الزلازل تتابع مسيرها وخط سيرها دون توقف، لا هي ولا
تبعاتها، في سوريا وتركيا. والحديث هنا ليس عن حجم الدمار والصورة القاتمة التي
تتركها كلما صارت أحداثها، هو الحديث عن الذي ينبغي أن يكون كنتيجة لها، فالمعروف
أنها ليس عملا عاديا في الحياة، بمعنى أنها وأمثالها من
الكوارث والمصائب في الحياة
تتطلب المراجعة للذات، مهما كان انشغال هذه الذات البشرية بطبيعة الحياة المعاشة.
بعد النوم، في العادة يوجد يقظة وصحو، وبعد الليل هناك
نهار، إذن لماذا أوضاع الأمة
العربية والإسلامية في تشتت وفرقة وعدم انسجام، والكل
يغني على ليلاه؟ الكل في بلاد العروبة والإسلام النبيل فردي لا جماعي حتى في
المصائب الكبرى؟ الفردية كسلوك باقية والمحزن أنها تتمدد رغم الزلازل وغيرها
الكثير من المشاهد الصعبة المؤلمة، لماذا؟ لا أحد يعرف السبب، هل هي تلك القوى الأجنبية
صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في عالم اليوم؟ هل هي اليد الصهيونية الغاشمة؟ هل هو
طبع تجذر من أدنى هرم الحياة إلى أعلاها تنظيما وقيادة في بلاد العروبة والعرب؟
المصلحة الفردية والسلوك الفردي والتفكير والتصرف
الفردي كله نفس المعنى والدلالة. الفردية مسيطرة أنا.. أنا، لا أحد يحب المشورة ولا
النصيحة، الكل خائف من أخيه من صديقه العربي المسلم، نفس اللغة ونفس الدين
والعقيدة والخوف يملأ القلوب عدم الثقة متغلغلا.. ياه ما هذا، من ساهم في زراعة هذا
السلوك؟ هل هو الاستعمار في الزمن الماضي القريب؟ هل هي العولمة والحداثة والحضارة
العالمية الجديدة؟ حتى في الأحداث الكبيرة تستمر الفرقة والفردية القلوب متباعدة
والإحساس، والشعور غائب إلا من كلمات لرفع العتب والمنظرة والتباهي في ما يعرف
اليوم بوسائل التواصل الاجتماعي، التي صارت بديلا عن غرفة الجلوس والقعدة للعيلة للأقارب
لأبناء الحي الواحد، اختلفت الحياة، تبدلت اتجاهاتها، والكل ثقته بالقريب بالأخ صفر.
إذا كانت الزلازل واحتلال فلسطين والفقر والبطالة
والتشرد والضياع وآفات المسكرات والمخدرات وغيرها الكثير من المخفي، في طيات الحياة
العربية اليوم، لا توحد القلوب والشعور لأجل إيجاد الحل فمن سيوحدها؟ ربما على الناس
الطيبة الانتظار حتى ظهور المهدي المنتظر.
الوضع في بلاد العروبة والإسلام اليوم يشرح عن نفسه
بنفسه، فلا عبرة بالمؤتمرات ولا بالندوات ولا بالشعارات الرنانة من هنا وهناك.
صندوق النقد الدولي وغيره من جمعيات عالم اليوم المتحضرة حسب الوصف السائد والشك
في محله، بالنسبة لوضعها وجوهرها هي المتربعة على أعلى معدل الشعور والرضى في بلاد
العروبة، إرضاؤها غاية سامية يتم التسابق إلى هذه الخطوة من المسؤولين وصناع القرار
العربي؟ هي الملاذ الآمن، لكن عند الشدة عند المخاض الصعب مثلها ومثل الدول الأجنبية
لا ينقذ ولا يهتم إلا بنفسه وذاته، تجارب الماضي القريب منذ سنين قريبة تثبت ذلك. إذن
والوضع صعب مثقل بالهموم في داخل الجسد العربي، يُطرح السؤال: متى تتم
الوحدة وحدة
القلوب بصورة فعلية؟
الفردية تقود إلى العشوائية، والعشوائية تقود إلى الاضمحلال والضعف الكبير الذي ينتظره كل طامع، فبلاد العروبة حبلى بالثروات الطبيعية
وبنعم الله تعالى الهائلة، لكن الرشيد هنا في بلاد العروبة والإسلام النبيل غائب
أو مغيب بفعل الفردية نفسها، بفعل عدم الثقة، مع أن اللغة والدين والإحساس والشعور
يفترض أنه واحد.. يفترض.
في قصة المهاجرين والأنصار أفضل عبرة وحكمة وعظة، لكن
ملتقط الإشارة هنا أيضا غائب عن مسرح الحدث. الفردية هي المسيطرة. ضاعت فلسطين
وزادت دموع الأقصى الشريف، ولحقها الكثير في الشام، في العراق، في اليمن، في تركيا، في
الصومال، نوائب مصائب كوارث طبيعية أو أخرى من صنع الإنسان نفسه؛ نتيجة مسار الحياة
العبثي المعاش حاليا.
إذا لم تلتقط الإشارة وتحلل وتفهم بالشكل الصحيح، ما هو
المتوقع ببلاد مثقلة بالديون وبالفقر وبالبطالة وبعدم الإنجاز الحقيقي في أي مجال
حياتي؟ الدليل لا توجد أية دولة عربية في مصاف سلم العالم الأول، كلها إلى الخلف،
حيث الإنجازات هلامية وليست قوية لتصعد إلى الدرجة الممتازة، إنجاز قوي يدعم ويسند
ويقوي، هل حبة الفلافل الكبيرة أو فيلم القبلات والأحضان هو الإبداع؟ هي لحظات
حياتية مؤقتة وتنقضي ويعود درب الحياة إلى ذاته، معاناة وألم وصيحات ونداءات تزيد
لكن الحلول غائبة، وحدها الفردية والعشوائية هما الحاضران في المشهد.
الكوارث والأحداث الكبيرة تصوب الفكر وتجود التفكير، لكن في بلاد العروبة الحال مأساوي يدل على ضعف الإرادة والتفكير والتخطيط الإيجابي
معا. أين هو الرشيد؟ أين هي الشعارات الرنانة للوطن وللإنسان، للبناء وللنهضة
وللتعمير وللإيجابية بشكل عام؟ هي في تلك البلاد الأجنبية، هي في الإنسان الغربي.
الإنسان العربي طاقاته مكبوتة، كله ممنوع إلا مما هو مضيعة للوقت واستنزاف للنفس
وللجسد.
وضع حياتي مؤلم تعيشه العروبة اليوم، يتجه بها إلى دائرة
واحدة هي الغابة المظلمة، لكن هل هي مستعدة لها لطبيعتها؟ ربما طالما التشبع بطبع
العولمة وفكر العالم الحالي. الموت مع الجماعة رحمة، شعار يسود اليوم، صارت العروبة
عالمية الطبيعة والطبع.
انحسار الإحساس الشعور الدافئ في داخل الجسد العربي
بصورة عامة، يفتح الباب على مصراعيه مشرعا لتلك الأطماع وما أكثرها، ألا يكفي ضياع
فلسطين؟ ربما هو غير كاف، حيث يعاد القول بضرورة التعب والجهد لصنع السلام مع بني صهيون.
سلام مع أصحاب الهيكل؟ مع أعداء المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة؟ مع قطاع الطرق
وسارقي الحلم والأمل؟ لا عجب إذن من حال شاحب مأساوي في ضلوع الإنسان العربي. كل
الأوضاع تجافي الحقيقة وتعاند العقل والمنطق. أين هو الرشيد؟ يستمر البحث عنه
وانتظار موعد القدوم والحضور له.. كم من سنين العمر انقضت ولا زال الإنسان العربي
في وضع الانتظار؟ وضع الانتظار طويل مرهق، بدأ لكن نهايته مفتوحة غير مغلقة، حبلى
هي بالمبني للمجهول.
تبقى إذن علامة الاستفهام والسؤال مشرعة في دنيا
العروبة والعرب.