عاش
التونسيون لمدة لا تقل عن أسبوع في حيرة شديدة نتيجة
اختفاء الرئيس
سعيد من كامل المشهد، وهو الذي عوّدهم منذ 25 تموز/ يوليو، تاريخ انفراده بالسلطة،
على الظهور المتواصل، سواء بقصر قرطاج، أو متنقلا بين المحافظات والأحياء. فجأة
اختفى، وطال اختفاؤه ليظهر من جديد.
ونظرا لعدم وجود ناطق رسمي باسم رئاسة
الجمهورية أو رئاسة الحكومة، ونظرا لكون جميع المسؤولين أحجموا عن الكلام بمن فيهم
وزير الصحة ومستشار الرئيس الخاص الذي سئل من قبل أحد الصحافيين فمر مرور الكرام
دون إجابة، أصبح من الطبيعي أن يكثر اللغط والتأويل هنا وهناك، وأن تكتسح الإشاعات
المخيفة كامل البلاد بطولها وعرضها، ما جعل الجميع يتساءلون: أين الرئيس؟
الحمد لله،
عاد قيس سعيد إلى نشاطه الرسمي، ولم تصدق السيناريوهات المرعبة،
لكن ما حدث يفرض على الجميع، وبدرجة أولى السلطة والرئاسة، أن يستخلصوا الدروس مما
حصل، وأن يدركوا أن الدولة قبل الأفراد، وأن الشغور حالة إنسانية تحصل لجميع
الشعوب بدون استثناء.
في تونس تعمقت أزمة الثقة بين مؤسسات الدولة ومؤسسات الإعلام بمختلف اتجاهاتها. إذ بعد أن اعتمد قيس سعيد على التلفزيونات والإذاعات والصحف في بداية طريقه نحو السلطة، غيّر علاقته بها منذ دخوله قصر قرطاج، واكتفى بإعلامه الخاص الذي يتمثل في صفحة الرئاسة، وفي الأشرطة التي يسلمها القصر إلى التلفزيون الحكومي، كما قطع صلاته ببقية الفضاء الإعلامي. وهو ما يفسر إحجام الحكومة عن توضيح الصورة للرأي العام طيلة فترة الاختفاء الاضطراري
اختفاء الرئيس ليس أمرا عاديا، لا يقارن ببقية الأفراد الآخرين مهما كان
موقعهم ومسؤولياتهم. الرئيس هو بمثابة رأس الدولة، خاصة في الوضع في تونس حيث يمسك
قيس سعيد بجميع السلطات ويتمتع بكل الصلاحيات. لهذا تحرص الديمقراطيات الحقيقية
على تسليط الضوء على صغيرة أو كبيرة تتعلق برئيس البلاد، خاصة ما يتعلق بأوضاعه
الصحية، وذلك منذ توليه المسؤولية. وهناك أنظمة ودساتير تفرض على المرشحين
للانتخابات الرئاسية الاستظهار بحالتهم الصحية قبل خوضهم السباق الانتخابي، ثم يتم
تتبع حالتهم الصحية بعد نجاحهم، ومد المواطنين عبر وسائل
الإعلام بكشوف دورية
للتأكد من سلامتهم وقدرتهم على إدارة شؤون البلاد.
في تونس تعمقت أزمة الثقة بين مؤسسات الدولة ومؤسسات الإعلام بمختلف
اتجاهاتها. إذ بعد أن اعتمد قيس سعيد على التلفزيونات والإذاعات والصحف في بداية
طريقه نحو السلطة، غيّر علاقته بها منذ دخوله قصر قرطاج، واكتفى بإعلامه الخاص
الذي يتمثل في صفحة الرئاسة، وفي الأشرطة التي يسلمها القصر إلى التلفزيون الحكومي،
كما قطع صلاته ببقية الفضاء الإعلامي. وهو ما يفسر إحجام الحكومة عن
توضيح الصورة
للرأي العام طيلة فترة الاختفاء الاضطراري، ولم يجرؤ أي مسؤول على أن يصدر بلاغا
موجزا يعلن فيه أن رئيس الدولة انتقل إلى المستشفى العسكري لإجراء فحوصات ضرورية.
هذا ما كان منتظرا أن تقوم به مؤسسات الدولة للحد من المخاوف والارتباك، مثلما كان
يحصل من قبل.
الجهة الوحيدة التي أخبرت التونسيين بأن رئيسهم سيغادر المستشفى هي وكالة
الأنباء الإيطالية!! هل يعقل هذا الأمر، رغم أن عديد الصحافيين كانوا يعرفون ذلك
جيدا، لكنهم تخوفوا من أن تكذبهم الجهات الرسمية وتتهمهم ببث الإشاعات وإرباك
الدولة، ليجدوا أنفسهم أمام القضاء، لذلك اكتفى العديد منهم بنقل الخبر عن
وسيلة إعلامية
أجنبية.
المشكلة التي أثيرت الآن وستكون لها تبعات في المرحلة القادمة، تتمثل في "حالة الشغور" التي تحدث عنها الكثيرون. هذه المسألة أثارت غضب الرئيس، واتهم قائليها بالجهل واتهمهم بـ"التكالب على السلطة والمس بالسلم الأهلي والدعوة إلى الانقلاب"، وتوعدهم بالملاحقة القضائية
المشكلة التي أثيرت الآن وستكون لها تبعات في المرحلة القادمة، تتمثل في
"
حالة الشغور" التي تحدث عنها الكثيرون. هذه المسألة أثارت غضب الرئيس،
واتهم قائليها بالجهل واتهمهم بـ"التكالب على السلطة والمس بالسلم الأهلي
والدعوة إلى الانقلاب"، وتوعدهم بالملاحقة القضائية، الأمر الذي لم يقف عنده
الرئيس هو ما أثاره بعض أساتذة القانون الدستوري الذين انتقدهم دون أن يناقشهم قانونيا.
هؤلاء اعتبروا أن الدستور الحالي الذي صاغه الرئيس سعيد لم يأخذ بعين الاعتبار
حالات الشغور، ولم يضع الآليات التي من شأنها أن تضمن الانتقال السلمي للسلطة بدون
إدخال البلاد في فوضى.
خلال العشرية السابقة التي يصفها أنصار الرئيس بالسوداء، كان دستور 2014
واضحا في هذه المسألة، احترمها الجميع، خاصة عند وفاة الرئيس الباجي قايد السبسي
في ظرف صعب وغير عادي. بناء عليه لا تعتبر مسألة الشغور -رغم حساسيتها- قضية شخصية
تستهدف الرئيس سعيد في حد ذاته، بقدر ما هي مسألة جوهرية تتجاوز الأشخاص وتتعلق
بحماية السلم الأهلي ومستقبل الدولة التونسية.
المشكلة الآن أن الرئيس تعامل بحساسية عالية مع ردود الفعل التي صدرت عن
أطراف متعددة، بعضها كان انفعاليا تجاوز التقديرات المعقولة والمقبولة، لكن أليس من
"حق الشعب الحصول على معلومات تتعلق بصحة رئيس الدولة" كما أكد أمين
المحفوظ، الزميل السابق للرئيس، وأن الذين قصّروا في ذلك هم الذين يتحملون
المسؤولية؟ أما التورط مرة في محاكمات سياسية جديدة وإلحاق سجناء جدد بزملائهم
السابقين، فذلك من شأنه أن يزيد الطين بلة.