تجتاح
"يوتيوب" ومواقع التواصل الاجتماعي مؤخرًا مقاطع فيديو من شأنها التحذير
من خطر
العلاقات السامة؛ مقاطع تستهدف النساء بنسبة أكبر، فتصل نسبة المشاهدات لملايين
نجد في تعليقاتهم نفس النبرة المتفاجئة والمذهولة من أن ما عاشوه ويعيشونه ليس استثنائيًا،
بل إن الألم الذي يسببه الحب تشاطرهم فيه نساء كثر.
على
الرغم من وجود مختصين ومعالجين نفسيين جعلوا من هذا الموضوع محتوًى ركزوا على الانتشار
من خلاله، إلا أننا نجد غير مختصين توجهوا للحديث عن هذا الموضوع من خلال تجارب شخصية
عاشوها وتعلموا منها.
لا يمكن
التقليل من أثر هذه المقاطع التي وإن لم تحل المشاكل جذريًا إلا أنها جعلت نسبة كبيرة
من النساء تتنبه لخطر أن ما يعشنه ليس حبًا وليس علاقة سوية.
ليس
الهدف من هذا المقال التعليق على هذه المقاطع أو على من يقدمونها، بل الحديث عن كتاب
مهم باع ملايين النسخ حول العالم، ولكنه للأسف لم يترجم للعربية حتى الآن.
"الرجال
الذين يكرهون النساء، والنساء اللواتي يحبونهم" (Men who
Hate Women & The women who love them) مؤلفة هذا الكتاب
هي المعالجة النفسية والكاتبة سوزان فوروارد 1938. وقد اشتهرت فوروارد بكتبها التي
تعالج العلاقات الأسرية والعاطفية ومن أشهر كتبها: "Obsessive
love" 1989، "Toxic Parent" 2002، بالإضافة للكتاب
الذي نحن بصدد الحديث عنه والصادر سنة 1986.
ينقسم
هذا الكتاب، متوسط الحجم، إلى قسمين؛ تعرض الكاتبة في القسم الأول منه المشكلة، وفي
القسم الثاني تقدم طريقة العلاج.
تفتتح
فوروارد كتابها من خلال عرض حالات لسيدات عالقات في علاقات عاطفية تسبب لهن الألم والأذى؛
علاقات سلبية أوصلت نساء ناجحات ومتميزات ومستقلات إلى النقيض تمامًا وهذا كله تحت
مسمى الحب. فهل من المفترض أن يشعرنا الحب بكل هذا الألم؟
تدخلنا
فوروراد إلى تجربتها في العلاج الكلامي من خلال استماعنا لتاريخ السيدات اللواتي يتكلمن
عن تجاربهن العاطفية التي بدلًا من أن تجلب لهن السعادة والراحة جلبت لهن الألم.
من خلال
سرد كثير من المواقف والإجابة عن مجموعة من الأسئلة تخلص فوروراد إلى أن هؤلاء السيدات
عالقات مع
رجل أطلقت عليه مسمى "مبغض النساء" (misogynist) تقول فوروراد: نحن لسنا بصدد الحديث عن رجل سادي أو نرجسي، بل نحن
أمام نوع آخر يدخل حياة سيدات جميلات وناجحات بكل نبل ولباقة وحب وينتهي به الحال ليستغلها
ماديا وعاطفيا، فتتحول إلى امرأة غير قادرة على العيش بدونه بعد أن تخلت عن علاقاتها
الأسرية والاجتماعية بالتدريج لإرضائه.
أدهشتني
نمطية العلاقات العاطفية إذ وجدتني أقرأ بين كلمات هؤلاء السيدات كلام صديقات مقربات
مني، فبدت أصواتهم مألوفة وقريبة. كل هؤلاء السيدات عالقات مع رجال يتحولون بلحظة من
الهدوء والعطف إلى الغضب الشديد، رجال يستخدمون الحب والجنس كأداة للعقاب، رجال يملون
عليك أفكارك ومشاعرك، ويقللون من قيمة كل ما تشعرين وتفكرين به، رجال تجدين نفسك دائما
معهم تحت طائلة اللوم وتضطرين في النهاية لتقديم الاعتذارات. هذه نبذة مما تعيشه هذه
النساء مع رجال أطلقت عليهم فوروارد مسمى (المبغضون للنساء) misogynist وهي كلمة يونانية قديمة.
تتطرق
الكاتبة بعد تقديم مجموعة كبيرة من أصوات السيدات المتأزمات إلى الأسباب التي تجعل
هؤلاء الرجال هكذا "مبغضون للنساء"، فتتحدث عن التاريخ العائلي الذي له أهمية
كبيرة في خلق هذا النموذج من العلاقات. فأن تكون ابنا لرجل كهذا قد يجعلك تقلده، وبالمقابل
لاحظت فوروارد أن كثيرًا من السيدات المتأزمات يعشن حياة أمهاتهن. فتجد الفتاة نفسها
بدلًا من أن تتجنب ما عاشته أمها تذهب وتكرر نفس الأخطاء وتختار شريكًا مشابهًا لوالدها
ومرد ذلك كما قالت فوروراد أن الأطفال يتعلمون من خلال الأفعال.
ولكن
السؤال الأهم كيف تساعد فوروارد هؤلاء السيدات؟
في البداية
لا بد لهذه السيدات من فهم الطريقة التي يتلاعب بها الرجل من خلالها، ومن خلال هذا
الفهم تستطيع
المرأة بالتدريج كسر الحلقة والخروج من الدوامة التي عاشت فيها سنوات
وسنوات. قد تصل الشجاعة بهؤلاء السيدات للخروج من هذه العلاقات التي لا تليق بهن، ولكن
قد تكون هذه المهمة أصعب على بعضهن فتتجه الكاتبة لتقديم تدريبات ونصائح من شأنها أن
تقوي موقف من عزيمة هذه المرأة وتغيير طريقتها في التعامل مع مشكلاتها. قد تبدو التدريبات
التي تقدمها الكاتبة في نهاية الكتاب غير نافعة وربما مضحكة أحيانًا إلا أنها تساعد
هؤلاء السيدات اللواتي يحتجن التشجيع والمساعدة من كل هذا الألم.
تركز
فوروراد على أن الحل المثالي في علاقة مع رجل من هذا النوع تكون في إنهاء العلاقة،
لأن إعادة بناء علاقات كهذه صعب جدا. تأكيدا على هذا تحتفي فوروراد بقصة سيدة في مقدمة
الكتاب؛ هذه السيدة كانت متزوجة حديثًا وتمضي إجازة شهر العسل، وقد انتابته فجأة نوبة
غضب لسبب تافه فأخذ بالصراخ عليها أمام الناس فما كان منها إلا أن نبهته بأن تكرار
مثل هذا الموقف سيؤدي إلى إنهائها للعلاقة. وقد كان فقد أنهت علاقتها به تمامًا بعد
أن كرر خطأه.
في حياة
تملؤها الصعاب ونجد فيها التحديات أينما التفتنا لا بد من أن يكون الحب علاجنا وملجأنا
وأماننا. أما أن يتحول الحال لنجد الحب يتحول لمصدر ألم وأذى فلا حاجة لنا به.