خبير أردني لـ"عربي21": توقعات العالم الهولندي بشأن الزلازل غير دقيقة

على الرغم من مرور أكثر من شهر على الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا في 6 شباط/ فبراير، إلا أن مواطني الدول العربية المطلة على البحر الأبيض المتوسط ما زالوا يعيشون لحظات قلق وترقب، خاصة في ظل الحديث عن احتمالية حدوث زلازل أخرى في المنطقة، وزاد هذه المخاوف الهزة التي ضربت أسوان مؤخرا.

ولكن ما زال الحديث عن حدوث زلازل قريبة في المنطقة مجرد تنبؤات يعتبرها العلماء واهية وضعيفة.. ولتسليط الضوء على هذه القضية حاورت "عربي21" أستاذ الجيوفيزياء وعلم الزلازل والبيئة في الجامعة الأردنية نجيب أبو كركي، وذلك للوقوف على حقيقة بعض النظريات التي ظهرت بعد زلزال تركيا وسوريا.



وأكد أبو كركي خلال الحوار أن قوة زلزال تركيا الأخير تساوي قوة ضرب ملياري طائرة لـملياري برج كبرجي نيويورك، لكن غالبا لا يمكن أن يضرب الدول العربية زلزال بنفس هذه القوة.

وفي ما يتعلق بحديث العالم الهولندي فرانك هوغربيتس في بعض الأحيان عن احتمالية حدوث زلازل في بعض المناطق، أكد أبو كركي أن حديثه لا يُعتبر تنبؤا، خاصة حينما يتحدث عن مناطق فيها أصلا نشاط زلزالي.

وتاليا نص الحوار، كذلك يمكنكم مشاهدة الحوار كاملا في أسفل النص:

ما هو موقع منطقتنا العربية من النشاط الزلزالي؟ وهل يمكن أن تصل درجتها إلى نفس قوة زلزال تركيا وسوريا الأخير؟

بصفة عامة يمكن حدوث زلازل في بعض المناطق، لكن لا يمكن أن تصل قوتها لنفس قوة زلزال تركيا الأخير، لكن عموما هناك بعض المناطق التي فيها تصادم مثل شمال العراق لوجود الصفيحة العربية هناك، وأحيانا شمال الجزائر على الشاطئ وظهر ذلك عمليا في الزلزال الذي حدث في ولاية الأصنام في 10 تشرين أول/أكتوبر 1980 والذي بلغت درجته 7.3.

بمعنى هذه هي بعض المناطق التي يحدث بها زلزال ولكنها ليست القصوى، وبشكل عام الزلازل القصوى في العالم محصورة تقريبا في المحيط الهادئ، وقليل منها على أطرافه التي تلتقي مع المحيط الهندي.

لكن هل يمكن أن تتعرض بعض المناطق العربية لزلزال بنفس قوة الذي حدث مؤخرا في تركيا؟

بشكل عام دولنا العربية لو حدث فيها زلزال سيكون أضعف بـ15 مرة من زلزال تركيا، بمعنى 15 زلزال من أكبر زلزال يمكن أن يضرب العالم العربي يتساوون مع الزلزال الذي حدث في تركيا عام 1939 والذي بلغت قوته 8 تقريبا، أي أن العالم العربي الحد الذي يمكن أن يصل فيها قوة الزلازل هي 7.3.

وبالطبع هناك فرق كبير بين درجتي 7.3 و7.8، وللتوضيح أكثر، أعلنت السلطات التركية أن قوة الزلزال الأخير تساوي قوة 500 قنبلة نووية من التي ضربت هيروشيما على اعتبار أن القنبلة تساوي زلزالا قوته 6، إذن الـ 6 مقارنة بـ 7.8 هي أقل بـ500 مرة.

وحتى أبسطها للقارئ أكثر قمت بحساب زلزال تركيا الأخير بشكل آخر، فمثلا البرجين اللذين ضُربا بطائرتين في نيويورك الأمريكية، قُدرت الطاقة التي تفرغت نتيجة ضرب البرجين بأقل من 1 ريختر، إذن زلزال تركيا الأخير يساوي 2 مليار طائرة مضروبة بـ2 مليار برج.

بعد زلزال تركيا خرجت نظريات تقول إنه يمكن للقمر التسبب في حدوث زلازل، ما صحة هذه النظريات؟

القمر له تأثير، ولكن ليس على مجال إطلاق زلازل، وفي الواقع القمر معروف في علم الجيوفيزياء عندما نعمل على الجاذبية، بمعنى يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أوضاع القمر، ما هي؟ لأنه لدينا ما يسمى بالمد والجزر الأرضي.

إذن المد والجزر في البحر قد يرفع مستوى المياه في بعض المناطق، مثل شمال غرب فرنسا، عندما يكون جزر يكون مرتبطا باليابس، وعندما يأتي المد يصبح جزيرة وترتفع المياه خلال ساعة أو أقل.

كذلك القمر جيوفيزيائيا محسوب تأثيره وكأنه يُزيد نصف قطر الكرة الأرضية بحوالي ثلاثين سنتيمتر في أقصى حالته، وهذا نسميه المد والجزر الأرضي، ونعتمده كتصحيح لقياسات الجاذبية، ولكن لا يمكن أن يُسبب القمر حدوث زلازل.

قد يكون هناك مناطق في وضع حرج جدا بمعنى يكون كالقشة التي قصمت ظهر البعير، وبالتالي يؤدي بالنهاية إلى التسريع، ولكن هذا لا يؤهله لأن يكون عنصر تنبؤ، لأننا لا نعرف كم هي الضغوط الموجودة على الصخور، وفي الحقيقة هذه طريقة فاشلة للتنبؤ كما يصورها البعض، بالمحصلة جميع العلماء متفقين على أن أسباب الزلازل داخلية.

خرجت نظريات تقول إن زلزال تركيا وسوريا الأخير مفتعل، إما بقنبلة نووية مصغرة وإما عبر البرنامج العلمي الأمريكي "HARRP"، ما رأيك بذلك؟ وبشكل عام هل يمكن أن يتسبب النشاط الإنساني بحدوث زلزال؟

في ما يخص برنامج "HARRP"، بصراحة لا أعرف الكثير عنه وحتى دول لا تعرف الكثير عنه، ولكن بشكل عام أستبعد هذه الفكرة، كذلك هناك مؤشرات تنفي هذا الكلام، فمثلا زلزال تركيا حصل بعد 7 آلاف هزة ارتدادية فهل هذا من صنع الإنسان؟!

أيضا هذه المنطقة معروفة بنشاطها الزلزالي، وحصل فيها زلازل كثيرة عبر السنوات، كذلك لو كان السبب تفجيرا فسيُعرف مباشرة من التسجيلات الزلزالية، فالتفجير سيعطينا موجات ضغط في كل الاتجاهات، بينما الزلزال يعطينا موجات ضغط مختلفة.

هذه الفكرة أستبعدها ولا أستسيغها إنسانيا، فهذه الدول فيها مؤسسات وفيها مساءلات، بمعنى أنه من يمكن أن يقبل إجراما بهذا المستوى؟

أما في ما يتعلق بإمكانية تسبب النشاط الإنساني بحدوث زلازل، فإن هناك بعض الزلازل نسميها "المستحدثة"، بمعنى أنها قد تكون عرضية ومن صنع الإنسان، وتحدث بالشكل الآتي: مثلا عندما يكون هناك منطقة فيها مناجم كثيرة، والتي بدورها يتم فيها استخراج كميات كبيرة من الفحم أو أي مادة أخرى، تبدأ فيها "زلزالية" خفيفة قوتها ثلاث درجات فما دون، وطبعا في مناطق ليس فيها صدوع.

كذلك لوحظ أن بعض السدود الكبرى لم يكن قبل بنائها "زلزالية" ولكن بعدها يصبح لدينا زلزالية خفيفة، ومثال على ذلك السد العالي حيث بدئ بتسجيل بعض الهزات هناك نتيجة هذا السد، وبالتالي فإنه ممكن أن ينتج عن السدود الكبرى زلازل ولكن عندما تكون تحتوي على المليارات من الأمتار المكعبة من الماء.. هنا نحن صنعنا خللا، وبشكل عام حدث مرة واحدة في كونيا في الهند زلزال قوته تقريبا 6- 6.5 وقتل 170 شخصا، وتم ربطه بالسد الموجود هناك.

ما رأيك بتنبؤات العالم الهولندي فرانك هوغربيتس؟

للأسف من منح هذا العالم المجد هو الإعلام العربي في الغالب، مثلا يقولون العالم الذي تنبأ بكذا، أنا شاهدت تصريحاته لم أجد فيها أي تنبؤ، بمعنى حينما يقول إن هذه المنطقة سيحصل فيها زلزال عاجلا أم آجلا، بالتأكيد أي منطقة فيها صدع زلزالي سيحصل فيها زلزال عاجلا أم آجلا، وهذا من أهم مبادئ الزلازل، كذلك أي منطقة حدث فيها زلزال سيحدث فيها أمر مشابه مستقبلا.

كذلك من مراقبتي لأسلوب كلامه وغموضه تبين أنه ليس لديه أي شيء، وحتى أقنع الناس أحاول أحيانا اختراع توقعات، مثلا يمكنني القول أن الخميس القادم سيكون هناك عرس أو حدث ما في الأردن، وبالتالي حينما يرى شخص عرسا سيقول صحيح، وبالتالي إذا كان هناك حدث متأكد أنه سيحدث لا يسمى هذا تنبؤا.

كذلك أيضا نشرت على صفحتي في موقع "فيسبوك" في 26 شباط/ فبراير خريطة أمريكا الجنوبية فارغة وقلت غدا سوف أعيد نشر الخريطة وعليها الزلازل التي حصلت عليها حسب ما يحددها مركز دراسات زلازل أوروبا والبحر المتوسط، وأنا أقول لكم سيحدث على هذه الخريطة عشرات الزلازل، وبعدها بيوم فعلا تم تحديد 63 زلزالا حصلت خلال 24 ساعة.

بالتالي هناك مناطق والتي يوجد فيها زلزال كبير وهزات ارتدادية من السهل أن أقول عنها أنه في وضع حرج وسيحدث زلزال، وبالطبع هو عندها يقول أنني تنبأت والصحافة للأسف تأخذ كلامه على محمل الجد.

لكن بشكل عام التنبؤ واضح في الزلزال، بمعنى يجب أن تحدده أين ومتى وكم قوته، ويجب أن تضع دراسة كم من الممكن أن يكون هذا التنبؤ صدفة، فمثلا تركيا في الوضع العادي دون وجود زلازل كبرى يُسجل فيها يوميا من 15-16 هزة درجتها من 3-4، حسب مركز دراسات زلازل أوروبا والبحر المتوسط، وبالتالي لا يمكن أن أقول أنه سيحدث زلزال في تركيا ولا أقول أين، وبعدها بيوم آتي بالبيانات وأقول حدث كما توقعت.

قيل سابقا إن الحيوانات تتنبأ بحدوث الزلازل، وذُكرت أمثلة من هذا القبيل، منها مثلا أن مدينة صينية هجرتها الكلاب قبل حدوث زلزال، ما حقيقة هذا الأمر؟

بالطبع في العلم لا شيء يُهمل ولذلك تُجرى دراسات حول كل هذه الأمور، لكن مثلا المدينة الصينية تبين أنهم أفرغوها 15 مرة بشكل غير صحيح وفي المرة الـ16 صدقت، وقال عالم صيني من نفس المدينة في مؤتمر علمي في باريس إن الأمر لم يكن مرتبط بموضوع الحيوانات، بل كان دراسات وقياسات جيوفيزيائية.

أما في ما يتعلق بالحيوانات، هناك تجربة علمية يسموها الخط الساخن أو الأحمر أجريت في كاليفورنيا وهي منطقة معروف أن زلزاليتها أكبر من زلزالية العالم العربي بشكل كبير، قامت خلالها المراصد بالطلب من الناس إبلاغهم بأي تصرف غريب يحدث لأي حيوان، لكن التجربة فشلت، لماذا؟ لأنه مثلا في أيام كان يأتيهم الكثير من الاتصالات حول تصرفات غريبة لحيوانات ولكن لا يحدث زلزال، وفي أيام أخرى يأتيهم عدد اتصالات أقل ولكن يحدث هزات بسيطة.

كذلك الحيوانات البليدة التي يربونها في البيوت ويعتنون فيها جيدا لم تُعد تُحس، ولكن قد تكون الحيوانات التي تعيش في الصحراء مثلا الأفاعي التي ينضغط جسمها إذا كان هناك ضغوط في الأرض أو تسمع دبيبا بشكل أفضل، ولكن لنكن منطقيين؛ مثلا مدينة يوجد فيها 10 آلاف كلب ولاحظ مالكو 500 منها تصرفات غريبة عليها وبعدها حدث زلزال، لكن لو لم يحدث زلزال لن يلاحظ أحد هذه التصرفات الغريبة، وبالتالي الموضوع يحتاج لدراسة علمية أدق.

قال كارلو دوغليوني، رئيس المعهد الوطني الإيطالي للجيوفيزياء والبراكين، إن تركيا تحركت ثلاثة أمتار نتيجة الزلزال، ماذا يعني هذا؟

في الواقع هذه تكون فقط حركات مرتبطة بالصدع نفسه بحدود الصفائح والغلاف الصخري، وتحرك ثلاثة أمتار نتيجة زلزال درجته 7.8 طبيعي جدا، خاصة أن زلزال 1939 والذي كانت قوته 8 وبالتوثيق والقياسات حرك باتجاه الغرب 4.2 متر، بمعنى نحن نلاحظ أن هناك إزاحات على الصدع في مناطق مختلفة تتراوح ما بين 5 إلى 4 إلى 3 ومعدلها يصل إلى هذا الشكل، وهذا الأمر بالنسبة لقوة الزلزال منطقي.

ويمكن الآن قياس التحرك بتقنيات حديثة تستطيع حساب حقل التشوهات التي حصلت، وبالطبع التشوهات تكون أكثر شيء في المناطق قرب الصدع، ولكن بعده تكون هذه الحركات امتُصت والأرض استطاعت تحملها.





ولكن حتى نفهم الأمر بشكل جيد يجب أن نقارن، فمثلا الزلزال الذي حدث في فلسطين عام 1927 كانت قوته 6.2 والذي تسبب بوفاة 324 شخصا، سبّب إزاحة مقدارها 40 سنتيمترا، بالمقابل تركيا كما ذكرنا في زلزال 1939 تسبب بإزاحة 4.2 مترا، بينما في تشيلي أكبر زلزال سُجلت فيه إزاحة 15 متر، وهذا أمر طبيعي.

ومعروف سابقا من نظرية الصفائح وحساباتها بأن الصفيحة العربية تصعد نحو الشمال وتزيح تركيا نحو الغرب وإيران نحو الشرق، وتضغط القوقاز، وتسبب سلسلة الجبال الموجودة فيه، وبالتالي هذا على مدى عشرات ملايين السنين يُترجم بالنهاية بأن كل البحر الأبيض المتوسط الذي تقع وسطه حدود هذه الصفائح والموجود فيه سلسلة جبال يبلغ ارتفاعها 3 كيلومترات داخل البحر هذا سيُغلق من هنا حتى خمسين مليون سنة.

وتظهر هذه الإزاحة على أرض الواقع، مثلا ترى شارعا أُزيح أو سكة حديد التويت وأُزيحت ثلاثة مترات بمعنى كانت مستقيمة وبعد الإزاحة تغير اتجاهها.