواصل سواء من أهلهم، أو من منظمات حقوقية، أو من
جهات معتدلة تسعى لتخفيف هذا الوضع من الداخل السعودي، فأنى لداعية سعودي في وسيلة
إعلام سعودية، يجرؤ على هذه الخطوة؟
إن وراء الأكمة ما وراءها، وبالنظر للقضايا التي طرحها المغامسي في
البرنامج التلفزيوني الذي أعلن عن نيته فيه، فقد تناول السنة النبوية، في قضايا
محددة منها، فضح بها المغامسي وكشف عمن يقف وراء مشروعه، إنه ابن سلمان، حيث إن
محمد بن سلمان أعلن منذ عام في حوار له مع مجلة (أتلانتيك)، ونقل الحوار موقع
روسيا اليوم، والسي إن إن، ومواقع سعودية، صرح فيها ابن سلمان، عن قرب انتهاء
مشروع قام به يتعلق بالسنة النبوية، من حيث تنقيتها حسب قوله، وأن ما صح منها فقط
يصل لألف حديث، في تصريح غريب وعجيب.
وأعلن ابن سلمان، أن المشروع انتهى تماما، وسوف يعلن عنه ويطرح بعد
عامين، وقد مضى الآن عام وشهر، ولم يبق لابن سلمان سوى إخراج مشروعه، ولا بد من
بالونة اختبار تطلق بين الناس، وتتحمل النقد والرد والهجوم، فتقدم المغامسي بطرحه،
ولم يستطع تجميل الطرح، ولا حسن عرضه، لأن المشروع يخفي ما يخفي من نوايا سياسية.
وقد يرفض البعض هذا التحليل، فيقول: لقد أخرجت هيئة كبار العلماء
بيانا ضد كلام المغامسي، بأن هذه الدعوة تفتقد الموضوعية والواقعية، وأن في
المجامع الفقهية والاجتهاد الجماعي ما يغني. وبيان الهيئة نفسه دال على أن كلام
المغامسي هو دعاية لمشروع ابن سلمان، ولذا كانت صيغة الرفض لكلام المغامسي مجهلا
دون ذكر اسمه، ثم أحالت الأمر إلى وجود الاجتهاد الجماعي، وهو أمر منهجي وعاقل،
لكنه أيضا في ظل هذه القبضة المحكمة على المجال العام السعودي لا يمكن أن يصدر إلا
بهذه الصيغة.
ما قام بطرحه المغامسي، ليس معبرا عن فكره ولا طرحه الحقيقي، ولا عن حجمه العلمي، بل هو معبر عن مشروع سياسي بامتياز، قام به ويقوم، وسوف يعلن في الوقت المناسب عنه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
لكي تكون الصيغة ـ أيضا للأسف وحتى مع إحساننا الظن بالهيئة ـ تمهيدا
لمشروع ابن سلمان عن السنة، فإن مآخذ الهيئة وغيرها على المغامسي أن الجهد الجماعي
يغني، وهنا يخرج مشروع ابن سلمان، بأنه جهد جماعي، من لجنة شكلها ولي الأمر، وقامت
بعملها وفق ضوابط، فإذا أردتم عملا جماعيا فنحن هنا ومشروعنا جاهز، فعلام الاعتراض
إذن؟!
والحقيقة أن مشاريع السنة التي تنطلق كل فترة بغرض سيء أو غير سيء
كثيرة، مما يجعل علامات استفهام توضع أمامها، ولا نراها إلا تسير بخطى دؤوبة، كل
خطوة تسلم الأخرى، فنفس الرقم الذي ذكره ابن سلمان أن ما صح من السنة عندهم (1000)
حديث، هو نفس المشروع الذي قام به منذ سنوات المرحوم جمال البنا حول السنة أيضا،
وسعى إليه شحرور، وسعى إليه آخرون.
خلاصة الأمر: أن المغامسي لا يعزف بعيدا عن السلم الموسيقي الرسمي،
والمشروع الرسمي أيضا لا يعزف بعيدا عن سلم الاستشراق والتغريب الذي يعمل منذ عقود
في بلادنا، ولا ينتهي الهجوم على السنة، بل تختلف أشكاله، من شكل لآخر، تارة في
البخاري، وأخرى في أبي هريرة، وأخرى في حديث الآحاد، وكل ما يثار من إشكالات سبقهم
إليها علماء جهابذة طرحوا الإشكالات، ووضعوا ضوابط لنقاشها وتناولها، ولا حرج على فتح
الباب للمؤهلين والمختصين بذلك.
فما قام بطرحه المغامسي، ليس معبرا عن فكره ولا طرحه الحقيقي، ولا عن
حجمه العلمي، بل هو معبر عن مشروع سياسي بامتياز، قام به ويقوم، وسوف يعلن في
الوقت المناسب عنه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
[email protected]