طرحت
مصر صكوكاً إسلامية سيادية تضمنها وزارة المالية بقيمة 1.5 مليار
دولار، للمرة الأولى في تاريخ البلاد، وذلك بعد صدور قانون
الصكوك السيادية رقم
138 لسنة 2021 ولائحته التنفيذية.
ومن خلال الاطلاع على الموقع الإلكتروني لوزارة المالية تعذر
الوصول لنشرة إصدار هذه الصكوك، ولا توجد سوى بعض التصريحات والبيانات التي كشفت
عن أن مدة هذه الصكوك 3
سنوات بعائد سنوي 10.875 في المئة، وهو الأعلى عالمياً.
وأوضح وزير المالية محمد معيط أن طلبات الاكتتاب في الصكوك شهدت إقبالاً
ملحوظاً حيث بلغت نحو 6.1 مليار دولار، من خلال أكثر من 250 مستثمرا في مختلف
أسواق المال العالمية، بما يعني تجاوز قيمة الإصدار بأكثر من أربع مرات. ووصف معيط
نتيجة الطرح بالناجحة في ضوء ظروف اقتصادية وسياسية عالمية مضطربة، مما يعد رسالة
ثقة قوية من أسواق المال العالمية والمستثمرين في الاقتصاد المصري ومستقبله،
وقدرته على التعامل المرن مع التحديات الداخلية والخارجية. وأرجع سبب ارتفاع تكلفة
التمويل إلى موجة تضخمية حادة، وأضاف أن وزارته نجحت في إنشاء برنامج دولي
لإصدارات الصكوك السيادية لعدة سنوات مقبلة بقيمة خمسة مليارات دولار، وقد سُجّل
في بورصة لندن.
وقد عرّف القانون المصري الصكوك السيادية بأنها أوراق مالية حكومية
اسمية متساوية وقابلة للتداول تصدر لمدة محددة، لا تجاوز ثلاثين عاما، وتمثل حصصا
شائعة في حقوق منفعة
الأصول، وفقا لما تحدده نشرة الإصدار.
واقع الصكوك عالميا يكشف عن انحراف جلها عن الالتزام بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، حتى تحول أكثر من 90 في المئة من إصدارتها إلى سندات دين لا تختلف عن السندات الربوية سواء بسواء، من خلال اتباع الحيل المذمومة بضمان القيمة الإسمية للصك بل وعائده، لا سيما من خلال العيّنة الإيجارية
ويقصد بالأصول هنا الأموال الثابتة أو المنقولة ذات القيمة
الاقتصادية والمملوكة للدولة ملكية خاصة أو لأي من الأشخاص الاعتبارية العامة، عدا
الموارد الطبيعية. كما أن تصكيك هذه الأصول يتم من خلال تقرير حق الانتفاع بها دون
حق الرقبة أو تأجيرها، فالتصكيك يكون لمنفعة الأصول دون رقبتها، ويتم ذلك من خلال
شركة مساهمة مصرية ذات غرض خاص مملوكة بالكامل للجهة المصدرة (وزارة المالية)، وللشركة
بصفتها وكيلا عن مالكي الصكوك السيادية الحق في متابعة استثمارها والأغراض التي
حددت من أجلها. كما أن تقييم حق الانتفاع أو تقدير القيمة الإيجارية للأصول التي
يتم تصكيكها يتم من قبل لجنة عليا من الخبراء للتقييم.
وهذه الصكوك تصدر في الأساس وفق مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية،
لذا نص القانون على وجود لجنة للرقابة الشرعية تختص بالتحقق من شرعية هذه الصكوك
منذ إصدارها وحتى استرداد قيمتها.
وكل ما سبق في القانون لا إشكالية فيه من الناحية الشرعية، ولكن لا
يمكن إغفال في تقييمنا لهذه الصكوك أمرين: واقع الصكوك في السوق العالمي، وواقع
الحالة المصرية.
فواقع الصكوك عالميا يكشف عن انحراف جلها عن الالتزام بأحكام
ومبادئ الشريعة الإسلامية، حتى تحول أكثر من 90 في المئة من إصدارتها إلى
سندات
دين لا تختلف عن السندات الربوية سواء بسواء، من خلال اتباع الحيل المذمومة بضمان
القيمة الإسمية للصك بل وعائده، لا سيما من خلال العيّنة الإيجارية، حيث تبيع الجهة المصدرة لصكوك
الإجارة للشركة المساهمة ذات الغرض الخاص منافع الأصول القابلة للتأجير بثمن حال
(ثمن الصكوك)، ثم إعادة استئجارها منها تأجيرا مقترنا بوعد بالتمليك، أو تستأجرها
منها مع إصدارها وعدا ملزما بإعادة شراء الأصل بالقيمة الإسمية له.
الحالة المصرية فلن تخرج في تطبيقاتها عن جل سوق الصكوك الدولية، لا سيما وأنها اعتمدت على تصكيك منافع الأصول، ومن ثم فالعينة الإيجارية ستكون لصيقة بها، خاصة وأن المؤسسات الدينية الرسمية وتوابعها لا فرق عندهم بين الربا وسعر الفائدة
بل إنه لمزيد من
التحايل والوقوع في العينة الإيجارية أيضا قد تقوم الشركة المساهمة ذات الغرض
الخاص بشراء الأصل أو منافعه من الجهة المصدرة ثم بيعه إلى حَمَلة الصكوك (أو من
يمثلهم)، ثم تستأجر الجهة المصدرة الأصل من حَمَلة الصكوك تأجيرا مقترنا بالوعد
بالتمليك أو تستأجره مع إصدارها وعدا ملزما بإعادة شراء الأصل بالقيمة الإسمية،
وكأنه وفقا لهذا التحايل الشيطاني أصبح بائع الأصل والمتعهد بشرائه بالقيمة الإسمية
طرفين وهما في الحقيقة طرف واحد.
أما الحالة المصرية
فلن تخرج في تطبيقاتها عن جل سوق الصكوك الدولية، لا سيما أنها اعتمدت على تصكيك
منافع الأصول، ومن ثم فالعينة الإيجارية ستكون لصيقة بها، خاصة أن المؤسسات
الدينية الرسمية وتوابعها لا فرق عندها بين الربا وسعر الفائدة، وأحلّت ما حرم
الله بمبررات واهية ليس لها ذرة قبول في ميزان الشرع والعقل والاقتصاد.
كما أن الحكومة
المصرية لا هم لها سوى ترقيع الديون كما ذكر ذلك من قبل وزير المالية محمد معيط، وقد
وجدت الحكومة في الصكوك فرصة تصب في هذا الجانب، وهذا بدا واضحا في توقيت إصدار هذه
الصكوك، حيث حان أجل دفع قيمة سندات دولية مصدرة سابقا بمبلغ 1.25 مليار دولار، بفائدة 5.5 في المئة، فمن هذا يرقع
لهذا مع تحمل فرق عائد خيالي لجذب المكتتبين في الصكوك، ثم التغني بعد ذلك بمضاعفة
طلبات الاكتتاب، وأن هذا رسالة ثقة قوية في الاقتصاد
المصري ومستقبله. وما ذلك إلا نهبا لموارد مصر في ظل الفقر والعوز والحاجة التي
وصلت إليه بعد شح التمويل أو بمعنى آخر الأرز الخليجي، فلا قيمة لتمويل لا ينبني علىه قيمة
مضافة أو تنمية مطلوبة أو تشغيل عمالة محرومة.
twitter.com/drdawaba