نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، تقريرا عن الانتهاكات التي تمارس بحق الإعلاميين في
مصر.
وقال الموقع؛ إن أي إعلامي قد يسجن، ويمنع من السفر، ويتم التنكيل به، وفصله من وظيفته، لمجرد نشره قصة أو تقريرا يمس السلطات.
وسلط التقرير الضوء على قصة المصورة الصحفية سمية عبد الرحمن، التي فرّت من بلدها تهريبا إلى
السودان، بعد فصلها من عملها، ومنعها من السفر، ومصادرة جوازها.
وغادرت عبد الرحمن تهريبا إلى السودان، ومنها إلى تركيا، قبل أن تستقر أخيرا في ألمانيا، علما أنها خاطرت في حياتها بالتهريب إلى السودان، حيث كان خطر إطلاق النار عليها من قبل حرس الحدود واردا.
وتاليا الترجمة الكاملة للتقرير:
تكاد تكون الحرية الصحفية في مصر هي الأسوأ في العالم. في هذا التقرير سرد لحكاية مصورة صحفية كانت تخشى على حياتها، تمكنت من الهرب والنجاة، وحصلت على اعتراف دولي بجهودها.
توقفت الشاحنة المحطمة عن الحركة في الصحراء، لم يعد بإمكانها المضي قدما، فقد علقت إطاراتها الخلفية في الرمال، وراحت تدور في مكانها. قفز عدد من الرجال الملحفين بالمعاطف من شدة البرد، وحاولوا، ولكن بدون جدوى، إخراجها من الرمال.
لم تكن تلك هي المرة الأولى التي تتعطل فيها الشاحنة، التي علقت في الجزء الشمالي من الحدود المصرية السودانية، ولكن يبدو أن تلك هي المرة الأسوأ على الإطلاق.
وقف ما يقرب من عشرة من الركاب يراقبون ما يجري، وتمر بهم الساعات الواحدة تلو الأخرى. كان من بينهم المصورة الصحفية سمية عبد الرحمن البالغة من العمر ستة وعشرين عاما، التي تلحفت في معطفين، وشال وحجاب، تقي بها نفسها من البرد القارص.
لم تكن تعرف أسماء مرافقيها في السفر، ولا هم كانوا يعرفون اسمها، ولكن كانت لديهم جميعا غاية واحدة، هي الهرب من مصر.
تتذكر سمية الموقف وتقول: "كل ما أذكره هو ألم الانتظار وألم الخوف"، عاد ذلك الألم المبرح يطاردها في نومها على مر الأيام والشهور والسنين التي تلت.
ومضت تقول: "لم أتوقف عن التفكير في مصيرنا لو أن حرس الحدود اكتشف أمرنا. كان يمكن أن نقتل لأن الحرس كانت لديهم تعليمات مباشرة بإطلاق النار. كل ما خطر ببالي حينها أنني لا أريد أن أموت، كنت في تلك اللحظات أتمنى أن يكون الحظ رفيقي".
السيسي والحرب على وسائل الإعلام
تعرف مصر بأن فيها أشد المقاربات سلطوية في التعامل مع حرية الصحافة في العالم، حيث تصنف منظمة "صحفيون بلا حدود" البلد في المرتبة 168 (من بين 180) في قائمتها المخصصة لتقييم حرية الصحافة، وتصف مصر بأنها "واحدة من أكبر السجون في العالم للصحفيين". تم سجن العشرات من الصحفيين، والصحافة المستقلة تحتضر، وتم إغلاق المئات من مواقع الإنترنيت أو بات الوصول إليها متعسرا.
ولدت سمية عبد الرحمن في عام 1996 في محافظة البحيرة المطلة على الساحل الشمالي، كانت وسائل الإعلام حينذاك تتعرض للكبت على يد الرئيس حسني مبارك، الذي ما لبث يحكم البلاد منذ أمد بعيد. في عام 1998، اعتقل والدها، الذي كان يعمل إماما في أحد مساجد الحي، واتهم بالسعي للإطاحة بحكومة مبارك.
تقول سمية: "لم يكن والدي منضما إلى أي من الأحزاب السياسية. ألقي القبض عليه فقط لأنه كان يؤم الناس في الصلاة في عهد مبارك، وكان يحدث الناس في خطبة الجمعة حول أهمية رفض الفساد ومقاومة الظلم".
سُجن والدها سبع سنين أولا في المقر الرئيسي لأمن الدولة، ثم بعد ذلك في سجن الأبعادية في دمنهور. وعن ذلك تقول سمية عبد الرحمن: "كنت صغيرة جدا في ذلك الوقت، ولكني أتذكر أن قوات الأمن كانت تختطفه وتخفيه وتعذبه المرة تلو الأخرى".
فيما بعد، انتقلت العائلة للعيش في القاهرة، وكانوا من بين الملايين التي خرجت للتظاهر في الشوارع في عام 2011. تقول سمية عبد الرحمن التي كانت حينذاك في الرابعة عشرة من عمرها: "مكثنا في ميدان التحرير إلى اليوم الذي تنحى فيه مبارك عن السلطة. كانت تدور نقاشات حول ما إذا كان يتوجب علينا المغادرة أو البقاء في الميدان إلى أن تتحقق جميع مطالب الثورة. كان والدي يؤيد البقاء حتى تتم الاستجابة للمطالب جميعها، وخاصة العدالة للشهداء ولضحايا الثورة.
"أذكر جيدا عندما بُث خطاب الاستقالة في الميدان، كان الجميع يصرخ، ويضحك، ويشعر بالعزة والقوة. أذكر الدموع التي كانت تنهمر من حولي، والناس الذين كان بعضهم يعانق بعضا احتفالا بما جرى."
كما تتذكر فرحة والدها عندما أضرمت النيران بالمقر الرئيسي للأمن الوطني، الذي كانت توجد بداخله الملفات ضد معارضي مبارك. "أتذكر أن والدي بكى، فقد كانت ملفاته داخل ذلك المكان، الذي إليه اختطف وفي داخله سجن وعذب".
لم تعد سمية عبد الرحمن على تواصل مع والدها، الذي أصبح عنيفا بعد إطلاق سراحه. "أخبرتني والدتي أنه قبل إلقاء القبض عليه كان من النوع الودود، ولكنه أصبح شرسا وعنيفا بسبب ما تعرض له من تعذيب عبر السنين. كما أنني رأيت آثار التعذيب على جسد والدي، ومن ذلك علامات تركتها الصدمات الكهربائية على ظهره ورقبته وعلى ساقه".
ثم ما لبثت آمالها في مجتمع حر أن تبددت في عام 2013 عندما أسقط الجيش الرئيس محمد مرسي، أول زعيم في مصر يتم انتخابه ديمقراطيا. وخلال السنين التي مضت منذ أن تولى
السيسي الرئاسة، صفدت وسائل الإعلام المصرية من قبل شركات يملكها جهاز المخابرات المصرية، الذي يتحكم فعليا بجل هذا القطاع.
في عام 2014 بدأت سمية عبد الرحمن الدراسة في جامعة حلوان، جنوب القاهرة، ولكنها كانت تحلم بأن تصبح مصورة صحفية "بسبب الثورة وما شاهدته، ولتوثيق الحقيقة." فما لبثت أن بدأت تتدرب على ذلك في وقت فراغها.
كما كانت ناشطة في العمل الطلابي كجزء من حركة "مقاومة"، للدفاع عن حقوق الطلاب، بما في ذلك أولئك الذين تعرضوا للاعتقال، والمطالبة بالتعليم المجاني وتوفير الكتب الجامعية للدراسة، وكذلك دعم مطالب ثورة يناير، بما في ذلك الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
عملت في البداية مع موقع البوابة الإخباري، ثم في عام 2017 في "فيتو" وهي منصة مؤيدة للحكومة تدار برعاية الأجهزة الأمنية. أرادت سمية عبد الرحمن إعداد تقارير حول انتهاكات حقوق الإنسان، والعنف السياسي، والتدهور الاقتصادي، ولكنها جوبهت بمعارضة من قبل المدراء؛ لأن اهتماماتها كانت تتعارض مع السياسة التحريرية لفيتو. بدلا من ذلك، صارت تقاريرها تظهر في قناة الجزيرة، ولكن دون ذكر اسمها للحفاظ على سلامتها.
وأخيرا، في شهر حزيران/يونيو من عام 2018، استدعيت سمية عبد الرحمن وزميلها المصور الصحفي إسلام جمعة من قبل رئيس قسم التصوير في الصحيفة، الذي فصلهما من العمل دون إبداء أسباب، وسحب منهما بطاقتي الصحافة الخاصتين بهما.
وعند فجر اليوم التالي، ألقت عناصر من وكالة الأمن الوطني القبض على إسلام جمعة في منزله، واختفى لمدة أربعة وأربعين يوما، وعندما عاد للظهور في أواخر شهر آب/أغسطس، كان قد وجه له الاتهام في القضية 441 / 2018، التي يتهم فيها عدد كبير من الصحفيين ومن غيرهم بالانتماء إلى جماعة إرهابية وبالترويج لأخبار كاذبة.
تقول سمية عبد الرحمن: "انتابني وعائلتي شعور بالخوف، وقررنا مغادرة منزلنا. فانتقلنا إلى منزل آخر في مدينة خارج القاهرة."
لا جواز سفر، لا مهرب
بدأت سمية عبد الرحمن بالتقدم للحصول على منح مخصصة للمصورين الصحفيين، وتم قبولها من قبل ماغنام فاونديشن، التي أسسها أعضاء في تجمع ماغنام فاونديشن الراقي، بالتعاون مع آفاق فاونديشن التابعة لوزارة الثقافة والفنون في بيروت.
أرادت أن تركز على قضية ختان الإناث في مصر، الذي كانت هي نفسها من ضحاياه عندما كانت في العاشرة من عمرها. يوجد لدى مصر واحدة من أعلى معدلات ختان الإناث في العالم. ففي تقرير صادر عن المسح العائلي المصري في 2021، ورد النص على أن 86 بالمائة من النساء المتزوجات ما بين سن 15 وسن 49 تعرضن للختان.
في أواخر شهر آب/أغسطس من عام 2019، توجهت سمية عبد الرحمن إلى مطار القاهرة الدولي، لكي تطير إلى بيروت للمشاركة في ورشة عمل تستمر لمدة أسبوع، كجزء من المنحة التي حصلت عليها.
وهناك أوقفت، واعتقلت لسبع ساعات، تم خلالها التحقيق معها. في نهاية المطاف سمح لها بالمغادرة، ولكن صودر جواز سفرها. استغرقها استصدار جواز سفر بديل ثلاثة شهور، ولكن حتى هذا تمت مصادرته منها، فظلت فعليا حبيسة في مصر.
صارت خطة سمية عبد الرحمن الآن البقاء بعيدا عن الصحافة والسياسة إلى أن تتمكن من الهرب من مصر. "لو بقيت في مصر لفقدت شغفي بالعمل الذي أقوم به، وهو كل ما يعني لي في حياتي وأحبه كثيرا، أو لكنت سُجنت. في تلك الفترة كنت في عداد الأموات".
نأت بنفسها عن الأضواء، وغيرت رقم هاتفها، ورفضت نشر أي شيء، حتى عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حول الشؤون السياسية. بل وحتى انتقلت إلى مرسى علم، وهو منتجع على ساحل البحر الأحمر، حيث عملت مصورة أعراس وحفلات للسواح.
لكم رأى كريم عبد الراضي، المدير التنفيذ لمؤسسة دعم القانون والديمقراطية في برلين، حالات مثل حالة سمية عبد الرحمن. وكريم عبد الراضي محام وناشط في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان مبعد إلى ألمانيا منذ حزيران/يونيو 2021، بعد أن هرب من مصر في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 عبر لبنان ثم تركيا فكينيا.
حينها كان في مصر، مثل كريم عبد الراضي صحفيون ونشطاء حقوق إنسان، بما في ذلك آلاف من الذين ألقي القبض عليهم في أيلول/سبتمبر 2020؛ لأنهم تظاهروا ضد السيسي. كما تم التحقيق في أمره كجزء من قضية 137 التي استهدف بها مجموعات اتهمت بتلقي تمويل أجنبي، كما تعرض للمضايقة وهُدد بالاعتقال.
يقول كريم عبد الراضي؛ إن إقدام السلطات المصرية على مصادرة جوازات السفر بات وسيلة كثيراً ما تلجأ إليها الحكومة الحالية، في تجاهل تام للمادة 62 من الدستور المصري الذي ينص على أن "حرية الحركة والإقامة والهجرة مضمونة".
"إعاقة السفر يمكن أن تشمل قيام الأجهزة الأمنية بإجراء تحقيقات غير قانونية في المطارات، وإلغاء رحلات الطيران، وحتى منع الناس من السفر ومصادرة جوازات سفرهم، وهو ما بات وسيلة لتقييد حرية الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان. وهو في العادة قرار أحادي تتخذه الأجهزة الأمنية، ويمكن أن يحصل دون توجيه أي تهم".
السودان .. الخيار الوحيد
علمت سمية عبد الرحمن أن أفضل خياراتها للخروج من البلد هو عبر الحدود البرية، بأن يتم تهريبها عبر الحدود الجنوبية لمصر إلى السودان. تواصلت مع المهربين الذين دفّعوها ألف دولار مقابل الرحلة.
"قال لي المهربون؛ إنه فيما لو كشفنا حرس الحدود فسيطلقون النار علينا لأن لديهم تعليمات مباشرة بإطلاق النار على من يركضون عبر الحدود. قبلت بذلك لأنني كنت في مصر في عداد الأموات. وكان الهرب، في حده الأدنى، شكلا من أشكال النضال من أجل البقاء، كان ذلك هربا نحو الحياة".
في السادس عشر من كانون الثاني/يناير 2020، استقلت سمية عبد الرحمن قطارا من القاهرة إلى الجنوب، حيث قابلت الشخص المعني الذي أخذها إلى سيارة. تحت اسم مستعار، هو أمل، انضمت إلى سبعة مصريين آخرين في شاحنة توجهت بهم إلى الحدود مع السودان. انضم إليهم شخصان إثيوبيان يتطلعان إلى الوصول إلى إسرائيل. كثيرا ما كانت عربتهم هي الوحيدة على الطريق.
طلب المهربون من المجموعة إغلاق هواتفهم حتى لا يتم تعقبهم، وكان كل واحد منهم يحذر من الكشف عن معلوماته الشخصية للآخرين. "لم نتحدث كثيرا ولم نستخدم أسماءنا الحقيقية، ولكننا جميعاً كانت لدينا مشاكل بسبب اهتماماتنا السياسية أو الأحكام القضائية الصادرة بحقنا".
لم تخبر سمية عبد الرحمن لا أصدقاءها ولا أفراد عائلتها بالطريق الذي سلكته، حتى لا يقلقوا أو حتى لا يمسهم خطر. "قلت لهم إنني سأهرب، ولكن لم أخبرهم كيف ولا إلى أين. قلت لأمي: عندما أستقر في بلد ما، سوف أخبرك، وأنا أفعل ذلك حرصا على سلامتك". علمت سمية عبد الرحمن فيما بعد أن قوات الأمن زارت والدها بعد مغادرتها.
كان من بين المسافرين معها فتى مراهق في السادسة عشرة من عمره تقريبا، قال إنه عضو في جماعة الإخوان المسلمين، وأن الكثيرين من أفراد عائلته قد سجنوا، فقرر الهرب، كما أخبر سمية عبد الرحمن، عسى ألا ينتهي إلى نفس مصيرهم. "لم يتوقف عن البكاء حزنا على عائلته التي قال إنه قد لا يراها ثانية".
فيما بعد، علقت الشاحنة في رمال الصحراء ولم يتسن تحريرها إلا بعد جهد كبير استمر لساعات عديدة. في نهاية المطاف، تمكنت المجموعة من العبور إلى السودان في العشرين من كانون الثاني/يناير .
تتذكر ذلك سمية عبد الرحمن وتقول: "بكيت عندما عبرنا الحدود؛ فقد تبدد خطر السجن أو الإخفاء القسري. ولكن الأمر مؤلم؛ لأنني أدركت أنني لن أرى عائلتي ثانية، وأن الحياة التي كنت أعرفها من قبل قد انتهت هنا، بكل ما فيها من ذكريات. لم يحاول أحد من عائلتي السفر من قبل؛ فهم يخافون من عواقب اتخاذ مثل هذه الخطوة، فما حدث معي في المطار قد يتكرر معهم، وذلك بسبب موقفنا السياسي".
إلا أن الحرية جلبت معها قيودا مؤقتة. فخشية أن يتم العثور عليها، اختبأت سمية عبد الرحمن في بيت آمن في بلدة حدودية سودانية لما يقرب من شهر.
"كنت في حالة نفسية مريعة، فلم أتمكن من الخروج إلى الشارع لأنني قدمت تهريبا. فيما لو ألقي القبض علي لأي سبب من الأسباب، فسوف يتم إبعادي إلى مصر قبل أن يكون المهربون قد تمكنوا من استكمال ترتيبات السفر إلى تركيا".
أخيرا، حصلت سمية عبد الرحمن على ختم الدخول مقابل 300 دولار بفضل معارف لها من المعارضة داخل جماعة الإخوان المسلمين، التي ليست عضوا فيها، كانت قد تصادقت معهم في أثناء الفترة التي قضتها في العمل داخل وسائل إعلام المعارضة.
توجهت بعد ذلك إلى الخرطوم ثم إلى المطار، وهناك حجزت مقعدا على رحلة جوية متوجهة إلى القاهرة، ولكن مرورا بإسطنبول. بالطبع لم تكن سمية عبد الرحمن تنوي العودة إلى مصر، بل تريد الفرار إلى تركيا.
أثبتت تركيا أنها ليست ملاذا
عندما وصلت سمية عبد الرحمن إلى مطار إسطنبول في يوم 20 شباط/فبراير، لم تكن تحمل تأشيرة دخول. بدلا من ذلك سلمت نفسها لقوات الأمن. وعن ذلك تقول: "احتجزت في المطار لمدة 22 ساعة وتعرضت للاستجواب، وتم الاعتداء علي لفظيا، وكنت سأعاد قسريا إلى مصر بناء على اتفاقية تسليم".
ولكنها تمكنت من التواصل مع أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين في تركيا. وعن ذلك تقول: "هم الذين ساعدوني وتقدموا بطلب إلى السلطات لتمكيني من دخول تركيا حتى لا أبعد إلى القاهرة".
وتقول: "لم تكن لدي خطة محددة للبقاء في تركيا أو في أي مكان آخر. الأمر لا يتعلق بالبلد، وإنما بالأمان. عندما غادرت مصر قلت لنفسي؛ إن المكان الذي أشعر فيه بالأمان سوف يصبح وطني، وإذا شعرت بالخوف والخطر في تركيا فسوف أغادر".
في أثناء وجودها في تركيا، تزوجت سمية عبد الرحمن، ولكن العلاقة الزوجية سرعان ما شابها العنف، بما في ذلك الضرب، لدرجة أنها احتاجت للعلاج في المستشفى. اشتكت للشرطة عما تعرضت له من إساءات، وصدر لصالحها أمر زجري، ولكن معنفها استمر في تهديدها.
تقول سمية عبد الرحمن؛ إنها بوصفها لاجئة مستضعفة، وحيدة وبدون معيل في تركيا، شعرت بالخوف، وقررت عدم المضي قدما في الموضوع. وتقول: "كانت علاقة سيئة جدا، تمكنت من التحرر منها بمساعدة أطباء نفسانيين".
لم يكن العنف الخطر الوحيد الذي يتهدد سمية عبد الرحمن، فقد مضت أنقرة والقاهرة في التقارب والمصالحة بينهما. قبل ذلك، كانت الحكومتان في خصام منذ 2013 عندما سقط مرسي. ولكن مع تحسن العلاقات، توقفت بعض وسائل الإعلام المعارضة في تركيا، مثل قناة مكملين، عن البث، بينما طلبت القاهرة من أنقرة تصنيف شخصيات معارضة موجودة في تركيا باعتبارها إرهابية، بما في ذلك أشخاص مثل حسام الغمري.
وصف وزير الإعلام المصري أسامة هيكل الإجراءات التي اتخذتها أنقرة بأنها "لفتة جيدة". مثل هذا التقارب مثل رسالة تهديد لسمية عبد الرحمن ولغيرها من المبعدين مفادها: احزموا حقائبكم، وإلا فإنكم تجازفون بإعادتكم قسرا إلى مصر.
ولكن من أجل أن تغادر إلى بلد آمن، فإنها تحتاج إلى تجديد جواز سفرها، الوثيقة الرسمية الوحيدة التي تحملها، عبر السفارة المصرية. زادت مخاوفها عندما سمعت كيف أن أحد المواطنين المصريين في تركيا تمت مصادرة جواز سفره من قبل الموظفين في قنصلية السفارة.
في الوقت نفسه، حاز عملها في مجال التصوير الصحفي على تقدير وسائل الإعلام الدولية. فقد حصل تقريرها بعنوان "الجرح الدائم"، الذي يتحدث عن ختان الإناث، على جائزة زمالة المصورين الناشئين في كانون الأول/ديسمبر من عام 2020، التي تمنحها جميعة دولية غير ربحية تسمى "من المبكر أن تتزوج"، بالإضافة إلى مؤسسة كانون في الولايات المتحدة الأمريكية.
في بيان لها، تحدثت سمية عبد الرحمن على الملأ حول ما جرى لها وهي في سن العاشرة، حيث قالت: "أتذكر اليوم، فقد كان أسوأ يوم في حياتي. من أجل أن تتعافى نفسي ويتعافى عقلي، أعددت وثائقيا مرئيا يسرد حكايات نساء وفتيات مررن في مرحلة ما من حياتهن بتجربة ختان الإناث".
"أعتقد جازمة بأن المرئيات تعزز القضية، وهذه هي وسيلتي لتشجيع الناجين، وتشجيع المزيد من الرجال على الثورة على هذه الممارسة".
ظهر المشروع في الواشنطن بوست يوم الرابع من كانون الثاني/يناير من عام 2021، حيث كتب محرر اختيار الصور كينيث ديكرمان يقول؛ إن صمود سمية عبد الرحمن في مواجهة الضراء، ساعد على نقلها إلى المكانة التي هي فيها الآن.
وتعليقاً على ما حصلت عليه من تكريم، تقول سمية عبد الرحمن: "بالطبع أنا سعيدة. ولأنني امرأة وصحفية، من المهم بالنسبة لي أن يعرف العالم الوضع الحقيقي في مصر فيما يخص النساء والصحفيين، وأن يعرف مدى ما يعانونه".
في نهاية الشهر، شددت السلطات المصرية العقوبات التي تفرض على مرتكبي هذه الجريمة، ولكن قوبل ذلك بمزيد من المطالبات بحظرها تماما.
حياة جديدة في ألمانيا
أخيرا، وجدت سمية عبد الرحمن وسيلة لمغادرة تركيا؛ تطلعا منها للدراسة في ألمانيا، تم قبولها للدراسة في دورة مدتها ستة شهور في التصوير الصحفي والتصوير التوثيقي في جامعة هانوفر، بفضل ما لديها من خبرة وما تتمتع به من مكانة دولية.
بعد الحصول على تأشيرة طالب من السفارة الألمانية في تركيا، وصلت إلى هانوفر في الثامن من نيسان/إبريل 2022، ثم تقدمت بطلب لجوء في أواخر شهر آب/أغسطس.
عقدت جلسة الاستماع الخاصة بها في الرابع والعشرين من كانون الثاني/يناير. تقول سمية عبد الرحمن: "بكيت طوال جلسة الاستماع أمام القاضي". وأضافت أنها روت حكايتها كاملة حتى تحظى بالحماية. كانت تلك بمنزلة لحظة من التجلي. تقول عنها: "شعرت بالأسى على نفسي، لما مررت به. كانت تلك هي اللحظة التي أدركت عندها ما الذي مررت به".
بينما تنتظر نتيجة جلسة الاستماع، تقضي سمية عبد الرحمن وقتها في تعلم اللغة الألمانية وحضور دروس التصوير في الجامعة. كما أنها تنظر في مشاريع صحفية مستقبلية، بما في ذلك إصدار كتاب، وتوثيق تجربتها هي وتجربة النساء الأخريات اللواتي هربن من مصر بسبب العنف والظلم.
وتقول: "كانت حياتي في مصر مليئة بالخوف من التعرض للسجن. وكان هربي إلى السودان بمنزلة الهرب إلى المصير المجهول. كان يمكن أن ألقى حتفي في أي لحظة. وفي تركيا، لاحقني سوء حظي من خطر إلى آخر. أنوي اتخاذ ألمانيا وطنا لي، على الرغم من آلام الضياع والغربة. بعد كل ما مررت به، اكتشفت أن الوطن هو المكان الذي لا أشعر فيه بالخوف".
هل يمكن أن تعود إلى مصر؟
"أتمنى لو كان ذلك بمقدوري. ولكني لا أستطيع. لو رجعت إلى مصر فسوف أعود إلى السجن. لا مكان لي داخل مصر".
للاطلاع إلى النص الأصلي (
هنا)