أثار الرئيس
التونسي قيس سعيّد جدلا جديدا بعد أن قرر حل البلديات المنتخبة وتعويضها بمجالس مؤقتة، مع إصدار أمر رئاسي مرسوم تنظيم
انتخابات المجالس المحلية وتركيبة المجالس الجهوية ومجالس الأقاليم، دون تحديد موعد لها.
وبقرار الحل المجالس البلدية المنتخبة في 2018، أنهى سعيّد عمل آخر مؤسسة أقرها الدستور التونسي لعام 2014، الذي أطاح به الرئيس عبر استفتاء شعبي، بلغت نسبة المشاركة فيه 27.54 بالمئة.
وخصص الدستور السابق بابا كاملا للسلطة المحلية، الذي كان يؤسس لسلطة محلية تقوم على اللامركزية وديمقراطية القرب والتدبير الحر، عبر مجالس منتخبة انتخاباً عاماً، حراً، مباشراً، سرياً، نزيهاً وشفافاً، متكونة من 7200 مستشار بلدي موزعين على 350 بلدية، لمدة 5 سنوات.
ويُعتبر باب السلطة المحلية من نقاط قوة دستور 2014، حيث فتح الباب السابع المجال أمام تغيير جوهري في
النظام السياسي للبلاد، وقد كانت تسير بطريقة مركزية مفرطة للغاية منذ الاستقلال وحتى ثورة 2011 التي أطاحت بنظام الدكتاتور الراحل زين العابدين بن علي.
اظهار أخبار متعلقة
وخصص الباب السابع من الدستور القديم 14 مادة تتحدث عن السلطة المحلية وصدرت من بعده مجلة الجماعات المحلية في أيار/ مايو 2018، عن البرلمان الذي حلّه سعيّد العام الماضي، مقابل فصل وحيد في الدستور الجديد.
وفي تعليق، قال المقرر العام لدستور 2014 الحبيب خذر لـ"
عربي21" إن الدستور السابق اختار أن يمنح موقعا مهما للسلطة المحلية في رؤية تقوم على تكريس لامركزية حقيقية لا مجرد قول.
قرار منتظر
وأكد رئيس الجامعة الوطنية للبلديات في تونس، عدنان بوعصيدة، أن القرار كان منتظرا لأن المجالس البلدية أشرفت بطبعها على إنهاء عملها بعد تركيزها في حزيران/ يونيو 2018، مشيرا إلى أنه طالب بالانتخابات من أجل المحافظة على مسار اللامركزية.
وفي تصريح لـ"
عربي21"، اعتبر بوعصيدة أن مسار اللامركزية منظومة عمل اقتصادية بحتة من خلال وضع الاستراتيجية المحلية، قائلا إن منظومة الحكم المحلي لا يجب أن تختفي تماما.
وفي تفسيره لقرار حل المجالس البلدية، قال المصمودي إنه من الممكن أن يكون هذا القرار تمهيدا لإجراء انتخابات أخرى، حيث يوجد سعي للحفاظ على استقلالية البلديات، مثلما هو معمول به في بعض الدول الأخرى.
واستدرك رئيس الجامعة الوطنية للبلديات بالقول إنه "من الممكن أن يكون النظام القانوني الجديد الذي يميل إلى البناء القاعدي هو السبب الرئيسي لقرار حل المجالس البلدية المنتخبة" مضيفا أن "الأيام ستكشف الحقيقة".
وقال إن قرار الحل لن يؤثر على العمل اليومي للبلديات، معتبرا أن تجربة المجالس المحلية، في تونس كانت ناجحة وقدمت خدمات كبيرة للمواطنين خلال الخمس سنوات الماضية.
قراءة قانونية
وينص القانون الجديد على أنه سيعتمد التصويت على الأفراد في الاقتراع الخاص بانتخابات أعضاء المجالس المحلية، فيما ستعتمد القرعة في عملية اختيار الممثل عن المجلس المحلي بالمجلس الجهوي الراجع له بالنظر، ثم ينتخب أعضاء كل مجلس جهوي ممثليهم بمجلس الأقاليم.
وفي قراءة، قال الباحث في القانون عدنان الكرايني إن "هذه الأجسام كانت واضحة ومنتظرة منذ التنصيص على الغرفة النيابية الثانية وهي المجلس الوطني للجهات والأقاليم"، معتبرا أنه "من خلال التنصيص على أحكام دستور 2022، فيبدو أن هذه المؤسسة تبنى على التصعيد القاعدي لأعضائها".
وعن المرسوم الذي أصدره سعيّد لتنظيم انتخابات المحلية، اعتبر الخبير القانوني أن "هناك نوعا من التضارب في الفصول. من جهة الفصل 9 يشير لصفة الانتخاب للمجالس الجهوية بينما الفصلان 21 و34 منه ينصان على القرعة، والقرعة غير الانتخاب، وهو مصعد دخيل على المنظومة القانونية التونسية وليس هناك نظام يضبطه ويبين إجراءاته وهي آلية اختيار عشوائية غير محددة بمعايير. ويناقض هذا التنصيص الفصل 81 مما يسمى بدستور 2022 نفسه، الذي يشير لآلية الانتخاب وليس القرعة".
وأضاف في تصريح لـ"
عربي21" أن "هذه الهياكل ليست واضحة التصنيف؛ هل هي تندرج ضمن منظومة اللامركزية واللامحورية أم إنها صنف مستحدث من أشكال التنظيم الإداري"، مشيرا إلى أنها "شبيهة لحد كبير بنظام اللجان الشعبية التي كانت سائدة في ليبيا زمن معمر القذافي، وهو ما قد يؤسس لتناقض بين سلطة المعتمدية المنصوص عليها في قانون 1974 المتعلق بضبط مشمولات الإطارات العليا للإدارات الجهوية، وبين سلطة المجلس المحلي، الذي يجد أمامه المجلس البلدي وهو بدوره منتخب، أي وجود 3 أجسام في ذات المستوى من التنظيم الإداري التونسي".
اظهار أخبار متعلقة
وزاد: "هذا المشروع يشكل خطراً حقيقياً على وحدة الدولة ومؤسساتها. فهو تفكيك وخلق أنواع شتى من تنازع الاختصاصات في نفس الموضوع وبذات الإمكانات المرصودة، ويجعل من الدولة جزيئات مجهرية تتصارع فيما بينها، وكلما ارتفعت درجة التنظيم الهيكلي صدرت هذه الصراعات لحلبة أوسع وأخطر".
واعتبر الكرايني أن "البناء القاعدي هو تمهيد لحكم مركزي فردي مطلق وما دور هذه المجالس إلا تشديد قبضة الفرد وإغلاق باب المشاركة دون المواطنين والأحزاب السياسية، لتخلق نوعا جديدا من الزبونية القائمة على المصلحة المالية والقبلية، عوض البرامج السياسية المتناسقة والتي تبنى وفق خط توجيه واضح".
وأضاف أن "هذا المشروع من خلال تنظيمه القانوني، خطر على الأمن القومي التونسي، فهو يؤسس لحياة سياسية على أساس قبلي، يعيد تونس لنظام ما قبل الدولة حين كانت القبائل تتصارع من أجل النفوذ باستعمال المال والجاه. والنتيجة نزاعات لا نهاية لها حول مواضيع تنموية الأصل أن تقاد وتعالج وفقا لرؤية سياسية".
وختم الباحث في القانون قوله إن "تفكيك آلة القرار يخلق التناقضات فيها بشكل يضعف مناعة أجهزة الدولة ومؤسساتها في المسألة التنموية ويجعل القرار متمركزا في يد فرد واحد، يتولى رهن كل المؤسسات في يده".