برنامج «
تشات جي.بي.تي» للدردشة رائع، لكن في ماذا يستخدم؟ هذا هو السؤال الذي سأطرحه إذا كنت مسؤولاً تنفيذياً في أحد
البنوك. وطبعاً سأسأل عن مخاطر استخدامه. هناك حماس شديد لهذه اللعبة الجديدة البراقة، لكن ما تفعله بشكل أساسي هو إنتاج محتوى مستقى من المعلومات التي جمعها من الإنترنت. وما يجعله ذكياً، في رأيي، هو قدرته على إنتاج لغة تبدو وكأنها صوت مقنع، وليس فحوى ما يخبرك به. فلماذا تحظره البنوك داخل أعمالها؟ الإجابة تكمن في الأمور التي قد يستخدمه المصرفيون فيها. وانضم «بنك أوف أميركا» و«جولدمان ساكس» إلى «جيه.بي. مورجان» في إخبار الموظفين أنه لا يتعين عليهم استخدامه لأغراض الأعمال الاقتصادية.
وقد تكون هذه الأغراض الاقتصادية إنشاء مسودة لوثيقة أو تقرير بحثي، تماماً كما جرب الناس كتابة أجزاء من الأوراق الأكاديمية أو البيانات الصحفية أو حتى روايات كاملة. وربما يعتقد كبار المصرفيين أن صغارهم سيصبحون كسالى. وعلى الأرجح، فإن إدارات الالتزام بالقواعد قلقة من المخاطر التي ينطوي عليها البرنامج، خاصة بعد فرض الجهات التنظيمية غرامات لاستخدام المصرفيين لتطبيق واتس آب. فقد تبين أن برنامج «تشات جي.بي.تي» ونماذج اللغة الكبيرة الأخرى ترتكب أخطاء وتفهم الأشياء بشكل خاطئ، أو حتى تهلوس وتختلق مجالات لا وجود لها في البحث العلمي، على سبيل المثال. وإذا تبين أن تقريراً بحثياً لمحللي جانب البيع لديه تطورات مسوغة في القطاع، لكنها رائعة تماماً، تهدد أو تفيد شركة مدرجة، أفترض أن ذلك سيبدو سيئاً.
وأيضاً، ومع تجول البرنامج حول الإنترنت لاستقاء المعلومات، هناك خطر في أن ينتهي به الأمر إلى سرقة عمل شخص آخر. ومرة أخرى، إذا كنت بنكاً، أو أي نشاط تجاري يركز على المعلومات حيث تكون السمعة والثقة مهمة، فلن يكون هذا جيداً. ويمكن أيضاً استخدام البرنامج لكتابة رمز برمجة. ولذا ستكون البنوك حمقاء، إذا سمحت به بالقرب بحال من الأحوال من رموزها البرمجية. صحيح أنه ستكون هناك عقبات على أي حال أمام البرنامج لتعلم لغات رموز برامج البنوك؛ لأن أجزاء كبيرة من أنظمتها مبنية على لغات تشفير خاصة. لكن منظمي البنوك والعملاء قدرتهم منخفضة للغاية على تحمل الفشل في الأنظمة المصرفية. فيجب تأكيد الصفقات وتسويتها، ويجب إجراء مدفوعات وتحتاج الشركات والأفراد إلى إمكانية الحصول على أموالهم. ويجب أن تكون البنوك متأكدة تماماً من أن أي شيء يحدث على أجهزتها للكمبيوتر يمكن الاعتماد عليه، وأنهم يفهمون بالضبط ما يفعله.
لكن لنعد إلى مسألة المحتوى. فنقطة القوة الرئيسية للمتداولين والمصرفيين الاستثماريين ومحللي الأبحاث هي محتواهم الفكري. وتدفع الشركات لهؤلاء مبالغ كبيرة لتقديم المشورة بشأن عمليات الاستحواذ أو زيادة رأس المال لأنهم يعرفون أشياء عن الشركات المنافسة والرغبة في المخاطرة في الأسواق. ولأسباب مماثلة، يدفع المستثمرون للبنوك لشراء الأصول وبيعها، أو للمساعدة في تصميم صفقات مشتقات حسب الطلب، ذات مدفوعات كبيرة. فهل يريد المرء دفع كثير من المال إذا كان يعتقد أن روبوتاً يجول على الإنترنت يمكنه أن يكتب العرض التقديمي لعمله؟ أنا أبالغ نوعاً ما بالطبع. لكن عرض المحتوى هو مجرد عرض، وليس معرفة أو مهارة أو رصيد فكري وراء «المحتوى». وتنتج البنوك، مثل معظم الشركات، قدراً هائلاً من الرسائل الاقتحامية، مثل المواد التسويقية التي لا تتوقف والإصدارات والكتيبات لإقناع الناس بأن خدماتهم جيدة، بل يجب أن أقول «استثنائية!»
ويجب أن نتندر على معظم هذا. لكن في الوقت نفسه، بالنسبة لأي شركة فهذا مفيد بشكل أساسي، هناك قدرة فكرية حقيقية وراء هذا الضجيج الهائل. وقد يصبح برنامج «تشات جي.بي.تي» قادراً على إنتاج كتيب جميل ومقنع تماماً عن المنازل الجديدة، لكنني متأكد تماماً من أنه لا يمكنه أيضاً بناؤها وتشطيبها وتنسيقها وتأثيثها، على الأقل ليس الآن.
(الاتحاد الإماراتية)