ثمة شعور مزدوج لدى المجموعة السياسية المؤيدة لوصول سليمان فرنجية لسدة
الرئاسة في
لبنان عند كل حدث سياسي أو اتصالات في الكواليس، وهذا الشعور المزدوج
مرده الرئيسي عدم قدرة الفريق السياسي الداعم له على تأمين النصاب الدستوري الكافي
لعقد جلسة انتخاب مرتقبة، وكذلك فإن
حزب الله وحركة أمل على الرغم من إعلانهما
ترشيح رئيس المردة وصديق الأسد، إلا أن الحقيقة تشي بأن المرشح لا يمتلك حتى
اللحظة أكثر من 55 صوتا بسبب الرفض المسيحي له، وإحجام السنة والدروز عن تأييده
لحسابات محلية وخارجية.
بالتوازي، فإن الشرخ الحاصل بين السعودية وفرنسا على خلفية
"التمييع" الفرنسي للاتفاق الخماسي حول لبنان بات يتوسع بأشكال متعددة،
آخرها الاتصال بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي إيمانويل
ماكرون، وتشديد ابن سلمان على رفض أي صيغ للمقايضة بين رئاستي الجمهورية والحكومة،
وذلك انطلاقا من ورقة العمل السعودية- القطرية، التي وضعت دفتر شروط مشترك حول
مواصفات الرئيس العتيد والحكومة المقبلة في لبنان.
بالمقابل، لا يزال
الموقف الأمريكي حيال لبنان هو الأكثر طرحا للتساؤلات في ظل تضارب المواقف الأمريكية
المعلنة حول الاستحقاقات الدستورية في لبنان وحالة الفوضى الحاصلة، لكن يبدو أن ما
بات يهمّ الإدارة الأمريكية في لبنان في المرحلة الراهنة، هو ألا ينفجر الواقع
الاجتماعي وينعكس أمنيا، وخصوصا أنّ ظروفه الاقتصادية والحياتية أصبحت مزرية
وتستدعي التنبه، وهو ما أراد صندوق النقد الدولي دق ناقوس الخطر حياله. ومن ثم،
فإن الأولوية الأمريكية هي في المحافظة على الحد الأدنى من الاستقرار الأمني وسط
الظروف الصعبة التي يمر بها اللبنانيون، والمرشحة لأن تزداد مستقبلا.
وفيما يخص الاستحقاق
الرئاسي، فإن إدارة بايدن أشارت لكل المسؤولين اللبنانيين أن ظروفه الجدية لم تحن
بعد، انطلاقا من التحولات الإقليمية الجارية وإعادة تشكيل الخريطة السياسية في
المنطقة. والأكيد أن استحقاق الانتخابات في تركيا ومآلات الواقع السياسي هناك، وما
قد ينتج عنه هو الأولوية لواشنطن في الشرق الأوسط، مع التركيز على الواقع الإسرائيلي
المتدهور والرغبة الأمريكية في الإطاحة بحكومة نتنياهو.
لكن كل تلك
السياقات لا تعني تخلي واشنطن عن المواصفات التي وضعتها حول انتخاب رئيس غير مرتبط
بطبقة الفساد وغير مُحاط بفاسدين، ولديه القدرة على جمع اللبنانيين وقيادتهم في
اتجاه مرحلة النهوض الاقتصادي، وإعادة بناء مؤسسات الدولة اللبنانية التي تتعرض
لانهيار شامل نتيجة الأزمة والإفلاس، عبر تشكيل مجموعة تُوائم حراكها مع الحكومة
ورئيسها المقبل، ومن ثم، قدرة السلطة على إنجاز الإصلاحات المطلوبة، وأن يحوز
خصوصا على ثقة العواصم الدولية والعربية التي ستساعد لبنان اقتصاديا وماليا، أيضا سياسيا ومعنويا في المحافل الدولية.
لكن هذا الموقف
الأمريكي خرقه موقف روسي منذ أيام من خلال مساعي موسكو لتسويق خيار فرنجية لدى
الجانبين السعودي والقطري، ومحاولة دفع الجانب المصري للدعوة لحوار سياسي لبناني
في القاهرة بغية الإتيان بفرنجية. وثمة من يتحدث عن أن سيرغي لافروف أشار في حديث
لفيصل بن فرحان إلى أن موسكو جاهزة للإتيان بورقة
موقعة من فرنجية، تتضمن وعودا متعلقة بهواجس الخليج والدول العربية، على رأسها
مكافحة جدية للتهريب والمخدرات وإغلاق كل المؤسسات المعارضة الخليجية في بيروت، وضمان
عودة الحزب من اليمن والعراق. لكن تلك الوعود لم تغر السعوديين والقطريين؛ انطلاقا من أن التجارب مع لبنان بالوعود والصفقات هي فاشلة منذ الأزل.
ولا يمكن فصل
الزيارة التي أجراها وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد بن عبد العزيز
الخليفي إلى طهران، ولقاءاته مع شمخاني وعبد اللهيان،
في محاولة لكسر الجمود في ملفات النووي الإيراني، وتجنب أي تصعيد محتمل قد تستغله
إسرائيل للخروج من أزمتها الداخلية المتصاعدة، كذلك النقاش تطرق لملفي سوريا
ولبنان ومحاولة إيجاد مساحة مشتركة مع ايران وحزب الله في الملف الرئاسي، في ظل ما
يبديه حزب الله من تشدد تجاه ترشيح فرنجية.
ويدور في
الكواليس حديث عن زيارة مرتقبة للخليفي إلى بيروت مطلع الأسبوع المقبل، ولقائه مع
مختلف القوى السياسية لإيجاد مسعى يخرق الاستعصاء الحاصل، وهذه الزيارة ستكون في
إطار سلسلة زيارات لمسؤولين قطريين إلى بيروت لخلق حلول وتفاهمات لبنانية، على
أرضية التحولات الإقليمية الجارية في الشرق الأوسط.
وعليه ستكون
الجغرافيا اللبنانية أبرز ساحات الاختبار الفعلية لمقياس العلاقة بين الأطراف
الإقليمية عقب الاتفاق السعودي- الإيراني في بكين. وعلى الرغم من المؤشرات الإيجابية
التي تترجم بلقاءات دبلوماسية، مع التحضر الفعلي لانسحاب عناصر حزب الله من اليمن،
يقابله بدء انسحاب الخلايا اليمنية الموجودة في لبنان وإقفال وسائل اعلامية تابعة
لها، لكن ثمّة مسائل أبعد وأكثر تعقيدا تُطاول الساحة وساحات إقليمية أخرى
كالساحة السورية، حيث كانت الرسائل الأمريكية جلية مع إصدار عقوبات طالت شخصيات
مقربة سياسيا وعائليا من الأسد، وامتدت لتشمل بعض اللبنانيين المرتبطين ببيئة
حزب الله. وعلى الرغم من أن العقوبات جرى ربطها بأنها تأتي في سياق تهريب المخدرات
وحبوب الكبتاجون، إلا أنها هي أبرز المشاكل التي تواجه أي انفتاح عربي تجاه سوريا
ولبنان.
وقبيل أيام قليلة
من العقوبات وتبعاتها، جرى اشتباك عسكري بين واشنطن وطهران، وذلك في شمال شرق
سوريا، وهي المنطقة التي زارها منذ مدة رئيس أركان الجيوش الأمريكية مارك ميلي،
بهدف توحيد الفصائل الكردية للقيام بعملية عسكرية على الحدود السورية- العراقية
لقطع طرق إمداد المليشيات الإيرانية. أرادت إيران توجيه رسائل عسكرية، لتثبيت
قاعدة الحضور الإيراني في هذه المنطقة، والقول بشكل صريح بأن طهران ستفسد أي تسوية
لا تراعي مصالحها، فيما رسالة الرد الأمريكية جاءت قوية للقول بأن الإدارة الأمريكية
ثابتة في المنطقة ولن تنسحب منها، ولن تتساهل في أي مواجهات مقبلة معها.
ومع ذلك، فإن
المثير في كل تلك الانطباعات أن بشار الأسد عاد للتفكير جديا في اللعب داخل لبنان
عقب استقبالاته اللبنانية الأخيرة، وآخرها استقبال سليمان فرنجية، وبحث آليات إيصاله
عبر تشكيل فريق مهامه ذات أبعاد لبنانية، ما سيؤدي إلى مزيد من التشدد العربي
والدولي لرفض وصول صديق الأسد، لقطع أي طريق مستقبلي عن أحلام الوصاية والنفوذ.