اضطرت
نقابة أطباء
مصر لحذف بيانها حول تقدمها ببلاغ ضد مأمور قسم
شرطة جمصة بمحافظة الدقهلية
(شمال القاهرة) وآخرين، في واقعة وفاة طبيب نفسي خلال حبسه احتياطيا، بعد يوم من نشره نتيجة ممارسة ضغوط أمنية على مجلس النقابة.
وكشف
عضو مجلس
نقابة الأطباء أحمد حسين، الذي استقال من المجلس، السبت، أن المجلس رضخ لضغوط
خارجية (لم يسمها) وحذفت البيانات المنشورة على الصفحة الرسمية للنقابة المتعلقة بوفاة
الطبيب رجائي وفائي محمد.
وقال:
"تقدمت الآن إلى نقيب الأطباء ومجلس النقابة العامة للأطباء باستقالة نهائية من
عضوية مجلس النقابة العامة للأطباء، اعتراضاً على الرضوخ للضغوط من خارج المجلس وحذف
خبرين تم نشرهما على الصفحة الرسمية لنقابة الأطباء".
وأعرب
مقرر لجنة الإعلام بالنقابة في منشور الاستقالة، الذي لاقى تفاعلا واسعا، عن رفضه أن
يكون نقابيا مقيدا بحواجز غير القانون وآداب المهنة، قائلا: "فأن احترم نفسي في
الظل أفضل من أن أكون في دائرة الضوء وأنا أحتقر نفسي".
تهديدات
أمنية
ونقل
موقع "مدى مصر" (مستقل) عن حسين، قوله إنه تلقى مكالمة هاتفية من ضابط في قطاع
الأمن الوطني يطلب منه حذف بيان النقابة، مساء الجمعة الماضي، متسائلًا "ما انتو
قدمتوا البلاغ، لازمته إيه التفاصيل بتاعة حقوق الإنسان والدستور والقانون".
وأعلنت
نقابة أطباء، الخميس، عن التقدم ببلاغ إلى النائب العام ضد مأمور قسم شرطة جمصة بمحافظة
الدقهلية وجميع الضباط وأفراد الشرطة بالقسم للتحقيق معهم في واقعة
تعذيب استشاري الطب
النفسي رجائي وفائي جسديا ونفسيا، خلال حبسه احتياطيًا في قضية خطأ طبي، ما أدى إلى
وفاته، وهو ما نفته وزارة الداخلية المصرية.
ونقلت
النقابة عن زوجة الطبيب قولها، إن مسؤولي قسم الشرطة كانوا يعاملون الطبيب معاملة مهينة،
وعلى أثر التعذيب البدني والنفسي ساءت حالته، وتم نقله إلى مستشفى ومنها إلى مستشفى
آخر لوجود "ارتشاح بالرئتين وحاجته لدخول العناية المركزة"، لكنه توفي قبل
وصوله المستشفى الأخير.
ووصفت
النقابة ما حدث للطبيب بأنه "انتهاك لجميع المواثيق والمعاهدات الدولية التي
التزمت بها مصر وتحمي حقوق الإنسان وتناهض التعذيب بكافة أشكاله، إضافة إلى الدستور
المصري الذي تضمن العديد من المواد التي تحمي حقوق الإنسان".
"نقابة
مرتعدة ونظام قمعي"
في تعليقه
على رضوخ نقابة الأطباء لتهديدات السلطات الأمنية، وصف الإعلامي والحقوقي المصري، هيثم
أبو خليل، الذي توفي شقيقه الدكتور عمرو أبو خليل استشاري الطب النفسي، داخل محبسه
بسجن العقرب بالقاهرة، المجلس بأنه "مرتعش ومرتعد ولا يمثل الأطباء، وهذه ليست
المرة الأولى التي تقوم فيها بحذف البيانات التي تتلامس مع السلطات الأمنية، ونذكر
جيدا قيامها بحذف عزاء مجلس النقابة في وفاة الطبيب عصام العريان في سجون النظام (القيادي
في جماعة الإخوان المسلمين)، وهي نقابات كرتونية".
اظهار أخبار متعلقة
وكشفت
منظمة "نحن نسجل" الحقوقية، في أيلول/ سبتمبر 2020 أن "الدكتور عمرو
أبو خليل توفي داخل سجن العقرب متأثرا بأزمة قلبية بعد مشادة كلامية بينه وبين إدارة
السجن اعتراضا منه على منع دخول الأدوية للمعتقلين ومنع نزولهم مستشفى السجن للعلاج".
واستهجن
أبو خليل في حديثه لـ"عربي21" البيان التوضيحي الذي أصدرته النقابة بعد حذفها
البيانات السابقة المتعلقة بتقديم البلاغ الذي تضمن توجيه اتهامات بالقتل العمد، وقال:
"كمن جاء يكحلها عماها، البيان التوضيحي جاء لينال من كرامة أكثر من 200 ألف طبيب
في مصر"، مشيرا إلى أنه لجأ إلى مجلس النقابة للتدخل في إنقاذ شقيقه الطبيب المحبوس
آنذاك في سجن العقرب الذي أصيب بفيروس كورونا، ولكن المجلس لم يحرك ساكنا حتى توفاه
الله.
وأوضح
الحقوقي والإعلامي المصري أن "هناك سلبية كبيرة تضرب البلاد نتيجة الحكم القمعي،
وتصدر المشهد غير القادرين على تحمل المسؤولية، وبالتالي فإن الكثير من النقابات وعلى
رأسها نقابة الأطباء، أحد أكبر وأهم النقابات المصرية، مختطفة إما من الداخل من خلال
الأصوات والأيدي المرتعشة، أو من خلال ضباط الأمن الوطني الذين ينهون ويأمرون ويحددون
ما ينشر وما لا ينشر".
"أبعاد
خطيرة لأزمة الأطباء مع الأمن"
حادثة
وفاة الطبيب رجائي في محبسه تكشف عدة أبعاد في منتهى الخطورة، بحسب الوكيل بوزارة الصحة
سابقا، الدكتور مصطفى جاويش، البعد الأول: هو قرار النيابة حبس الطبيب بحسب قانون الجنايات
في قضية مسؤولية طبية دون فحص جوانب الواقعة كما ورد في تقرير نقابة الأطباء فور حبس
الطبيب، والبعد الثاني: هو معاناة السجناء من الإهمال الطبي المتعمد داخل السجون وأماكن
الاحتجاز ومنع وصول الأدوية لهم، إضافة إلى التكدس داخل الزنازين وسوء التهوية ومنع
التريض، بحسب تقارير هيئات حقوقية دولية، وتوجد حالات وفيات كثيرة منذ بداية العام الحالي".
وأضاف
لـ"عربي21": "البعد الثالث: وهو المستجد ويشمل الإرهاب الأمني ضد نقابة
الأطباء ورفض قبول مجرد بيان نقابي يطالب بالتحقيق بوفاة الطبيب، ثم الضغوط الأمنية
على مجلس النقابة لدرجة الإجبار على حذف البيان من الصفحة الرسمية؛ رغم أنه كان يحمل
صيغة حيادية تماما دون توجيه أي اتهامات، وتلك تعتبر بادرة أمنية خطيرة تعيد للأذهان ما حدث في شهر أيار/ مايو ٢٠٢٠ عندما تمت محاصرة النقابة بقوات الأمن ومنع نقيب الأطباء
من الدخول لعقد مؤتمر صحفي افتراضي من مكتبه لعرض معاناة الأطباء تحت وطأة جائحة كورونا،
والمطالبة بالإفراج عن أعضاء مجالس النقابات الفرعية المعتقلين بتهمة نشر بيانات حول
الجائحة".
ورأى
جاويش أن "المحصلة لكل تلك الممارسات الأمنية والسيادية هي تهميش دور النقابة
مثل جميع منظمات المجتمع المدني من جمعيات ونقابات وأحزاب تحت هيمنة الاستبداد العسكري
الحاكم لمصر"، مشيرا إلى أن "هناك بعدا آخر، وهو تزايد ظاهرة هجرة الأطباء
للخارج هروبا من سندان بيئة العمل الفاسدة، ومطرقة قانون الجنايات والحبس دون ذنب حقيقي
واضح في غياب قانون المسؤولية الطبية المعمول به في أغلب دول المنطقة العربية ودول
العالم".