نشرت مجلة "
فورين بوليسي" الأمريكية تقريرا تحدثت
فيه عن التداعيات المحتملة لاكتشاف بالون
التجسس الصيني على العلاقات الصينية الأمريكية.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"،
إن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أجّل زيارة دبلوماسية مهمة إلى بكين في نهاية
هذا الأسبوع إثر الكشف عن وجود بالون مراقبة صيني فوق مواقع نووية حساسة. وتقول إدارة
بايدن إنها تراقب البالون عن كثب، وقد قامت بتحييد أي تهديد استخباراتي قد يمثله، وتفكر
في كيفية إسقاطه نظرًا لوجود مخاوف من احتمال وقوعه على مناطق سكنية.
وبينما يبدو البالون عالي الارتفاع تقنية غير مثيرة للإعجاب
مقارنة بصور القمر الصناعي التي يمكنها معرفة التفاصيل الدقيقة، أشار المحلل ويليام
كيم السنة الماضية إلى المزايا التي يمتلكها البالون مقارنة بالأقمار الصناعية: فهو
رخيص الثمن، ويدوم لأشهر، وقادر على الثبات في موقعه بدلاً من تتبع المسارات المتوقعة
للأقمار الصناعية، ومن الصعب إزالته بشكل مفاجئ. وقد سمحت تقنيات التعلم الآلي الجديدة
للبالونات باستخدام التيارات الهوائية لتوجيه نفسها في اتجاهات محددة، مما يجعل هذه
التكنولوجيا أكثر فائدة.
لماذا الآن؟
وفقا للمجلة، من الغريب أن تُقدم بكين على فعل استفزازي وتستعمل
هذه البالونات التي تعد أداة مراقبة محتملة قوية قبل رحلة دبلوماسية أمريكية مهمة،
خاصة أنها كانت تدفع لإصلاح علاقاتها مع الولايات المتحدة بعد الجائحة. ولكن من المؤكد
أن للصين مصلحة قوية في مراقبة المواقع النووية الأمريكية، تماما مثلما تتابع واشنطن
عن كثب التوسّع النووي الصيني.
ورجّحت المجلة أن يكون هذا الأمر استفزازًا متعمدًا من قبل
بعض الفصائل المناهضة للولايات المتحدة - أو ربما ردًا على ضعف الضغط الصيني الأخير
بشأن تحسين العلاقات مع واشنطن. ولكن من الوارد أيضًا أن يكون البالون قد دخل الأراضي
الأمريكية عن طريق الخطأ.
وأشارت المجلة إلى إمكانية استخدام الصين هذه التقنية منذ
فترة وإلى أن الولايات المتحدة كانت على علم بها ولكنها اختارت دبلوماسيًا عدم الرد.
وقد أكد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية أن مثل هذه الاختراقات قد حدثت من قبل
بقوله: "ليست هذه المرة الأولى التي يعبر فيها بالون من هذا النوع سماء الولايات
المتحدة". ولكن يبدو أن اكتشاف المدنيين للأمر هذه المرة بعد أن انجرف البالون
إلى مستوى منخفض، هو الذي دفع السلطات الأمريكية نحو الرد.
كيف ستستجيب الصين؟
تقول بكين إن البالون هو بالون طقس قد انحرف عن مساره، متأثرًا
بالرياح الغربية، وإنها "تأسف لدخول البالون غير المقصود" إلى المجال الجوي
الأمريكي. ومن غير المرجح أن تغير المواقف بشأن ذلك، كما أنه من الصعب على بكين الاعتراف
بالخطأ علنًا. ولكن من الممكن أن يكون هناك اعتذار أو اعتراف خفي.
وبينت المجلة، من منظور صيني، هناك نفاق الولايات المتحدة؛
فلعقود من الزمن، استخدمت واشنطن وحلفاؤها بشكل روتيني مجموعة من تقنيات المراقبة في
الأراضي الصينية، بداية من صور الأقمار الصناعية وصولا إلى المراقبة تحت سطح البحر.
وقد يشمل ذلك بالفعل بالونات التجسس التي كان البنتاغون يعمل عليها منذ سنة 2020. ومنذ
سنوات، يُفكّر الخبراء الأمريكيون في الاستخدامات المحتملة للفضاء القريب.
وأكّدت المجلة أن إلغاء رحلة بلينكن أو تأجيلها في اللحظة
الأخيرة من شأنه أن يزيد العداوة تجاه الولايات المتحدة، حيث سيرى المتشددون
في القيادة الصينية أن واشنطن لم تكن جادة على الإطلاق في محاولة إعادة بناء علاقة
عمل معها. وقد يرى أولئك الأكثر تعاطفًا مع الجهود الدبلوماسية الأمريكية في ذلك علامة
على أن واشنطن محاصرة بالسياسات المحليّة المناهضة للصين.
ماذا حدث بعد ذلك؟
إن ما يحدث اليوم تأكيد آخر على أننا في الأيام الأولى للحرب
الباردة 2، حيث كانت المراقبة المتبادلة من أكثر القضايا توترًا. وبالعودة إلى حادثة
طائرة التجسس يو-2 لسنة 1960، التي جاءت في مرحلة مريحة نسبيًا من العلاقات بين الولايات
المتحدة والاتحاد السوفيتي، فقد تسببت في إلغاء الجهود المبذولة في محادثات نزع السلاح.
وادعت الولايات المتحدة حينها، قبل الكشف عن أسر الطيار، أن الطائرة كانت تقوم بأعمال
الأرصاد الجوية ودخلت عن طريق الخطأ الأراضي السوفيتية.
وفي حين لا يوجد طيار بالون صيني في هذه الحادثة، إلا أن
بعض العواقب قد تعتمد على كيفية إسقاط البالون نظرا لأن مثل هذه البالونات تتطلب قوة
متفجرة لتدميرها، مما قد يترك طبيعتها غامضة بشكل مفيد. وإذا ما تمكنت الولايات المتحدة
من خفضها واستعادة معدات المراقبة التي من الواضح أنها مخصصة للمراقبة العسكرية، وليس
للأرصاد الجوية، فإن الأمور ستصبح أكثر إحراجًا لبكين.
وفي كلتا الحالتين، يسود الاعتقاد القوي في الكونغرس بأن
الصين تشكل تهديدًا رئيسيًا للولايات المتحدة. وقد صرح أحد المسؤولين الأمريكيين بأن
زيارة بلينكن قد تم تأجيلها، ولم يتم إلغاؤها، وأن بلينكن لم يرغب في أن تهيمن حادثة
البالون على المحادثات، وهو ما يبدو محتملًا. ولدى واشنطن اهتمام كبير بقراءة ما يحدث
في الصين في أعقاب الاضطرابات التي شهدتها احتجاجات السنة الماضية وانعكاسات سياساتها
الخاصة بعدم انتشار فيروس كورونا المستجد. ولكن العلاقة الفاترة بالفعل بين أكبر قوتين
في العالم قد أصبحت أكثر برودًا.