كان اسمه معروفا كقائد لإحدى أكبر الثورات التحريرية في العالم، وأحد رموز الكفاح ضد الاستعمار والإمبريالية، وأحد زعماء حرب
الاستقلال الجزائرية ضد فرنسا.
كانت له علاقات طيبة مع السوفييت وقوية مع الصينيين، وربطته علاقة خاصة مع تشي غيفارا، وحظي باحترام شديد من فيديل كاسترو وقادة أفريقيا ودول عدم الانحياز.
كان ناصريا، وكان يؤمن بنوع من الاشتراكية المبنية على التراث العربي الإسلامي لأنه مسلم مؤمن، كما كان يقول، يؤمن بالنظام الإسلامي، وأنظمة الزكاة والصدقات والأوقاف تمثل حلولا صالحة.
احتراف كرة القدم
أحمد بن بلة المولود في مغنية جنوب مدينة وهران عام 1916 لعائلة بسيطة قدمت من مراكش في المغرب واستقرت بمغنية، بدأ تعليمه في الزاوية القرآنية التي كان والده مقدما فيها، إلى جانب دراسته في المدرسة الفرنسية، ثم واصل تعليمه الإعدادي بمدينة تلمسان.
ترك الدراسة واتجه للرياضة، لكن حين توفي والده كان هو المعيل الوحيد لعائلته فالتحق بالخدمة العسكرية الإلزامية في الجيش الفرنسي عام 1937 وما لبث أن سرح من الجيش عام 1940 وعاد إلى الجزائر بعد خضوع فرنسا للاحتلال الألماني.
توجه بن بلة إلى ممارسة الرياضة، وعرف بشغفه بكرة القدم، ولعب لنادي "أولمبيك مارسيليا" الفرنسي وعرض عليه الاحتراف في النادي، إلا أنه رفض العرض وفضل العودة إلى الوطن على البقاء في فرنسا، ولعب أيضا لنادي "الاتحاد الرياضي" لبلدية مغنية.
استدعي مرة ثانية من قبل الجيش الفرنسي عام 1942 للمشاركة في الحرب العالمية الثانية، واعتبر بن بلة تسريحه من الجيش الفرنسي عام 1944 مكافأة له.
تبلور الحركة الوطنية
تزامنت عودته إلى الجزائر مع مجازر سطيف وخراطة وغيرهما من المدن الجزائرية عام 1945 التي ارتقى فيها نحو 45 ألف جزائري خرجوا يطالبون فرنسا بالوفاء بعهدها بإعلان استقلال الجزائر.
ومع بدء تبلور الحركة الوطنية انضم بن بلة إلى الحركة مبكرا، فاشترك في حزب "الشعب الجزائري" ثم حركة "انتصار الحريات الديمقراطية".
وفي عام 1947، اتفق على تأسيس تنظيم شبه عسكري سري سمي "المنظمة الخاصة" وكلف بن بلة بجهة وهران. وما لبث أن اختير في عام 1949 رئيسا لـ"المنظمة الخاصة" خلفا لآيت أحمد، وكان هدف المنظمة الأول التحضير لثورة مسلحة.
ولم تدم السرية طويلا فقد اكتشف الفرنسيون في عام 1950 أمر المنظمة واعتقل الكثير من أعضائها من بينهم بن بلة.
الهروب من السجن
وحكم عليه بالسجن سبع سنوات، لكنه استطاع في عام 1952 الهروب من سجن البليدة ليلتحق بأيت أحمد ومحمد خيضر بمكتب القاهرة وشكلوا لاحقا تمثيلية جبهة التحرير في الخارج.
كلف بن بلة بنقل الأسلحة والذخيرة إلى الجزائر للتحضير لانطلاق الثورة، وقام بتوريد السلاح من مصر لمدة سنتين ونصف السنة. كما كلف في التدريب العسكري للثوار. فأنشأ معسكرا تدريبيا، وعمل على تجنيد الجزائريين خاصة بين طلبة الأزهر، فكان من بينهم محمد بوخروبة (الذي صار لاحقا يكنى هواري بومدين).
أصبح بن بلة يمثل خطرا على السلطات الاستعمارية الفرنسية، فسعت لاغتياله، فتعرض لمحاولتي قتل إحداهما في القاهرة وأخرى في طرابلس بليبيا عام 1955 رغم أنه كان يسافر بأسماء مستعارة.
وفي الفاتح من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1954، انطلقت شرارة الثورة الجزائرية بقيادة "جبهة التحرير الوطني"، ومن القاهرة كان بن بلة أول من تلا بيان انطلاق الثورة عبر أثير إذاعة القاهرة.
وشهد عام 1956 بداية اتصالات ومفاوضات بين جبهة التحرير والحكومة الفرنسية استضافتها عدة دول من بينها مصر ويوغسلافيا وإيطاليا.
اختطاف قادة الثورة
وفي طريق قادة الثورة إلى تونس على متن طائرة مغربية أقدم طيران الجيش الفرنسي على اختطاف الطائرة في أول عملية قرصنة جوية في التاريخ. واعتقل بن بلة رفقة محمد بوضياف وحسين آيت أحمد ومحمد خيضر (القيادات التاريخية للثورة الجزائرية) والصحفي مصطفى لأشرف. وحقق رئيس الأركان الفرنسي مع القادة وحاول إجراء مفاوضات جديدة بين الجيش الفرنسي وبينهم إلا أنهم رفضوا ذلك.
وطوال فترة السجن استثمر بن بلة سجنه في تنمية معرفته وثقافته السياسية.
وأعلن في عام 1958، عن تأسيس أول حكومة جزائرية مؤقتة في المنفى، برئاسة فرحات عباس وعين بن بلة وبوضياف نائبين لرئيس الحكومة.
عرض الجنرال شارل ديغول التفاوض على الجزائريين من جديد فقبلت الجبهة التفاوض وفوضت بن بلة وبيطاط وأيت أحمد وخيضر وبوضياف بإجراء المفاوضات، غير أن ديغول رفض مشاركة بن بلة في المفاوضات.
وبدأ دور القيادات المسجونة يضعف، خاصة بعد أن صارت القرارات تؤخذ دون استشارتها. مثلما هو الحال حين اجتمع المجلس الوطني في طرابلس، وكلف بومدين بقيادة الجيش دون أن يستشيروا القادة المساجين.
الاستقلال ورئاسة أول حكومة
أثمرت المفاوضات الجزائرية والفرنسية عن الوصول إلى "اتفاقيات إيفيان" وبدء سريان وقف إطلاق النار عام 1962. وأعلن رسميا عن استقلال الجزائر في 5 تموز/ يوليو 1962، بعد أن أيد الجزائريون الاستقلال في استفتاء لتقرير المصير.
ثم جاء دور إطلاق سراح القادة المسجونين وعلى رأسهم بن بلة.
وقبل بن بلة رئاسة أول حكومة جزائرية بعد الاستقلال رغم أنه كان مترددا في أول الأمر ولكن بومدين أقنعه بقبول المسؤولية وضمن له دعم الجيش.
وبعد أن وافق الشعب الجزائري على الدستور الأول للبلاد، اختير بن بلة كأول رئيس للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية بأغلبية ساحقة في استفتاء 1963.
استمر الانسجام بين بن بلة وبومدين إلى غاية انعقاد مؤتمر حزب جبهة التحرير عام 1964الذي ظهرت بعده خلافات بين الرئيس وقائد الجيش حيث لوح بومدين بالاستقالة .
وبدأت تظهر معالم صراع جديد حول السلطة بين الرئيس بن بلة وحليفه السابق. ففي بداية 1965، بدأ بومدين بالتخطيط للإطاحة ببن بلة، ونفذ الانقلاب واعتقله في فيلا جولي التي كانت مقرا لرئيس الدولة.
رئيس قيد الإقامة الجبرية
أعلن بومدين عن الانقلاب على موجات الراديو في خطاب حاول من خلاله تبرير ما سمي بـ"التصحيح الثوري". وقد جاء في البيان حصيلة سلبية لحكم بن بلة الذي اتهم بأنه استأثر بالسلطة وبالديكتاتورية والشوفينية.
ويبدو أن بن بلة استثمر فترة سجنه في المطالعة والقراءة حيث بدأ يتعرف إلى الفكر الإسلامي وغيره من الأطروحات الفكرية.
وبقي بن بلة سجينا طيلة فترة حكم بومدين حتى جاء الشاذلي بن جديد إلى السلطة، فأصدر في عام 1980عفوا رئاسيا عن بن بلة.
وغادر بن بلة الجزائر متجها إلى باريس، فأسس حزبا معارضا هو "الحركة من أجل الديمقراطية"، كما أصبح رئيسا للجنة الإسلامية الدولية لحقوق الإنسان. وتصالح مع أيت أحمد في المنفى وطالبا بإصلاحات دستورية لضمان الحقوق السياسية في الجزائر.
وشكل ذلك معارضة صريحة لنظام بن جديد وحزب جبهة التحرير الوطني (الذي كان من بين المؤسسين له)، بالطبع لم تستسغ فرنسا نشاط بن بلة السياسي على أراضيها، فما كان منه إلا أن غادرها باتجاه لوزان في سويسرا.
العودة إلى الجزائر
ودفعت الأزمة الاقتصادية والاحتقان السياسي اللذان شهدتهما الجزائر في النصف الثاني من ثمانينيات القرن العشرين، بن جديد إلى القيام بتغييرات عميقة لنظام الحكم، كفتح النشاط السياسي على التعددية الحزبية والانتقال من الاقتصاد الاشتراكي إلى اقتصاد السوق.
في ظل هذا المناخ الجديد، عاد أحمد بن بلة إلى الجزائر عام 1990 وواصل معارضته للنظام وأسس "حركة من أجل الديمقراطية". وفي انتخابات 1991 التشريعية التي ألغيت لاحقا، لم يحقق حزب أحمد بن بلة أي نجاح يذكر.
في أجواء إيقاف المسار الانتخابي عام 1992 وحل السلطة الجزائرية لحزب "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" وتدهور الحالة الأمنية، غادر بن بلة الجزائر مجددا إلى سويسرا.
في عام 1997، حلت السلطات الجزائرية حزب بن بلة "حركة من أجل الديمقراطية" وهو حال عدة أحزاب أخرى.
بقدوم عبد العزيز بوتفليقة إلى سدة الحكم في الجزائر وانتهاجه لسياسة المصالحة والوئام المدنيين، ناصره بن بلة وعاد مجددا إلى البلاد.
دفاع عن فلسطين والعراق
في هذه المرحلة تجنب بن بلة السياسة الداخلية لبلده، وراح يدافع عن قضايا عربية مثل العراق وفلسطين. وقد سبق له أن زار العراق بعد حرب الخليج الثانية 1991 وقابل الرئيس صدام حسين. كما طالب برفع الحظر المفروض على العراق وكوبا.
رغم سنه المتقدم، إلا أنه عرف بنشاطه الدائم، فقد كان عضوا في لجنة الرعاية لمحكمة راسل حول فلسطين، وترأس اللجنة الدولية لجائزة القذافي لحقوق الإنسان. كما اختير ضمن لجنة حكماء أفريقيا التابعة للاتحاد الأفريقي وترأسها عام 2007 إضافة إلى نشاطاته وعلاقاته القومية.
دولة من لا شيء
لقد أنشأ بن بلة دولة من لا شيء وخصص ربع الميزانية للتعليم الوطني، وأطلق سلسلة من الإصلاحات الزراعية الرئيسية، بما في ذلك التأميم، ولكن ليس السيطرة المباشرة للدولة، على المزارع الضخمة التي كانت تتبع المستعمرين السابقين.
وتحالف بن بلة مع الدول العربية المعادية لدولة الاحتلال في فلسطين وطور علاقات ثقافية واقتصادية مع فرنسا، كما أنه أخرج البلاد من نزاع حدودي مهم مع المغرب.
توفي أحمد بن بلة في 11 نيسان/ أبريل 2012 في الجزائر عن 96 عاما في منزل أسرته بعد وعكة صحية ألمت به. وكما قال عن القرآن الكريم "لم يكن سواه رفيقي في كل الفترات التي قضيتها في السجون" فقد كان رفيقه في آخر أيامه أيضا.