من
المعلوم أن كوكب الأرض مخلوق إلهي يتمتع بكل ظواهر الكائنات الحَيّة الموجودة في
الكون الفسيح، فهو يتحرك ويتغذى ويُخرج؛ يتحرك بدوَرانه حول الشمس، ويتغذى على
الكائنات الحيّة الموجودة على سطحه عندما تصبح جُثَثا أو نفايات تدفن في باطنه،
فتتحول مع الأزمنة القريبة إلى مواد تقوم عليها أقوات وغذاء الكائنات الحيَّة
الكائنة على سطحه، وفي أعماق مياهه؛ ومع الأزمنة البعيدة تتحول إلى عناصر تقوم
عليها الحضارة المعاصرة مثل النفط والغاز والفحم..، ولعل هذا يُشير إلى أن المنطقة
العربية الخليجية المليئة بمصادر الطاقة كانت في قديم الأزل أراضي بها حضارات
وحياة مليئة بالزراعة والرعي..، ومع تغيُّر الأحوال المناخية ــ حيث إن التغيير
سنة الحياة ــ اندثرت وتحولت في باطن الأرض مع مرور عديد من السنين إلى عناصر
كيماوية ومعادن..، حوَّلها الإنسان إلى طاقة فأصبحت أساس حياته في العصر الحديث.
تُعدّ
الزلازل هي عملية الإخراج لكوكب الأرض، فهي ظاهرة
طبيعية جيولوجية قديمة قدم الدهر، تمثل حركة المعادن والصخور.. في باطن الأرض،
فيحدث فيها التمثيل الغذائي لما ابتلعته مما هو على سطحها، وبعد تفاعلات كثيرة،
ومرور الأزمان تُخرج ما في باطنها في صورة زلازل، كما في قوله تعالى في سورة
الزلزلة: «إِذَا زُلزِلَتِ ٱلأَرضُ زِلزَالَهَا، وَأَخرَجَتِ ٱلأَرضُ
أَثقَالَهَا»، فهكذا تتم دورة الحياة للكرة الأرضية، وهكذا كان للزلازل الدور الأساسي
في رسم القارات على الكرة الأرضية، وكذلك توزيع المياه بنوعيها الحلوة في الأنهار
والوديان، والمالحة في البحور والمحيطات، كما أن الكرة الأرضية تُعَبِّر عن غضبها
من عبث الإنسان في طبيعتها في ظاهرة البراكين والأعاصير والفيضانات والتسوناميات
وكلها صور مدمرة لحياة الإنسان ومشابهة للزلزال!
اختلفت تفاسير هذه الظواهر بين الغرب والشرق،
فقديما في الغرب، بُنيت أفكار ومعتقدات حضارته على ما يُسمى بـ«الميثولوجيا» (Mythology)، أي علم الأساطير، وهي مجموعة الأساطير
والخرافات التي آمن بها
الإغريق، والمهتمة بطبيعة العالم ونشأته، وبآلهتهم التي
صنعوها من خيالهم، وتعدّ أساس ممارساتهم الدينية والطقوسية؛ كانت الميثولوجيا جزءا
من الدين عند اليونانيين القدماء والرومان، ومازالت جزءا من الدين في اليونان
المعاصرة، كما أصبحت مرجعية لدى الأوروبيين وفي آدابهم.
هكذا تُعتبر الحضارة اليونانية القديمة، شأنها شأن كل
الحضارات التي سبقتها، تعددت فيها الآلهة، فألَّهوا الطبيعة وظواهرها، وعبدوها حيث
جعلوا السماء والأرض والبحر آلهة، بل وجعلوا لكل مدينة آلهتها الخاصة بها، حتى وإن
تكررت بعض أسماء تلك المعبودات مع المدن الأخرى، ولم يقفوا عند هذا الحد بل جسدوا
تلك الآلهة وجعلوها كالإنسان في جميع صور حياتها النفسية والجسمانية.
نجد أن لكل ظاهرة إنسانية أو طبيعية إلها (ذكرا) أو إلهة
(أنثى)، ومن أهمهم: أفروديت (Aphrodite) ربة
الحب والجمال والنشوة الجنسية، وربة الإخصاب والزواج مع القدرة على هدم وقتل الحب في
قلوب البشر، كما كانت الفتيات غير المتزوجات والأرامل يُصلينَ لها لكي يحصلن على
أزواج؛ وأبوللو (Apollo) إله
الشمس والموسيقى والشعر والرسم والنبوءة...؛ وأَريس إله الحرب، وأرتميس إلهة الصيد
والبرية..، وهيستيا إلهة الموقد، والبيت، والعفة، ظهرت كامرأة محجبة متواضعة..
وأما عن إله البحر والعواصف والزلازل فهو بوسايدن أو
بوسيدون أو بوزيدون (باللغة الإغريقية) وهو أحد الأولمبيين الاثني عشر، كان يكرم
باعتباره الإله الرئيسي في بيلوس وطيبة، وكان لديه لقب «مزلزل الأرض»، وهو نبتون،
عند الرومان، إله البحار والمحيطات والينابيع والأنهار، له سلطان على العواصف
والرياح ويرسل الخراب أو يهب السلامة للملاحين، ويشرف على جميع العمليات البحرية
كالصيد والتجارة والبحرية وكان يمسك بالأرض حتى لا تهتز أو ترتجف، فإذا أراد شرا
بالناس هز الأرض، فتحدث الزلازل والبراكين.
هكذا كان اليونانيون القدماء والرومان يفهمون الظواهر
الطبيعية: من الزلازل والبراكين والعواصف والكوارث بكل أشكالها..، وكذلك الحب
والفن والحكمة والجنس والقوة..، فكان لكل ظاهرة إله أو إلهة، مصنوعة بأيديهم،
ويعبدونهم، هذا المفهوم يختلف عن مفهوم الشرق في أرض
الأديان (المنطقة العربية)،
قبل نزول الأديان السماوية، فكان الناس لا يعبدون الأصنام المصنوعة بأيديهم، وإنما
اتخذوهم ليقربوهم إلى الله زلفى، فَهْم مقرون بالله تعالى في نفس كلمات كفرهم،
ويعتبرون الأصنام شفعاء عند الله، كما في قوله تعالى: «وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ
اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا
عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ في السَّمَوَاتِ
وَلا في الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ» (يونس:١٨).
لم تخبرنا الأديان السماوية بالظواهر الطبيعية
المدمرة، ولكنها جاءت في صيغة معجزات للأنبياء والرسل مثل طوفان نوح عليه السلام؛
فقد وردت هذه القصة في الكتاب المقدس في الإصحاح السادس الآيات (5ــ22) من سفر
التكوين: «رأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، (...) فحزن الرب أنه عمل
الإنسان في الأرض، (...) فقال الرب: أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته، (...)
، لأني حزنت أني عملتهم، وأما نوح فوجد نعمة في عيني الرب (...) »، فاستثناه من
ذلك لأنه كان رجلا بارا.
وجاءت أيضا هذه القصة في القرآن الكريم في سور الأعراف
والمؤمنون ونوح وهود، هكذا جاء قول نوح عليه السلام في سورة الشعراء: «قَالَ رَبِّ
إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ، فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحا وَنَجِّنِي
وَمَن مَّعِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ«(17ــ18)، فاستجاب الله له: «فَأَنجَيْنَاهُ
وَمَن مَّعَهُ في الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ، ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ،
إِنَّ في ذَلِكَ لآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ» (119ــ121).
وعن الرياح أيّد الله تعالى سليمان ــ عليه السّلام ــ
بمعجزاتٍ تمثّلت في تسخير الله تعالى الرياح له، تجري كيف يشاء، وتسخير الجنّ له
كذلك؛ حيث كان يكلّفهم بما شاء من الأعمال النافعة، وإسالة النحاس بين يديه يشكّله
ويصنع منه ما ينفع كما جاء في قول الله تعالى: «وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ
غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ
الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ» (سبأ: 12).
وعن الرعد والبرق، فمن أبرز ما جاء في القرآن الكريم قوله
تعالى: «ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد
موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون» (الروم:24)؛ وقوله تعالى: «هو الذي يريكم
البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال، ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته
ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال» (الرعد:
12ــ13).
وأما عن الزلازل فلم يأتِ لها أي وصف في الأديان السماوية
قبل الإسلام، وربما هذا منطقي لأن منطقة الأديان وبالأخص المنطقة العربية ليست
معروفة بأنها مناطق زلازل نشطة، ورغم ذلك نزلت فيها سورة كاملة باسم «الزلزلة»،
ورقمها 99، ولكنها لم تحدثنا عن وصف زلزال وقع بالفعل على الأرض مثل «الطوفان»،
ولكنها جاءت لتصف يوم الآخرة في ثماني آيات، فقال تعالى: «إِذَا زُلزِلَتِ ٱلأَرضُ
زِلزَالَهَا، وَأَخرَجَتِ ٱلأَرضُ أَثقَالَهَا، وَقَالَ ٱلإِنسَٰنُ مَا لَهَا،
يَومَئِذ تُحَدِّثُ أَخبَارَهَا، بِأَنَّ رَبَّكَ أَوحَىٰ لَهَا، يَومَئِذ يَصدُرُ
ٱلنَّاسُ أَشتَاتا لِّيُرَواْ أَعمَٰلَهُم، فَمَن يَعمَل مِثقَالَ ذَرَّةٍ خَيرا
يَرَهُۥ، وَمَن يَعمَل مِثقَالَ ذَرَّة شَرّا يَرَهُۥ».
إذن السورة تُحدثنا فقط عن أوصاف الساعة، وكل ما يحدث
للأرض وما عليها يوم القيامة، وإشارة إلى صدور الناس للجزاء، كما تحكي عن دهشة البشر
في ذلك اليوم، وعن رؤيتهم لصحيفة أعمالهم، وما سُجّل فيها من حسنات أو سيئات.
من هنا نستطيع الجزم بأن كل الآيات والسور في
القرآن الكريم التي تحدثت عن الظواهر الطبيعية التي تسبب كوارث للإنسان هي من باب
العظة والتذكرة بما سيحدث له إذا كفر بربه، ولم يؤمن بملكوته للكون، ولم يعمل على
فعل الخير في الحياة، وبالتالي فإن كوارث الطبيعة التي نراها في الحياة الدنيا والتي
تأتي من وقت لآخر ومن مكان لآخر مثل الزلازل والأعاصير والبراكين... يرسلها لنا
الله ليذكرنا بيوم الحساب الذي لا شك فيه، فقد ولّت عصور الأنبياء والرسل، ولكن
الله ما زال يرسل للإنسان إشارات تنبهه وتدعوه للاستقامة ومراعاته، كما تؤكد له أن
الإنسان ضعيف أمام قدرات الله الكبيرة مهما تقدمت علومه!
من الملاحظ أن الكوارث الطبيعية في هذا العصر شديدة
وقاسية، وآخرها زلزال تركيا وسوريا الذي ربما لم تشهد البشرية مثله من قبل هو نذير
للإنسان على عدم استقامته، وازدواجية معاييره، فهو يثور لاحتلال في الغرب ويدافع
عنه في الشرق، يغضب لقتل أوكراني في أوروبا، ولكنه يحمي إسرائيليين يقتلون
فلسطينيين منذ عشرات السنين..، كما أن فئة من البشر يدمرون نقاء الطبيعة، وآخرون
يدعون إلى إفساد الطبيعة الإنسانية فيعملون على نشر الرذيلة، ويطالبون بتحليل
اللواط والمساحقة..!
فاللهم نسألك العفو والعافية، ونسألك اللطف بنا وبمن
أصابتهم إشاراتك، وأن تقينا عذاب الدنيا والآخرة.
(الشرق المصرية)