استحدثت الحكومة
السعودية، مطلع العام
الماضي 2022، ما أطلقت عليه مسمى "يوم التأسيس"، الذي يهدف إلى
الاحتفال سنويا بذكرى تأسيس الدولة السعودية الأولى قبل نحو 300 سنة.
وقال الملك سلمان في أمر ملكي صدر في
كانون الثاني/ يناير 2022، إن يوم 22 شباط/ فبراير من كل عام، سيكون عطلة رسمية
بمناسبة "يوم التأسيس"، مضيفا أنه "اليوم الذي يرمز إلى العمق
التاريخي والحضاري والثقافي للمملكة العربية السعودية، عندما أسس الإمام محمد بن
سعود الدولة السعودية الأولى عام 1727".
ورصدت "عربي21" تغيرا في الخطاب
الرسمي السعودي، بشكل كبير خلال السنوات الماضية، لا سيما فيما يخص دور الشيخ
محمد بن عبد الوهاب بقيام الدولة السعودية الأولى.
وأطلقت الحكومة السعودية
موقعا إلكترونيا لـ"يوم التأسيس"، كشفت من خلاله عن دوافع استحداث احتفال بهذا اليوم، وهي التي تتلخص في "الاعتزاز بالجذور الراسخة للدولة السعودية، والاعتزاز بالارتباط الوثيق بين المواطنين وقادتهم، وبما أرسته الدولة من الوحدة والاستقرار والأمن"، إضافة إلى نقاط أخرى تتلخص حول الوحدة الوطنية.
وكان لافتا تسليط الموقع الضوء على جوانب لم يتم ذكرها في كتب التاريخ المعتمدة سابقا، والمناهج الدراسية، إذ جاء بحسب الموقع أن الدولة السعودية الأولى كان ينتشر فيها الفن والموسيقى، باستخدام الربابة والطبل.
وركز الموقع على واقع النساء في الدولة السعودية الأولى، إذ قال إن النساء كن يرتدين ثيابا ملونة، وأخرى منسوجة بالحرير كانت تأتي من العراق، والهند، مشيرا إلى أن زوجات الإمام سعود بن عبد العزيز كن يرتدين الحرير الهندي المذهب.
"مجرد داعية"
في آذار/ مارس من العام الماضي، قلل ولي
العهد، الأمير
محمد بن سلمان، من الدور الذي لعبه عبد الوهاب في تأسيس الدولة
السعودية الأولى، في تناقض كبير مع كافة الكتب التاريخية السعودية عن تلك الحقبة.
وقال ابن سلمان في مقابلة مع مجلة
"
ذي أتلانتيك" الأمريكية، إن عبد الوهاب كان مجرد داعية، من بين دعاة
ساهموا في تلك الحقبة، مضيفا أن "الشيخ محمد بن عبدالوهاب ليس السعودية،
فالمملكة لديها المذهب السنّي والشيعي، وفي المذهب السنّي توجد أربعة مذاهب، ولدى
الشيعة مذاهب مختلفة كذلك، ويتم تمثيلها في عدد من الهيئات الشرعية، ولا يمكن لشخص
الترويج لأحد هذه المذاهب ليجعلها الطريقة الوحيدة لرؤية الدين في المملكة".
وجاء حديث ابن سلمان بعد تغيير كبير طرأ
على المناهج الدراسية، رصدته "عربي21"، استهدف ما وصفها وزير التعليم
السابق أحمد العيسى، بـ"الأفكار الإخوانية المتطرفة" الذي زعم أن أعضاء
من الجماعة بثوها في مناهج المملكة بعد قدومهم إليها من مصر في ستينات وسبعينات
القرن الماضي.
اقرأ أيضا: مقابلة مثيرة لابن سلمان.. تحدث عن الوهابية والإعدامات
تغيير المناهج
التغيير الكبير الذي طرأ على
منهج مادة "الاجتماعيات" في عهد الملك سلمان، والتي تشمل التاريخ، جاء عبر تقليص الدور المذكور في السابق لمحمد بن عبد الوهاب في قيام الدولة السعودية
الأولى، مقابل إبراز اسم "مانع المريدي"، بوصفه أقدم من يذكرهم التاريخ من أجداد أسرة آل سعود، وبأنه مؤسسة إمارة الدرعية الأولى، التي هي بذرة للدولة.
ويصور المنهاج الجديد للصف السادس
الابتدائي، والذي اطلعت عليه "عربي21"، أن عبد الوهاب جاء من العيينة
إلى الدرعية التي كانت عاصمة للدولة السعودية الأولى، طالبا العون من إمامها محمد
بن سعود، والذي أبدى موافقة على ذلك.
ويتناقض هذا التاريخ من المنهاج السعودي
الجديد، مع المنهاج السابق الذي أعطى مساحة كبيرة للدور الذي لعبه عبد الوهاب في
تأسيس الدولة السعودية الأولى رفقة محمد بن سعود.
إذ أعطى المنهاج السابق مساحة للتعريف
بشخص محمد بن عبد الوهاب، ورحلته في طلب العلم بالمدينة المنورة، والبصرة،
والتركيز على جهوده في محاربة "الشرك".
كما أعطى المنهاج السابق لمحة عن وضع
الجزيرة العربية قبل مشروع محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود، متهما الناس حينها
بالتوسل في القبور والأشجار، والجهل بأمور الدين، وهو ما خلق "حاجة إلى دعوة
إصلاحية تنشر التوحيد الخالص، وحكومة قوية توحد البلدان".
ورصدت "عربي21" عبارة حذفت من المناهج الحديثة، هي "لما كانت منطقة نجد غير
خاضعة للحكم العثماني المباشر، فقد كانت أنسب مكان لقيام دعوة إصلاحية فيها، وقد
شاء الله سبحانه وتعالى أن تظهر الدعوة الإصلاحية في نجد على يد الشيخ محمد بن عبد
الوهاب، والتي ساندها قادة آل سعود، فعم خيرها أهل البلاد"، بحسب كتاب الصف
السادس أيضا قبل التعديل عليه.
"تناقض مع رواية الماضي"
وبخلاف ما ذكره ابن سلمان من أن محمد بن
عبد الوهاب كان مجرد داعية فقط في تلك الحقبة، يذكر كتاب التاريخ الصادر عن وزارة
التربية والتعليم السعودية سابقا، أن الشيخ عبد الوهاب "كان مستشارا لقادة
الدولة السعودية الأولى، وهو مسؤول عن القضاء، والفتوى".
وفي كتاب عن تاريخ الدولة السعودية
الأولى، جمعه وأعدّه الأمير فيصل بن مشعل (حفيد الملك سعود بن عبد العزيز)، يظهر
أن مؤسس الدولة، الإمام محمد بن سعود، هو من بادر للقاء محمد بن عبد الوهاب، بخلاف
المناهج الدراسية الحديثة التي تقول إن عبد الوهاب هو من طلب النصرة والعون من آل
سعود.
الأمير فيصل (أمير القصيم سابقا، وحاصل
على دكتوراه بالعلوم السياسية من جامعة دورهام ببريطانيا)، لفت في
كتابه الذي اطلعت عليه "عربي21"، إلى أن
محمد بن عبد الوهاب توجه من العيينة إلى الدرعية، ونزل عند أحد تلاميذه هناك،
وعندما علم أمير الدرعية محمد بن سعود بوجوده، توجه إلى ذلك المنزل، وعرض عليه
العمل معا.
المؤرخ المصري عبد الرحيم عبد الرحمن،
وفي
بحث نشر له بمجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية التابعة لجامعة الكويت، عام
1981، قال إن الدولة السعودية الأولى قامت "بعد الاتفاق التاريخي الذي
تم بين الأمير محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب 1744م، والذي ترتب عليه
تكوين وحدة سياسية كبيرة ، على أرض شبه الجزيرة العربية ، ضمن العديد من الكيانات
السياسية الصغيرة التي كانت تتواجد في إقليم نجد".
اظهار أخبار متعلقة
الحملات الدموية
من بين التعديلات التي طرأت على المناهج
في السنوات الماضية، حذف ما يتعلق بالحملات العسكرية التي كانت الدولة السعودية
الأولى تقوم بها على مناطق مختلفة من شبه الجزيرة العربية، بدعوى القضاء على
البدع والشركيات.
وكان المؤرخ والمؤلف الراحل عثمان بن
عبد الله بن بشر (ابن بشر)، تحدث بإسهاب عن الحملات الدموية التي قامت بها الدولة
السعودية الأولى، في كتابه "
عنوان المجد في تاريخ نجد"، والذي اعتمدته
السعودية كمرجع لهذه الحقبة، من خلال طبعه في دارة الملك عبد العزيز.
وتحدث ابن بشر، الذي رافق محمد بن عبد
الوهاب لسنوات، عن الحملات الدموية التي نفذتها الدولة السعودية الأولى في الأحساء
وقراها، وفي نجد، ونجران، وعسير، وغيرها.
ووثق كتاب "عنوان المجد في تاريخ نجد"، سياسة الحصار المميت التي كان يعمل بها زعماء الدولة السعودية الأولى، ما يسفر عن وفاة سكان المناطق المحاصرة.
وتحدث أيضا عن أن أئمة الدولة السعودية الأولى كانوا يقطعون النخيل، والأشجار المثمرة، ويعبثون بالقرى والمزارع، بهدف إجبار أهالي المناطق المحاصرة على الاستسلام.
"تذكير بالتوسع"
تزامنا مع "يوم التأسيس"، نشر الصحفي السعودي المقرب من الحكومة، سلمان الأنصاري، خريطة قال إنها تظهر مدى توسع الدولة السعودية الأولى، وتظهر وصولها إلى جل دول الخليج، وجزء من الكويت، والعراق.
وقال ناشطون إن الخريطة المعلقة في "قصر المصمك" أيضا، توضح الطموحات "التوسعية" للمملكة في دول الجوار، مشيرين إلى أن تداولها يعد استفزازا للدول الأخرى، لا سيما أن دولا مثل سلطنة عمان، كان لها امتداد أيضا داخل السعودية.
بحسب المعارضة، والأكاديمية السعودية مضاوي الرشيد، فإن محمد بن سلمان حاول من خلال التغيير في التاريخ السابق للمملكة، فصل العلاقة بين الأسرة الحاكمة (آل سعود)، وبين الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي توسم دعوته بـ"الإرهاب"، وبأنها سبب بنشوء التنظيمات المتطرفة.
وقالت الرشيد في
تصريحات مسجلة، إن الاتفاق الذي تم بين محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب في 1744، هو تاريخ نشأة الدولة، وليس التواريخ التي بدأت المملكة بترويجها لاحقا، والتي تمتد لسنوات قبل هذا التاريخ.
بدوره، قال مدير مركز الجزيرة العربية الإعلامي محمد العمري، إن هذه الخريطة، وغيرها، جميعها خرائط رسمت حديثا.
وأضاف لـ"عربي21"، أن مسمى "الدولة السعودية الأولى" يطلق بالأساس على الدرعية التي لم تتجاوز مسحاتها حينها 2-3 كم، وتضم ما لا يزيد على 70 بيتا، متابعا بأن الخريطة رسمت بناء على البيعات التي كانت تأتي من قرى ومناطق أخرى، إذ إن الدعوة التي أطلقها ابن عبد الوهاب حظيت بتأييد وقبول لكثير من المشايخ.
ونوه العمري بأن الدولة السعودية الأولى لم تمتد إلى دول الخليج، أو حتى خارج الدرعية، لكن بمجرد أن من بايعها كان يرسل الزكاة لهذه الدولة أو الإمارة، اعتبره مؤرخو الحكومة أنه امتداد للدولة.
وقال العمري إن هذه الخريطة "ليست عبثية"، وهي تأتي في إطار محاولة صنع "قومية سعودية"، تعزز في ذاكرة الجيل الصاعد بأن تاريخ الدولة كان ممتدا إلى الإمارات، وقطر، وبقية دول الخليج.