إن تطوير أية لغة أو القضاء على أية لغة في العالم ممكن من الناحية النظرية.. فالعربية قضي عليها في الأندلس بعد سيادة دامت ثمانية قرون والعبرية
بعثت من القبور إلى القصور في فلسطين بفضل إرادة الصهاينة.. ولكن بالنسبة للوضع في
بلاد المغرب العربي أقول: "إن الإنسان بإمكانه إن توفرت لديه الإمكانيات
المادية والإرادة السياسية أن يبني عمارة شاهقة في عدة شهور، ولكنه يستحيل عليه أن
يبني شجرة (مثمرة أو غير مثمرة) في عدة عقود دون توفر مجموعة من الشروط الموضوعية.
وذلك لأن بناء العمارة يخضع للعضلات، ونمو الشجرة يخضع لعدة عوامل
خارجة عن الذات، منها المناخ والتربة، والسقي، والزبر.. وهذا كله غير ممكن في ظل
سيطرة اللغة الفرنسية على ألسنة وعقول، بل ووجدان معظم هؤلاء الذين يطالبون بتطوير
أية لهجة من
اللهجات المحلية والجهوية في البلاد المغربية، وإن توحيد استعمالها
كلغة وطنية، مثل اليهود والألمان أو اليابانيين والأتراك والأكراد وغيرهم كلغة
بديلة للغة العربية السائدة الآن ولو نظريا ودستوريا إلى جانب الفرنسية المفروضة
عمليا في هذه البلدان على الشعب فرضا بالترتيب والترغيب.
ومع هذا أقول بأن ذلك ممكن نظريا، ولكن بشرط أن تتوفّر الإرادة
الجماعية لأغلبية السكان المتعلمين المتوارثين للقراءة والكتابة في المدارس
والكتاتيب القرآنية على امتداد القرون من
الفتح الإسلامي حتى الآن.
وليس من الممكن أن يتخلى هؤلاء السكان المسلمون طواعية عن إسلامهم
الذي اعتنقوه ولسان قرآنهم الذي أحبوه وتعلموه وعلموه ونشروه في البلدان التي
فتحوها واستبدلوه بلسان الرومان الذي وجدوه فيها وتمسكوا بلسانهم العربي الثقافي والحضاري الذي دونوا به وحده تاريخهم
المكتوب ونشروه بين الأمم والشعوب حتى غير المسلمة منها بناء على أن الإسلام هو
دين حرية واختيار وليس دين إكراه وإجبار.
ولذلك ليس من الممكن أن يتخلى المسلمون الصادقون عن لسان القرآن دون
التخلي طواعية عن الإسلام ذاته وتحقيق هذا الهدف من الأعداء الظاهرين أو الباطنيين
غير متاح بغير قوة السلاح..
وهذا تحقق في الأندلس مع المسلمين وما زال يتحقق حتى اليوم في بورما
والصين وبعض البلاد الإسلامية التي يحاول حكامها المشركون وكفارها المندسون أن
يفصلوا أرواح العباد عن أجسادهم وألسنتهم عن قلوبهم وأفكارهم ليعودوا إلى الوضع
الذي كانوا عليه عشية الاحتلال الروماني قبل الفتح الإسلامي.. مثلما عاد الإسبان
إلى صليبيتهم بعد ثمانية قرون، بواسطة محاكم التفتيش الرهيبة.
ليس من الممكن أن يتخلى المسلمون الصادقون عن لسان القرآن دون التخلي طواعية عن الإسلام ذاته وتحقيق هذا الهدف من الأعداء الظاهرين أو الباطنيين غير متاح بغير قوة السلاح..
وهنا نسأل عن هذه اللغة الوطنية (الضرار) المزمع توحيدها من أشتات
اللهجات واللغات المحلية والجهوية التي يتعذر على الناطقين بها التفاهم فيما بينهم
في البلد المغاربي الواحد دون مترجم إلى لسان العباد في المساجد من أقصى البلاد المغربية إلى واحة سيوة على حدود
ليبيا الشرقية.. فالمطلوب بداهة، هو توحيد هذه
اللغات الشفهية المحلية الأضرار قبل
تطويرها وتعليمها وترسيمها في إدارة الامصار.
فما هي اللهجة أو اللغة التي
ستوحّد وتطّور؟ هل هي القبائلية أم الشاوية، أم الميزابية أم التارﭬية أم السوسية أم
الريفية أم الشلحية أم العزابية أم الزناتية أم الشنوية أم السيوية في الواحات
المصرية؟ علما أن الذي يعرف هذه الشفاهيات المحلية لا يتعلمها مدرسيا والذي يجهلها
لا يحتاجها عمليا وعلميا ووطنيا. واللغة بنت الاستعمال والاستعمال ابن الحاجة
والمصلحة والإنسان حيوان ناطق واجتماعي بطبعه ولا يستغني عن غيره .
مع الإشارة إلى أن الناطقين بهذه اللهجات كلها لا يتفاهمون فيما
بينهم (إلا بالعربية العامية على الأقل التي لا يجهلها الأميون منهم في جميع تلك البلدان، لأن اللغة بنت الحاجة
إلى الاستعمال والإنسان حيوان اجتماعي وانتفاعي بامتياز.
ومهما يكن من أمر فأقول بأن ذلك كله (أي التوحيد والترسيم والتعليم
والتعميم) ممكن، ولكن بشرط أن تتوفّر الإرادة الجماعية لأغلبية السكان الذين
عربّهم الإسلام على امتداد الزمان، (كما فصلنا ذلك في مقال سابق عن اللغة الأم
والهوية الثقافية المكتسبة إراديا) وجاهدوا منذ طارق تحت لواء القرآن عقيدة ولسانا،
فليس من الممكن أن يلغوا هويتهم الثقافية والحضارية الحالية طواعية (دون إكراه كما
فعل الاسبان مع أجدادهم السابقين)، ويعودون إلى الوضع الذي كانوا عليه عشية
الاحتلال الروماني.. مثلما عاد الإسبان إلى صليبيتهم بعد ثمانية قرون، كما قلنا
وهذا لا يتم إلا بمحاكم التفتيش والإجبار بالانقلاب وليس بالانتخاب والاختيار الحر
مثلما وقع لبلداننا المغاربية مع تقرير المصير واختيار الانفصال والاستقلال عن حكم
الكفار بالكفاح وبذل ملايين الأرواح عن طيب خاطر وسبق إصرار.
فهكذا نرى أن موضوع التطوير هذا، من الناحية العملية الاختيارية
الطوعية الجماعية أو حتى الأغلبية هو مستحيل التحقق، مع الاحتفاظ بوحدة الشعب، ووحدة الدولة (على اعتبار إلاّ
وحدة وطنية دون وحدة لغوية جامعة لتواصل مواطني الدولة الواحدة فيما بينهم مثل
التعامل بالعملة الوطنية السائدة.)
واحترام الدستور الوطني الحالي الذي يعتبر اللغة العربية هي اللغة
الوطنية والرسمية كذلك حتى في الدستور المعدل الذي رسم تلك اللغات الشفهية بهدف
الوصول بها إلى التوحيد والإجماع على استعمالها مغاربيا مثل العربية والفرنسية
حاليا وهو مالا يتحقق للأسباب التالية :
أولا ـ إن الدعاة إلى هذا التطوير هم كلّهم من المدرسة الجهوية، والشيوعية،
والفرنكفونية والصهيونية المتحالفة معها وهم لا يتجاوبون مع أية لغة أو لهجة أخرى
غير اللغة الفرنسية وحدها، والتي لا يعرفون غيرها ولا يستعملون سواها (في الغالب).
ولن تقبل لهم فرنسا ذاتها أن يطوروا هذه اللغة، الضرار أو حتى إحدى لهجاتها التي
تتعهّدها الأكادمية البربرية في باريس، بتزويدها بالمفردات منذ خمسين سنة، وإحلالها
محل المفردات العربية التي كانت مستعملة في هذه اللهجة منذ قرون "كصباح الخير
أو مساء الخير" الذي أصبح "أزول" والشعب الذي أصبح "أﭬذوذ"
والشهيد "أمْغْرَاسْ"والوطني "أَغناو" والوزير
"أنغلاف" والرئيس "أسلواي" والسياسة "ثاتسرثيث"
والحزب "أكاﭬار" إلى غير ذلك من مئات المفردات التي تستحدث في المخابر لهذا الغرض مثل ما فعل شاه إيران
الهالك وأتاتورك قبل ذلك مع العلم أن فرنسا لن تقبل لهم الذهاب بعيدا في ذلك إلا
بالقدر الذي ينفّر بعض أبناء الوطن من اللغة العربية (لغة الإسلام وعملة الأمة المحمدية
في كل مكان على امتداد اللسان والآذان)، ويكرّههم فيها وينفرهم منها ويبعث فيهم روح الانتماء إلى هوية مغايرة لهوية
الشعب المغاربي الحالي الموحد نظريا ودستوريا في غالبيته العظمى إلى حد الآن !!
وليس من أجل الوصول بهم ولا بها إلى مستوى الاستغناء عن اللغة
الفرنسية بأي حال من الأحوال، لأن خدمة الفرنسية في المغرب العربي، هي محور وهدف كل هذه المخططات والمناورات، التي
تقوم بها الدولة الوصية بوزاراتها
المتتالية التي أنشأتها لخدمة الهوية الوطنية الفرنسية والعقيدة الفرانكفونية منذ
ما يقارب النصف قرن!.
وليس صدفة أن تكون وزيرة الفرانكفونية في إحدى الحكومات الفرنسية
السابقة هي من أصل مغاربي؛ وقد زارت بلادها الأصلية لهذا الغرض عدة مرات ولم تحضر
معها أي مترجم بطبيعة الحال !!
ثانيا ـ إن أية لغة كي تنتشر وتطّور يجب أن يكون الناس محتاجين إليها
بأي دافع من الدوافع، وبكيفية جماعية وليست فردية، واللهجات البربرية الحالية، (حتى
لو افترضنا أنها واحدة، وموّحدة الاستعمال داخل الوطن المغاربي الواحد) فإن الذي
لا يعرفها من أغلبية أبناء الوطن لا يوجد ما يرغبه في تعلمها، والذين يعرفونها
محليا لا يحتاجون إليها على الصعيد الوطني والمغاربي (فضلا عن الدولي)، وذلك
لكونها لغة أقلية فرنكوفونية أصلا (كما يعترف رئيس حكومتهم بذلك صراحة منذ أيام في
باريس)، وليست بالتالي لغة التعامل الدارج والغالب بين جميع المغاربيين في المدرسة
والجامع والبيت والمعمل والشارع، كما هو الشأن بالنسبة للعربية، حيث تمثل بحق (مثل
الفرنسية في فرنسا)، عملة التواصل الوطني والإقليمي والقاري والجغرافي والتاريخي
والديني والوطن بدون منازع.
ثالثا ـ إذا افترضنا أن هذا التوحيد ممكن نظريا، لتصبح البربرية مثل
اللغة الفرنسية في فرنسا الحالية مثلا..فهل سيتم ذلك بالاختيار الديمقراطي الحر لكافة الجزائريين، مثلما
تم الاستفتاء على تقرير المصير للشعب الجزائري الموحد سنة 1962...؟ أم سيتم بالإجبار؟
اللهجات البربرية الحالية، (حتى لو افترضنا أنها واحدة، وموّحدة الاستعمال داخل الوطن المغاربي الواحد) فإن الذي لا يعرفها من أغلبية أبناء الوطن لا يوجد ما يرغبه في تعلمها، والذين يعرفونها محليا لا يحتاجون إليها على الصعيد الوطني والمغاربي (فضلا عن الدولي)
و في كلتا الحالتين، ستكون النتيجة سلبية بالنسبة للغة الجديدة
المزمع ترسيمها وتوحيدها وتعميمها، حيث إنها في حالة الإجبار (أي فرض استعمال
اللغة الفرنسية بالقوة) ستكون النتيجة لصالح الفرنسية، مثلما هو حاصل الآن
ومنذ سنة 1830، وفي حالة الاختيار الديمقراطي الحر، مثلما
فعل جورج واسنطن بإجراء الاستفتاء العام
للشعب الأمريكي. على اللغة الوطنية والرسمية بين اللغة الإنجليزية والإسبانية والألمانية
وقد نجحت الإنجليزية على رأس اللغات الثلاث لتتوج كلغة رسمية ووطنية لدولة الولا
يات المتحدة الأمريكية. ولولا هذا الإجراء الاحترازي لتفادي التشتت والتقزم
والانكسار والاندثار الحتمي ما كانت هذه الدولة أن توجد كما هي عليه الآن بهذه
القوة والثراء والهيمنة على العالم ولم تكن شيئا مذكورا بين الأمم قبل قرنين من
الزمان لتبز امبراطوريات كبرى كبريطانيا وفرنسا.
وهذا إدراكا من جورج واشنطن السياسي الوطني المحنك إلى الوحدة الوطنية
والترابية والشعبية دون تحقيق وحدة التقارب والتفاهم بين الناس في الوطن الواحد
بوحدة اللسان المختار مثل العلم والعملة وجيش الدفاع والرئيس المنتخب بالأغلبية أو
بالإجماع. فلولا ذلك الإجراء الدستوري إذن لما كانت امريكا
موجودة على ماهي عليه الآن.
قلت لو يتم الاستفتاء المماثل على إحدى اللغات المدسترة في البلاد
المغاربية. (مثل أمريكا) فستكون النتيجة ساحقة لصالح العربية، كما عودتنا الشعوب
على ذلك دائما، عندما تترك حرة في الصناديق لتقرير مصيرها بنفسها.. ونتحدى كل
أعداء وحدتنا في الخارج والداخل من الفاعلين ومن نواب الفاعل، أن يقبلوا
بالاستفتاء على الثوابت الوطنية للهوية المحمدية دينا ولسانا كما جاهد من أجلها
أسلافنا عبر القرون لأنهم يعرفون النتيجة مسبقا ولذلك يرفضون.
وإذا اعتبرنا أن هذه اللغة الجديدة المرسمة في الدستور المغربي
والجزائري الأخير قد تجاوزت عائق إجماع الأغلبية، مثل الفرنسية في فرنسا كما قلنا
(علما أن في فرنسا الآن 10 لغات محلية وجهوية غير مرسمىة) فإن أول من سيحاربها بشراسة هي الدولة ذاتها..
ومن يشك في ذلك فليبحث عن سبب الرفض القاطع لتطبيق الدساتير الوطنية للبلاد
المغاربية في مادة اللغة الوطنية في التعليم والإدارة المحلية، ورفضها القاطع
لتعريب العلوم والطب والهندسة في الجامعات الوطنية.. رغم أن هذه اللغة كانت وما
تزال هي اللغة الوطنية والرسمية في جميع الدساتير الوطنية في الدول المغاربية،
ورغم أنها زميلة للغة الفرنسية ذاتها في الأمم المتحدة وهيئاتها الرسمية، وأنها
أرقى حضاريا،وأوسع انتشارا منها في العالم!
حيث أن اللغة العربية مرتبة الرابعة عالميا بينما الفرنسية في
المرتبة التاسعة، ومع ذلك تحاربها فرنسا في هذه البلاد لمنافستها وإعاقتها على
استمرار هيمنتها على القارة السمراء، ولكونها ستمكن بلاد المغرب العربي من تحقيق
استقلالها الفعلي والسيادي عنها مثل كل الدول المستقلة في العالم.
فرغم أن العربية في بلداننا تتوفر على صفة الإجماع وصفة الارتباط
بالكتاب المقدس (القرآن الكريم) ومع ذلك تتعثر أمام الصرار الفرنسي، فما
بالكم بتوحيد وتطوير لغة لم يستطع دعاتها
أن يوجدوا لها حروفا موحدة لتكتب بها ولن يتفقوا عليها أبدًا، داخل البلد الواحد
بالتوافق أو الإجماع الاختياري فضلا عن البلدان المغاربية الأخرى، منفردة أو
مجتمعة!!.
ومن ثمة، فإن الإجماع على تطوير وتوحيد البربرية المعيارية غير وارد
على الإطلاق إلا بالبلقنة والصربنة والسودنة، وهذا عمل لا يتم إلا على حساب وحدة
الشعب الذي قرر مصيره سنة 1962".. وهذا التمزيق للوحدة الوطنية سيكون لصالح
الأمة الفرنسية وحدها وهي محقة في الدفاع عن مصلحتها الوطنية وراء البحار ولو كنت
مكانها لفعلت ربما مثلها أن وجدت الطريق معبدا أمامها واللوم على بعضنا وليس عليها!..
رابعا ـ إن أغلبية الشعوب المغاربية من موريتانيا إلى جمهورية مصر
العربية التي كانت قبل إسلامها قبطية وذات حضارة راقية ولغة وتراث مكتوب بها منذ
آلاف السنين لا يرضون بديلا عن العربية لأسباب كثيرة (وطنية ودينية )، وهم غير
متجاوبين قط مع الدعوة إلى اصطناع أي وضع لساني جديد في البلاد المغاربية. أما بعض الأقلية الإديولوجية
من تلامذة الأكاديمية البربرية، فهم يدّعون (ظاهريا) لتطوير وترسيم (البربرنسية)،
ولكنهم في قرارة أنفسهم، وفي حقيقة أمرهم، لا يفعلون ذلك إلا نكاية في اللغة
العربية، و لحساب اللغة الفرنسية وحدها دون غيرها ، في الإدارة والمدرسة والجامعة
والصحافة والثقافة والشارع!!
بدليل أن أحد أقطاب هذا الاتجاه. قال بأنه لو تم التنصيص على توطين
وترسيم اللغة الفرنسية في الدستور الوطني بعد الاستقلال مثل مالي والنيجر والسنغال،
لما طرح موضوع ترسيم (تامازيغت.) على الاطلاق !؟ وهو صادق في قوله ويشكر على صراحته
وعدم نفاقه.. ونعتقد أن كفر أبي لهب عم
الرسول (ص) أقل خطرا على الإسلام في
اعتقادنا من رأس النفاق عبد الله بن سلول..
لو يتم الاستفتاء المماثل على إحدى اللغات المدسترة في البلاد المغاربية. (مثل أمريكا) فستكون النتيجة ساحقة لصالح العربية، كما عودتنا الشعوب على ذلك دائما، عندما تترك حرة في الصناديق لتقرير مصيرها بنفسها..
خامسا ـ وحتى لو افترضنا أن بعض المتحمّسين لترسيم وتوحيد وتطوير هذه
الأمازيغية أو إحدى لهجاتها (كالقبائلية أو التارقية أو الشلحية مثلا) وترقيتها كما يرغبون صادقين
في نيتهم فعلاً!! فإنهم إذا لم يستقلوا عن الفرنسية، لا يتطوّرون ولا يتقدّمون،
وإذا حاولوا أن يستقلّوا عنها، فستحاربهم فرنسا ذاتها، مثلما حاربت وتحارب استقلال
علال الفاسي أو الشاذلي بن جديد واليمين
زروال بالعربية عن الفرنسية.. منذ أكثر من نصف قرن (انظر كتابنا التعريب بين
المبدأ والتطبيق)، وانظر قانون اللغة العربية، ومرسوم تجميده بعد الانقلاب على الإرادة
الشعبية في الجزائر سنة 1992. من أجله بالذات كما تبين ذلك لاحقا وإلى الآن.
وذلك، لأن أية لغة إذا كانت لا تستعمل في الحياة العلمية والعملية هي
آيلة إلى الجمود والزوال، هذا إن كانت موجودة، ولا يكتب لها الظهور فضلا عن التطور
والرقي إن كانت مفقودة، وهذا الكلام ينطبق على أية لغة في العالم، باستثناء تلك
التي تكون مرتبطة بكتاب مقدّس، أو أجمع كلّ أو جلّ الشعب المتحدّث بها على ذلك،
مثل العرب واليهود في الحالة الأولى (المذكورة آنفا)، أو البلغار والفيتناميين
واليابانيين والكوريين والألمان والأنجليز والفرنسيين والأتراك والايرانيين في الحالة الثانية..
ولكن البربرنسية (كما هي عليه الان) لا تتوفّر على أية صفة من
الصفتين المذكورتين (في الحالة الأولى أو الحالة الثانية).
وإذا افترضنا أن هذه اللغة تجاوزت العائق الثاني (عائق إجماع
الأغلبية)، وأصرّوا على أن تكون
هي لغة المغاربيين في كل شيء، مثل الفرنسية في فرنسا... فإن أول
من سيحاربهم هي فرنسا ذاتها، التي تشجعهم
اليوم للأهداف المعروفة والمكشوفةكما أوضحنا. ونحن نتفهم دوافعها المصلحية في
حربها التنافسية. مع اللغات الحية الاخرى
والبقاء للاقوى وليس للإصلح في هذا المجال بالذات الذي تبرر فيه الغاية كل وسيلة
أو حيلة!؟
رغم أن هذه اللغة كانت منذ أكثر من خمسين سنة هي اللغة الوطنية
والرسمية الوحيدة في الدساتير الوطنية في
البلاد المغاربية كلها ، ورغم أنها زميلة للغة الفرنسية في الأمم المتحدة وهيئاتها
الرسمية، وأنها أرقى حضاريا،وأوسع انتشارا منها في العالم أجمع كما قلنا!
ومع ذلك تحاربها فرنسا دون هوادة لكونها ستمكن هذه الدول من تحقيق
استقلالها الفعلي( الثقافي والهوياتي ) ككل البلاد الشقيقة الاخرى في المشرق العربي وخاصة سوريا والعراق
قبل تدميرهما وتقسيمهما إلى اشطار ربما لهذا السبب أيضا.
رغم أن اللغة العربية تتوفر على صفة الإجماع وصفة الارتباط بالكتاب
المقدس (الإنجيل والقرآن) حتى في لبنان! ومع ذلك تتعثر أمام الفرنسية، فما بالكم
بتطوّير لغة لم يستطع دعاتها أن يوجدوا لها حتى الآن حروفا موحدة على المستوى الوطني تكتب بها كإيران
أو تركيا والصومال!؟
ومن ثمة، فإن نجاح تطوير اللغة الدستورية الموحدة عمليا وإداريا
وتعليميا في كل ولايات الوطن مثل فرنسا في فرنسا أو ألمانيا أو بريطانيا أو إيطاليا
(بدل اللاتتينية المستبدلة في هذه البلاد منذ أقل من خمسة قرون) "فتحقيق هذا
الهدف غير وارد حسب تجربتي المتواضعة مع هذا الموضوع منذ نصف قرن والتاريخ
المستقبلي بيننا حاضرين أو غائبين في
الظروف الديمقراطية البعيدة عن الإكراه
الذي مارسته إدارة الاحتلال الفرنسي. وما تزال تمارسه وتراهن عليه منذ غزو القارة
من باب الجزائر سنة 1830!!
والوضع اللغوي الحالي من النتائج الحتمية لذلك الغزو الذي لم ينته
بتوقيف الحرب النارية إلا لتغيير السلاح واستراحة المحارب لاستئناف القتال بطرق
أخرى بعد الجلاء من الحقول للتفرغ لاحتلال النفوس والعقول منذ توقيف القتال وبداية
عملية الاستحلال المتواصل منذ الانفصال الجزئي دون قطع الحبل السري حتى الآن!؟