صدر حديثاً
كتاب "
تاريخ الكوارث في بيت المقدس: الأوبئة
والزلازل والجراد والقحط والبرد والفيضان"، للمؤرخ المقدسي بشير بركات، قسم
الأبحاث ــ مؤسسة دار الطفل العربي، بيت المقدس، 2023.
توزع الكتاب على تمهيد وخاتمة، إضافة إلى ستة فصول، ويقع في 153 صفحة
من القطع المتوسط.
تناول الكتاب الكوارث التي كانت أكثر انتشاراً في بيت المقدس،
"وهي الأوبئة والزلازل والجراد والقحط والبرد والفيضان. وكانت تلك الكوارث
تُسفر عن مصائب أخرى. فبعد الزلازل كان البعض يهجرون ديارهم بعد دمار منازلهم،
بينما يبدأ آخرون في إزالة الأنقاض وإجراءات الترميم أو في إعادة البناء لسنوات
طويلة".
يستعرض بركات بعض الجوانب الصحية المهمة المتعلقة بالإمراض والأوبئة
المنتشرة في
فلسطين. فـ "انتشرت أوبئة عدة في بيت المقدس عبر العصور".
ومن أهمها الأمراض المُعدية كالطاعون، والملاريا، والسُّل، والجدري، والبرص،
والتيفوئيد، والتيفوس، وأنواع الحمى المختلفة كالحمى المعوية، واللشمانيا (حبة
أريحا)، والديدان المعوية وغيرها، إضافة إلى مرض الثلاسيميا الوراثي.
وباء الطاعون، فقد تكرر حدوثه عبر العصور كافة بسبب الظروف البيئية
والصحية، "انتشر في بيت المقدس وجوارها مرات عدة خلال العهد المملوكي".
في أوائل شهر ذي القعدة [أواسط آيار 1469م]، واشتد أمره وكثر في العشر الثالث من
ذي القعدة إلى آواخر ذي الحجة". وفي
سنة 881هـ/ 1476م، دخل الوباء بالطاعون بيت المقدس في أوائل رجب [آواخر تشرين
الأول 1476م]. واستمر مدة طويلة، ولم يزل الطاعون بالقدس إلى مستهل ربيع الأول سنة
اثنتين وثمانين، وأفنى خلقاً من الشباب والنساء وأهل الذمة، ولم يكن طال ببلدة من
البلاد أكثر من بيت المقدس".
و"في سنة 897هـ/ 1492م، ابتداء الوباء بالطاعون بالقدس الشريف
في عشرين جماد الآخر [18 نيسان 1492م]، واستمر إلى آخر رجب [26 آيار 1492م]،
واستمر الوباء بالقدس في قوته إلى آخر شعبان، وكان ارتفاع الوباء في القدس الشريف
في آواخر شهر شوال". وانتشر الطاعون في بيت المقدس وجوارها مرات عدة خلال
العهد العثماني أيضاً. وتم توثيق ذلك في سجلات المحكمة وبعض كتب التاريخ. "في
سنة 1028هـ/ 1619م وقع طاعون ببيت المقدس الشريف، في أول جمادي الآخرة سنة 1028هـ
[15 آيار 1619م]، وأخذ الأولاد وفتت الأكباد. واستمر ببيت المقدس، ولم يرفع إلى
السادس عشر من شوال من السنة المذكورة".
وفي شعبان 1071هـ/ تيسان 1661م، حدث جوع شديد في تلك السنة في فلسطين
بسبب الجراد، وعقبة وباء عظيم". و"في سنة 1174هـ/ 1760م، دخل الفناء
بلاد الشام، ووصل إلى بيت المقدس". وفي سنتي 1199 ـ 1200هـ/ 1785- 1786م،
انتشر الوباء في مصر، ثم انتقل إلى فلسطين. وفي سنة 1207هـ/ 1793م، عم الطاعون كل
البلاد، من نواحى القدس لقرب حلب". ويقال إن الوباء بالطاعون انتشر بين جنود
نابليون سنة 1213هـ/ 1799م، "خلال حصارهم لميناء عكا". وانتشر طاعون
شديد في الأستانة سنة 1226هـ، أي أوائل سنة 1812م، "وقد انتقل ذاك الوباء
إلى يافا، ثم إلى بيت المقدس، حتى استمر
حتى سنة 1229هـ/ 1814م".
لم يعثر المؤلف على مصدر يشير إلى وجود حجر صحي في بيت المقدس، قبل
حملة إبراهيم باشا على بلاد الشام، عام 1251هـ/ 1835م. "فقد تم إنشاء مقر
للحجر الصحي بجوار كهف الأدْهمية خارج باب العامود". وفي "موقع يشاؤون
بالقرب من السور". وفي عام 1265هـ/ 1849م، تم إنشاء حجر صحي جديد، على
"قطعة أرض بجوار حائط خندق كان محفوراً قرب قلعى باب الخليل، خارج السور".
وفي فترة الاحتلال البريطاني، فقد حدثت بعض الإصابات بالطاعون،
"فقد تم تسجيل إصابة واحدة بالطاعون في بيت المقدس في محرم 1342هـ/ أيلول
1923م. ومن جهى أخرى، ظهرت إصابات بطاعون البقر عام 1345هـ/ 1926م، وأنشأت بلدية
القدس مسلخاً جديداً على طريق رام الله، وضم محجراً صحياً للحيوانات، عام 1345هـ/
1935م".
أما عن وباء الكوليرا، فيقول بركات: "لا تتوافر معلومات كافية
عن تاريخ انتشاره في بيت المقدس، ربما لعدم قدرة الأطباء على تشخيصه في هذه الديار
قبل القرن الثالث عشر الهجري". وانتشر الوباء في القدس و"بلغ عدد
الوفيات به خمسة عشر شخصاً كل يوم". و"انتشر وباء الكوليرا في حارة
اليهود في القدس في صفر 1253هـ/ 1837م، مما أدى إلى وفاة حوالي مائتي شخص". و"ظهر
أيضاً في 29 شوال 1254هـ/ منتصف كانون الثاني 1839م، ثم في شهري جمادى الأول وجمادى الآخرة 1255هـ/ تموز
وآب 1839م، وبقيت القدس تحت الحَجْر، وتوفي في هذا الوباء عدد كبير من
السكان".
وفي سنة 1282هـ/ 1865م، بعد رحيل الجراد عن فلسطين، انتشرت الكوليرا
في فلسطين، "وقدر عدد الضحايا بعشر سكان القدس جلهم من المسلمين واليهود،
إضافة إلى بعض الأرثوذكس واللاتين". و"انتشر وباء الكوليرا في منطقة
القدس ما بين جمادى الآخرة وشوال سنة 1320هـ/ وفق أيلول 1902م، وكانون الثاني سنة
1903م". ثم انتشر في القدس؛ "ففي 1 شعبان 1324هـ/ وفق 2 حزيران 1916،
بلغ عدد المصابين به خمسة أشخاص". و"لم تسجل سوى إصابات ضئيلة بالكوليرا
في القدس خلال الاحتلال البريطاني والعهد الأردني".
وباء الملاريا.. "تفتقر المصادر العربية إلى توثيق انتشار هذا
المرض في فلسطين". وينقل بركات عن المصادر الغربية القول: "إن وباء
الملاريا ظهر في بيت المقدس سنة 1302هـ/ 1884م". وجاء في تقرير "الجمعية
الألمانية لمكافحة الملاريا في القدس"، عام 1912م، أن سبب انتشار الملاريا في
القدس ، هو، "انتشار القاذورات في مختلف أحياء المدينة". وأضافت بعض المصادر
الغربية "أن الملاريا ظهرت في القدس تارة أخرى خلال صيف سنة 1916م، أي أواخر
سنة 1334هـ".
إذا كان السكان يعانون بشدة من القحط، فإن كثرة الأمطار والثلوج كانت تلحق بهم أضراراً موجعة أيضاً، حيث لم تتوافر لديهم وسائل لائقة للحماية من البرد الشديد،وما يتبعه من أمراض وجوع. "وكان من بين الفصول شديدة البرودة، شتاء عام 899هـ/ 1393 ـ 1394م، حيث هطلت كميات هائلة من المطر، واشتد البرد أكثر من المعتاد، وتساقطت ثلوج كبيرة في مختلف أنحاء الشام".
انتشر مرض الجذام، في عدة أماكن من فلسطين، وكان المجذومون يقيمون في
أماكن محددة، فعلى سبيل المثال سمحت السلطات العثمانية بإقامتهم في حارة داخل
أسوار القدس سُميت "حارة المبرصين"، أو "ساحة المساكين".
أما بالنسبة للزلازل فقد
"تعرضت مدينة بيت المقدس وجوارها لزلازل عدة عبر التاريخ، وقيل إن عددها
تجاوز ستة آلاف زلزلة في المدة (1606 ق.م ـ 1842م)". أوردت المصادر العديد من
الزلازل القوية في العهد الإسلامي،
"والتي أدت إلى هدم الكثير من البيوت وخراب في المساجد وخاصة المسجد الأقصى،
والذي تم ترميمه إثرها في العهدين العباسي والفاطمي، وكذلك كنيسة القيامة. وخلفت
تلك الزلازل عشرات الآلاف من القتلى. وكذلك الحال في العصور الصليبية والأيوبية
والمملوكية والعثمانية. كما وقعت زلازل وهزات أرضية أخرى أقل أهمية في فلسطين في أعوام
1930م، و1937م، و1954م، وكذلك في أعوام 2004، و2011م، و2012م.
الجراد.. "ابتليت فلسطين في مواسم عدة بأسراب من الجراد الذي كان
يجتاحها قادماً من نجد وأحياناً السودان، أو العراق، وخاصة في شهري آذار
ونيسان". و"كان الجراد يصل إلى فلسطين في سنوات متباعدة غير متسلسلة،
ويصعب ربطها بتغيرات مناخية أو بيئية". ومما وصلنا منها موجة عام 1343م،
و1484م، و1746م، و1797م، و1865م، و1915م، ولعل أفظع موجات الجراد الكبرى كانت موجة
1915م، والتي قضت على معظم المزروعات في فلسطين.
القحط.. أشارت مصادر عدة إلى معاناة أهل القدس من انحباس مياه الأمطار
عبر التاريخ، وما كان ينتج عنه من شدائد، كالمجاعات والأوبئة. ويعد انقطاع مياه
قناة السيل عن بيت المقدس في سنة معينة مؤشراً ثانوياً على وجود قحط في تلك السنة.
وكان أهل المدينة يلجأون إلى صلاة الاستسقاء كلما انحبست عنهم الأمطار".
إذا كان السكان يعانون بشدة من القحط، فإن كثرة الأمطار والثلوج كانت
تلحق بهم أضراراً موجعة أيضاً، حيث لم تتوافر لديهم وسائل لائقة للحماية من البرد
الشديد،وما يتبعه من أمراض وجوع. "وكان من بين الفصول شديدة البرودة، شتاء
عام 899هـ/ 1393 ـ 1394م، حيث هطلت كميات هائلة من المطر، واشتد البرد أكثر من
المعتاد، وتساقطت ثلوج كبيرة في مختلف أنحاء الشام".
وأخيرًا، هذا الكتاب توثيق دقيق للكوارث التي حدثت في مدينة القدس،
والتي تناثرت أخبارها في بعض المطبوعات والمخطوطات وسجلات محكمة القدس الشرعية،
وجمعها المؤرخ المقدسي بشير بركات، وقدمها في هذا الكتاب.