تتصاعد
المقاومة الفلسطينية في شتى مدن ومناطق
الضفة الغربية المحتلة، وتذوب معها الحواجز والحدود بين مختلف
الفصائل في صورة تنسيق مشترك بين مختلف المجموعات، وذلك في مشهد نادر استدعاه العدوان الإسرائيلي المتواصل.
وفي المقابل، يتلاشى الاحترام للسلطة الفلسطينية في ظل قناعات فلسطينية تسود الأوساط المختلفة في الضفة، بأن
السلطة لا يمكن أن تمنع عدوانا، بل توفر له غطاء وتساهم فيه.
وقالت صحيفة "
الغارديان" في تقرير لها ترجمته "عربي21"، إن علامات ظهرت تدل على أن مجموعات من الشباب الذين يتنظمون في بلداتهم للقتال رداً على الاجتياحات الإسرائيلية بدأوا ينسقون فيما بينهم عبر المدن المختلفة، ولا أدل على ذلك من أن مطلق النار في حوارة، عضو حماس من نابلس، اختار الاختباء في مخيم اللاجئين في جنين، حيث وفر له المقاتلون المحليون هناك ملاذاً، الأمر الذي يثبت أن تلك الروابط تزاد قوة.
اظهار أخبار متعلقة
ورأت الصحيفة أن مثل هذا التنسيق يمهد الطريق لعودة الصراع الشامل والمفتوح مع إسرائيل، حتى لو كانت السلطة الفلسطينية، ونصف تنظيم فتح المنشق على نفسه، ضد ذلك.
ومنذ إنشاء السلطة قبل ثلاثين عاماً لم تفعل السلطة الفلسطينية شيئاً لتحسين مستوى المعيشة في الضفة، بل زادت الأوضاع سوءاً مؤخراً، وذلك بعد أن أمن الجيش الإسرائيلي اتفاقاً يتيح له البحث عن المسلحين الذين تعجز قوات السلطة عن إيجادهم أو تتردد في إلقاء القبض عليهم بنفسها، وفق الصحيفة.
وتاليا نص التقرير كم أوردته "الغارديان":
انغمرت شوارع مدينة جنين في الضفة الغربية المحتلة بالرجال المتشحين بالسواد وهم يرتدون الزي العسكري ويحملون بنادق إم 16، والتي باتت سلاحاً مفضلاً بسبب وفرة ورخص الذخيرة التي تستخدمها. صوت الطلقات النارية المتقطعة يصم الآذان، ويكاد يهيمن على الهتاف الذي علت به الحناجر: "سوف نلقن تل أبيب درساً".
يوم الأربعاء، حمل المشيعون جثماني مسلحين اثنين قتلا في مداهمة إسرائيلية في اليوم السابق، وساروا بهما وقد لف كل واحد منهما بالعلم الفلسطيني، عبر المركز باتجاه مخيم اللاجئين في الطرف الغربي من المدينة. لا ريب في أن العدد الضخم من الرجال المسلحين، وتداخل الرايات التي تنتمي إلى العديد من المجموعات المسلحة المختلفة – من حماس إلى فتح إلى الجهاد الإسلامي – يفصح عن حركية جديدة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
في تحد سافر للسلطة الفلسطينية، ذلك الكيان شبه المستقل الذي يحكم الضفة الغربية، تتنامى المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وتكاد الحدود الفاصلة بين الفصائل المختلفة تتلاشى بينما تتلاقى مصالحها وتتداخل.
يقول شاب في الخامسة والعشرين من عمره يرتدي عصابة رأس فضية وشعار كتائب الأقصى التابعة لحركة فتح، مشترطاً عدم الإفصاح عن هويته: "إن السلطة الفلسطينية ضدنا، فهم يعتقلوننا ويعذبوننا. لقد باعوا القضية مقابل المال بينما نحن الذين نحمي هذه الأرض بدمائنا. جئت من نابلس اليوم لدعم إخواننا، فنحن نواجه الاحتلال حيثما كان. وبإمكانك أن ترى ذلك من أعدادنا، انظر كم عدد الذين جاءوا هنا اليوم. كل شهيد يقتلونه سيحل عشرة مكانه".
ستة رجال – ثلاثة ينتمون إلى حماس، وواحد إلى الجهاد الإسلامي، وواحد من فتح، ورجل آخر يبدو أنه منشق عن قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية – قتلوا جميعاً في هجوم نادر شنته في وضح النهار قوات الدفاع الإسرائيلية على مخيم جنين عصر الثلاثاء مستهدفة المسلحين الفلسطينيين الذين قتلوا شخصين إسرائيليين في بلدة حوارة بالضفة الغربية الأسبوع الماضي. وكان ذلك الهجوم قد استثار مستوطنين مجاورين يقطنون مستوطنة غير قانونية أقيمت على الأرض الفلسطينية، فانطلقوا يعيثون في الأرض فساداً، لدرجة أن أعمالهم الانتقامية وصفها مسؤولون في الجيش الإسرائيلي بأنها مقتلة.
في موقع القتال، ارتطمت سيارة بواجهة المنزل المستهدف فتكوم غطاؤها كما لو كان صفحة من ورق. بحسب ما رواه شهود عيان، اندفعت السيارة عدة أمتار إلى الأمام بفعل قذيفة أطلقها عليها الجنود الإسرائيليون من مدفع محمول على الكتف. وقد تسببت القذيفة في تفجير البوابات الحديدية وفي تطاير كتل من جدران المبنى وفي تساقطها على الأرض.
برك من الدم الأحمر القاني ما زالت رطبة تلمع تحت أشعة الشمس. داخل المبنى، ما زال المطبخ ذو اللونين البرتقالي والأبيض على حاله لم يمسسه سوء، في تناقض صارخ مع المذبحة التي وقعت في الجانب الآخر من غرفة المعيشة التي تطايرت جدرانها.
يقول إسلام فايد، الذي يبلغ من العمر ثلاثين عاماً ويعيش في البيت المجاور: "عندما سمعنا الجنود يصرخون بالعبرية علمنا أن هجوماً يوشك أن يشن".
ويضيف: "نخشى من وقع ذلك على الأطفال. لم يعودوا ينامون، ويفزعون من نومهم لما يرونه من كوابيس".
في الربيع الماضي، شنت قوات الدفاع الإسرائيلية عملية "كسر الماء"، والتي كانت عبارة عن حملة ليلية في أرجاء الضفة الغربية استهدفت بشكل أساسي مدينتي جنين ونابلس الشماليتين، وذلك رداً على موجة من الهجمات الإرهابية الفلسطينية في إسرائيل. بعد مرور عام، لم يقتصر الأمر على تصاعد الهجمات الإرهابية التي تستهدف المدنيين الإسرائيليين، بل نجم عن ارتفاع أعداد القتلى في صفوف الفلسطينيين استثارة جيل جديد من المقاتلين الفلسطينيين.
ظهرت علامات تدل على أن مجموعات من الشباب الذين يتنظمون في بلداتهم للقتال رداً على الاجتياحات الإسرائيلية بدأوا ينسقون فيما بينهم عبر المدن المختلفة، ولا أدل على ذلك من أن مطلق النار في حوارة، عضو حماس من نابلس، اختار الاختباء في مخيم اللاجئين في جنين، حيث وفر له المقاتلون المحليون هناك ملاذاً، الأمر الذي يثبت أن تلك الروابط تزاد قوة. ومثل هذا التنسيق يمهد الطريق لعودة الصراع الشامل والمفتوح مع إسرائيل، حتى لو كانت السلطة الفلسطينية، ونصف تنظيم فتح المنشق على نفسه، ضد ذلك.
طوال الليل كان أئمة المساجد في نابلس وجنين يبثون رسائل من المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية يطالبون فيها الناس بالانتفاض معاً تضامناً، وكان الناس يستقبلون تلك الرسائل بالهتاف والألعاب النارية. شهدت المدينتان بالإضافة إلى رام الله، العاصمة الإدارية في الضفة الغربية، إضراباً عاماً يوم الأربعاء احتجاجاً على مصرع المقاتلين في جنين – وهو نمط من الإجراء الجماعي الذي لا تملك السلطة الفلسطينية الضعيفة والفاسدة إلا أن تحلم في امتلاك القدرة على تحفيز الجماهير على مثله.
بالنسبة لسكان تلك المدن، لا ريب في أن الحرب قد عادت من جديد وتدور الآن رحاها. فحتى الآن، قتل ما يقرب من سبعين فلسطينياً على يد القوات الإسرائيلية منذ بداية 2023، نصفهم تقريباً من المسلحين ونصفهم من المدنيين، وذلك بحسب ما ورد في تقارير صادرة عن المنظمات الحقوقية.
خلال نفس الفترة أسفرت هجمات شنها فلسطينيون من فئة ما بات يطلق عليها "الذئاب المنفردة" عن مقتل أربعة عشر إسرائيلياً، جميعهم فيما عدا واحد كانوا من المدنيين. يتبع هذا النزف الدموي نهج عام 2022 الذي كان الأشد فتكاً على الإطلاق في إسرائيل والقدس والضفة الغربية منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي اندلعت في عام 2000.
تقول ناديا، التي تبلغ من العمر خمسة وخمسين عاماً وتسكن في مخيم جنين: "أعتقد أن هذا أسوأ مما كان عليه الحال في الانتفاضة الثانية. فالآن، كلما دخل الإسرائيليون فإنهم يقتلون، ولا يميزون في ذلك بين مدني ومسلح".
كان مخيم جنين، ومثله ثمانية عشر مخيماً أخرى تنتشر في أرجاء الضفة الغربية، في الأصل ملاذاً للفلسطينيين الذين فروا من ديارهم أثناء الحرب التي أحاطت بقيام إسرائيل في عام 1948. أما الآن فهو أشبه بالغيتو: الوظائف شحيحة، والأسلحة وفيرة، والمقاومة ضد الاحتلال قوية كالعادة.
خلال الثلاثين عاماً التي مضت منذ إنشائها لم تفعل السلطة الفلسطينية شيئاً لتحسين مستوى المعيشة هنا. بل زادت الأوضاع سوءاً مؤخراً، وذلك بعد أن أمن الجيش الإسرائيلي اتفاقاً يتيح له البحث عن المسلحين الذين تعجز قوات السلطة عن إيجادهم أو تتردد في إلقاء القبض عليهم بنفسها.
ومع الارتفاع التدريجي في عدد من يموت من الفلسطينيين ومع ارتكاب المستوطنين لأعمال عنف كالتي شهدتها حوارة دونما رادع من حساب أو عقاب، فإنه يتبخر ما بقي من وقار للسلطة الفلسطينية.
ففي مقاطع فيديو انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي مساء الثلاثاء، أشاد الفلسطينيون الساخطون بما وصفوه ببطولة الشهداء ونددوا بالسلطة الفلسطينية واصفين إياها بالعملاء.
لا يبشر المستقبل القريب بخير، فشهر رمضان الذي تشتد فيه التوترات يبدأ في الثالث والعشرين من مارس/ آذار. ويبدو أن إيتامار بن غفير، وزير الأمن الوطني المتطرف في حكومة إسرائيل الجديدة اليمينية المتطرفة، عازم على صب الزيت على النار خلال الفترة المحمومة، وذلك من خلال المضي قدماً بالأمر بهدم منازل الفلسطينيين في القدس الشرقية المحتلة ومن خلال زيارة جبل الهيكل بالغ الحساسية في المدينة.
يقول مقاتل من مخيم جنين يبلغ من العمر عشرين عاماً: "لست أهاب الموت، فلا توجد هنا حياة على أية حال. في كل يوم تحدث اجتياحات إما من قبل الجيش أو من قبل السلطة، ويموت الناس".