خلال جلسة بين
مجموعة من الأمنيين
اللبنانيين وبعض الصحفيين، اشتكى رجل أمن كبير من كثرة
الشكاوى والتُهم التي يتلقاها من جانب السفارة الأوكرانية في بيروت، عن قيام
روسيا
بتجنيد المرتزقة اللبنانيين والسوريين من بين المقيمين في لبنان، للقتال ضد
أوكرانيا إلى جانب الجيش الروسي.
سأل رجل الأمن
ضيفه الأوكراني عن المقابل الذي يقدّمه الروس من أجل إقناع المقاتلين المفترضين
بذلك؟ فردّ الجانب الأوكراني: "المقابل هو خمسة آلاف دولار شهريا".
ضحك رجل الأمن،
وقال لمحدّثه الأوكراني: "هل يضمّوني إلى صفوفهم؟".
هذه القصة تختصر
عمق الأزمة التي وصلت إليها الحرب في أوكرانيا، وقدرتها على اختراق رقعة المساحة
الأوكرانية للتغلغل في صلب أزمات منطقتها العربية ومعاناة ساكنيها.
أوكرانيا تجنّد
لبنانيين وسوريين؟
مقابل تلك التهم
الأوكرانية، ثمة روايات أخرى روسية تتحدث عن
تجنيد لبنانيين وسوريين من ذوي الخبرة
القتالية، من أجل نقلهم أيضا إلى أوكرانيا بغية القتال ضد الروس.
مصادر شديدة
الاطلاع على هذا الملف، كشفت أنّها استطاعت تحديد ثلاث شخصيات في لبنان تقوم بهذه
الأعمال، هي:
- شخص أوكراني مقرّب من السفارة الأوكرانية في بيروت، وهو على علاقة برابطة بالمتخرجين
اللبنانيين في أوكرانيا، يقوم بدور وسيط بين السفارة ومقاتلين لبنانيين وآخرين
سوريين.
- شخص من أصول
لبنانية تصفه المصادر بأنه "من ذوي النشاطات الإرهابية"، وله علاقات بأجهزة
استخباراتية غربية، ومهمته اختيار المقاتلين في لبنان.
- رجل دين (وهنا
كانت المفاجأة) يدور في فلك "محور الممانعة"، وهو مسؤول عن إيصال
المسلحين عبر قناة تمتد من لبنان إلى سوريا ثم إلى تركيا، ومنها إلى اليونان
وصولا إلى أوكرانيا.
المصادر لا تعرف
إن كان رجل الدين المقرّب من حلف "الممانعة"، يتصرّف بدوافع شخصية، أم إنّ للأمر علاقة بالمستجدات التي طرأت على أجندة إيران و"حزب الله"
مؤخرا، لكنّها تفترض أن تكون دوافع التجنيد "مالية بحتة"؛ نظرا للأزمات
الاقتصادية وحاجة الجميع إلى المال "الفريش".
أمّا عن أسباب
لجوء هؤلاء للقتال إلى جانب أوكرانيا، فترى المصادر أنّ كييف تعرضت منذ فترة
لخسائر فادحة على جبهات القتال، فلا تستبعد أن تكون حملات التجنيد هذه، مجرّد
محاولة من أجل "تعويض الخسائر البشرية"، التي تتكبّدها كييف في صفوف
جيشها وصفوف المرتزقة الغربية؛ لأنّها بذلك تكون قادرة على "نسب أي إخفاق
عسكري في الميدان إلى هؤلاء المقاتلين العرب".
"الجيش
الوطني" يدخل على الخط؟
لا تتوقف التُهم
عند هذا الحدّ، بل تتعدى لبنان لتصل إلى سوريا. مصادر واسعة الاطلاع على الملف
السوري، تكشف أيضاً أن "الجيش الوطني السوري" المدعوم من الجانب التركي،
يتحضّر لشن حملات إعلامية واسعة من هذا الباب، وأنّ ممثلين عن "الجيش الوطني
السوري" يبحثون عن الفرصة المناسبة من أجل نشر معلومات تتعلّق بمشاركة
متطوعين مقربين من نظام الأسد في الحرب الأوكرانية، وذلك من منطلق أنّ روسيا، هي
الأخرى، تكبدت خسائر بشرية كبيرة وتضطر إلى اللجوء للمقاتلين العرب من أجل الحصول
على المؤازرة الميدانية.
الجانب الروسي
يضع تلك التهم في إطار "تقويض" مكانة موسكو عند دول الشرق الأوسط والدول
العربية، وذلك من أجل ما تعتبره موسكو "تقليص مستوى التعاون" بينها وبين
دول العالم العربي والإسلامي، الذي أبدى حيادا منذ بداية الحرب في أوكرانيا في 24
شباط/ فبراير 2022 إلى اليوم. كما تؤكد في المقابل عدم وجود أيّ جندي أو مرتزق من
دول الشرق الأوسط، يشارك في مناطق عملياتها العسكرية على الأراضي الأوكرانية،
وتصرّ على أنّ قواتها تتعامل بشكل مستقل مع المهام الموكلة إليها.
الاعتبارات
الإنسانية قبل كل شي
هذا النقاش كلّه
وهذه التُهم، تعيدنا إلى ما كان يدور في الكواليس عن محاولات تقارب بين تركيا
والنظام السوري عبر الوساطة الروسية، فترسم علامات استفهام عن فرص نجاح التقارب
بين الأطراف الثلاثة في ظل هذه الأجواء المشحونة بالتهم.
قبل أيام، كان
النقاش بين الأطراف المذكورة منكبّا على البحث في كيفية جمع الوفود
العسكرية من روسيا وتركيا والنظام السوري هذا الشهر، وذلك تمهيدا لرفع مستوى
التمثيل في الاجتماعات المقبلة لبلوغ مستوى وزراء الخارجية.
لكنّ هذا النقاش
اليوم عاد خطوة إلى الخلف، إن كان بسبب الاتهامات أو بسبب الزلزال الذي أعاد
النقاشات في جميع المواضيع إلى مربّعها الأول. فما بعد الزلزال لن يكون كما قبله،
كما التقارب سيتجمد بلا شكّ على وقع هول الكارثة في تركيا وكذلك في سوريا.
من ثم، فإنّ كل
المواضيع السياسية والعسكرية ستبقى مؤجلة، فيما العنوان "الإنساني"
سيتصدّر كامل المشهد في الأشهر القادمة.
الزلزال صفّر
جميع الأزمات وحيّدها عن الواجهة.