صدم أهالي معتقلين في
مصر جرى نقلهم من سجون "طرة" و"العقرب" سيئة الصيت، إلى مجمع السجون المركزية الجديد "بدر"، من استمرار سوء المعاملة، والحرمان، بخلاف ما كان منتظرا.
وقال أهالي معتقلين تحدثوا لـ"عربي21"؛ إن مجمع سجون بدر المبني حديثا قرب العاصمة الإدارية الجديدة، كان المأمول منه أن يمثل انفراجة للمعتقلين بالنسبة لأوضاعهم، إلا أن ذلك لم يحدث.
وذهب أهال للقول؛ إن مجمع سجون بدر، بات هو الأقسى الآن بين السجون المصرية.
"في عداد الموتى"
وقالت "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"؛ إن نزلاء السجن، خاصة كبار السن، وقادة جماعة الإخوان المسلمين، يعتبرون الآن في عداد الموتى.
وتحت عنوان: "إحنا بنموت"، وصل للمنظمة الحقوقية المصرية ومقرها لندن رسالة مكتوبة بخط اليد من داخل "سجن بدر3"، نشرتها الأربعاء، وتؤكد استمرار الانتهاكات الحقوقية في "تأهيل بدر 3"، بمجمع سجون بدر.
وتحدثت الرسالة عن سوء الأوضاع المعيشة، والمعاملة، والرعاية الصحية، والتغذية، مشيرة إلى أنه مع قدوم فصل الشتاء، ورفض سلطات السجون دخول الملابس الشتوية، تنتشر الأمراض المزمنة بين المعتقلين.
وأوضحت أن كل ذلك أدى قبل أيام لوفاة المعتقل علاء السلمي، (المضرب عن الطعام) مدة 10 أيام، الذي لم يتواصل مع أسرته منذ سنوات، لوجوده في سجن "العقرب"، بـ"طرة"، ثم "عقرب بدر" (تأهيل 3)، بحسب الرسالة.
ولفتت إلى تكرار مآسي وفاة المعتقلين، مذكرة بوفاة المعتقل حسن دياب، بسبب الإهمال الطبي وسوء الأحوال المعيشية في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
وأكدت أن "الانتهاكات تتواصل في سجن (بدر شديد 2)، قبل (تأهيل بدر3)"، ملمحة إلى وجود "اضرابات واعتراضات من المعتقلين ضد انتهاكات الأمن الوطني، وإدارة السجن، ومصلحة السجون".
وأشارت إلى "تجريد المعتقلين المعترضين على الانتهاكات من الملابس والبطاطين بهذا البرد الشديد، وإيداعهم التأديب بلا طعام إلا رغيفا واحد يوميا، وبدون دواء".
وكشفت عن حجم التعذيب، موضحة أن "أحد المعتقلين اعترض على أحوال السجن؛ فتم إيداعه التأديب، وقام بعمل إضراب عن الطعام مدة 16 يوما، دون الالتفات إليه، ليفك الإضراب عندما شارف على الهلاك".
من جانبها أكدت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، من خلال ما يصل إليها من معلومات، أن "التأديب في تأهيل (بدر 3)، غير آدمي، وعبارة عن غرفة 120 سم في 3 أمتار، بلا أي شئ غير البلاط، والبرودة القاسية، والطعام اليومي رغيف خبز واحد".
"أوضاع الإخوان"
ووفق الرسالة، فإن أوضاع قيادات جماعة الإخوان المسلمين سيئة، مؤكدة أنهم "معزولون في (قطاع 2)، لا نراهم، ولا نعلم عنهم شيئا، ولا يتم عرضهم على المحكمة نهائيا".
وأوضحت أن "بعض القيادات حالتهم الصحية سيئة قد يكونون توفوا، ولا نثق من أنهم أحياء بعد"، ذاكرة أسماء: (المرشد العام للجماعة محمد بديع، ونائبة خيرت الشاطر، والقيادي محمود غزلان، والقائم بأعمال المرشد محمود عزت).
وقالت الرسالة؛ إن "بديع، والشاطر، معزولون مع معتقلين مخالفين لفكر الإخوان، من تنظيمات (القاعدة)، و(ولاية سيناء)، و(الدولة الإسلامية)"، موضحة أن "المحكومين معزولون في (قطاع 3 و4)، ولا نعلم عنهم شيئا، ويموتون ببطء".
وأكد مرسلو الرسالة أنه وسط "قتل ممنهج؛ نطالب بوفد ولجنة من حقوق الإنسان، والأمم المتحدة"، خاتمين شكواهم بالقول: "أغيثونا".
"بدر الأسوأ"
وفي حديثها عن معاناة زوجها المعتقل في
سجن بدر، قالت زوجة أحد المعتقلين المنقولين حديثا إلى "مجمع سجون بدر" من "سجن العقرب": "تخيلنا أن الأمر سيكون أفضل، من حيث الزيارة، والمعاملة، والمعيشة، والمباني، ولكن التنكيل هو التنكيل، والمنع هو نفس المنع".
وأضافت لـ"عربي21": "أذهب إلى الزيارة في موعدها الشهري، وأستمع إلى مآسي تحكيها زوجات المعتقلين، عن سوء معاملة، ورفض إدخال الملابس والأغطية والأدوية، والطعام بالطبع، وعن انتظار لمدة 8 ساعات في كل مرة".
وأكدت؛ "أنهن، رغم ذلك، أفضل مني حالا، وأزواجهن أفضل من زوجي وضعا؛ لأني أذهب ولا يُسمح لي بالزيارة، ولم أر زوجي طوال مدة بقائه في سجن بدر، ولا أعرف السبب حتى اليوم، ولا أعرف عنه شيئا، على الإطلاق".
وأوضحت أنها لا تعرف سبب المنع، وهل هو من إدارة سجن بدر أم بقرار من الأمن الوطني، مبينة أنها "تذهب للزيارة وتسلم الأدوية لمندوب السجن في (بدر 3)، ولا أعلم أصلا هل تصل له أم لا".
وأشارت إلى أن "نفس الوضع السيئ السابق في العقرب قائم في (بدر3)، بل الأسوأ"، مؤكدة أنها "لم تر زوجها منذ عامين بالتمام، ولا يجيبها أحد في بدر3".
إظهار أخبار متعلقة
"ظلم وتعسف وإجرام"
وفي تعليقه، قال المدير التنفيذي للشبكة المصرية لحقوق الإنسان، الحقوقي أحمد العطار: "الحقيقة ما يجرى بمركز (بدر للإصلاح والتأهيل 3)، جريمة تصفية جسدية عبر منع حقوق المعتقلين الدستورية والقانونية كافة".
وأشار في حديثه لـ"عربي21"، إلى "منع العلاج، والرعاية الطبية والصحية، والزيارات، والتريض؛ وغيرها الكثير من الحقوق التي نصت عليها مواد اللائحة الداخلية للسجون، والضمير الإنساني".
العطار، أضاف: "ما يحدث حاليا؛ وعبًرت عنه الرسالة الخطية التي وصلت إلينا، هي استمرار لما كان يحدث بسجن (العقرب شديد الحراسة 1و 2)، بل نستطيع أن نقول: لقد فاقهم ظلما وتعسفا وإجراما".
وتابع: "نعم، هذه أقل العبارات التي أستطيع كمتابع للملف الحقوقي المصري أن أصف بها ما يحدث في (بدر 3)، بالقول إنها جريمة قتل ممنهجة مع سبق الإصرار والترصد".
وأكد أن "الإجراءات غير الدستورية وغير القانونية كافة، التي تتبعها السلطات الأمنية بأوامر سيادية؛ هي لقتل المعتقلين في (بدر 3 )، وإن لم يكن قتلهم بدنيا فقتلهم نفسيا، وتصفيتهم بالأمراض".
وقال إن "سجن (بدر 3)، أصبح تحديدا هو المنفى الإجباري لكل المعتقلين السياسيين، المغضوب عليهم من قبل السلطات المصرية".
إظهار أخبار متعلقة
"دعاية كاذبة"
"وبعد أن قامت السلطات المصرية بحملة دعائية عالمية تفاخر بفتح سجون (بدر ووادي النطرون)، على نمط السجون الأمريكية، ونسيت أن مقبرة العقرب كان أيضا على نمط الولايات المتحدة"، بحسب تقدير العطار.
وأشار إلى أنه "بعد أن تم إخلاء منطقة سجون طرة من معتقليها، وتسكينهم بمركز بدر للإصلاح والتأهيل، أملا في تحسين وضع المعتقلين؛ تفاجأ المعتقلون والأهالي بوحشية السجون الجديدة، وأنها أكثر قسوة من طرة".
وأكد أن "السلطات المصرية حاولت رسم صورة كاذبة عن تحسين ملف حقوق الإنسان، ولكن الواقع مؤلم ومحزن ومخيف"، لافتا إلى وقوع "5 وفيات حتى الآن منذ أن تم نقل المعتقلين في (بدر 3)، منتصف العام الماضي".
وختم بالقول: "أشهر قليلة حصدت أرواح 5 معتقلين، وهو ما تم رصده، والحقيقة أنه قد يكون هناك ضحايا لم يتم الإعلان عنهم".
"فاشية سياسية"
وفي تعليقه، قال السياسي المصري المهتم بملف المعتقلين خالد الشريف؛ إن "مصر تعاني فاشية سياسية تنتقم من المعارضين خاصة والمصريين عامة، انهارت فيها منظومة العدالة مع تصاعد انتهاكات حقوق الإنسان وغياب القانون والدستور".
القيادي في حزب "البناء والتنمية" المصري، أضاف في حديثه لـ"عربي21"، أن "مصر تعيش الأسوأ على الإطلاق في جميع المجالات في ظل انسداد الأفق السياسي".
ويعتقد أن "ملف حقوق المعتقلين والسجناء هو الأسوأ على الإطلاق، فالسجناء ممنوعون من الحقوق كافة، سواء زيارات أو تريض وتغذية"، مضيفا: "والأدهى من ذلك، أن النظام الفاشي يتفنن في إيذاء المعتقلين وتعذيبهم".
ولفت إلى أنه من خلال ما يتابعه من مآسي المعتقلين، فإن "السجون الجديدة مثل بدر، سيئة للغاية؛ لإحكام القبضة على المعتقلين وتخويف الشعب"، مؤكدا أنها "سجون معدة للقتل البطيء للسجناء والمعتقلين".
ويرى أنها "تُسقط أي ادعاء للنظام حول تطبيق استراتيجية جديدة لحقوق الإنسان"، معلنا أنه "لا يوجد حقوق، ولا يوجد إنسانية في ظل نظام
السيسي".
"استراتيجية البيع"
المثير، أنه عند افتتاح "مجمع سجون بدر" في 30 كانون الأول/ ديسمبر 2021، أعلنت السلطات أن يأتي في ظل توجه مصر نحو تطبيق "الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان"، التي أعلنها رئيس النظام عبدالفتاح السيسي أيلول/ سبتمبر من العام نفسه.
وفي إطار هذه الاستراتيجية، التي وصفها حقوقيون بالخديعة، وافق البرلمان المصري على تغيير قانون تنظيم السجون 9 آذار/ مارس الماضي، ولكن التغييرات جاءت مثيرة للسخرية، وتهدف إلى تغيير المسميات والصفات، لا الأوضاع على الأرض.
ووفق التعديلات تغير مسمى "السجون" الواردة في القانون إلى "مراكز إصلاح وتأهيل عمومية"، أو "مراكز إصلاح جغرافية"، أو "مراكز إصلاح وتأهيل خاصة".
نحو 44 سجنا جديدا بناها السيسي، رغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة وتكليف موازنة الدولة مليارات الجنيهات؛ يقبع بها نحو 65 ألف معتقل سياسي، وفق تقرير للشبكة العربية لحقوق الإنسان 12 نيسان/ أبريل 2021، لتصبح أعداد السجون في مصر 87 سجنا.
ومع تسجيل السجون في عهد السيسي العدد الأكبر منها في تاريخ البلاد، إلا أنه كان السبب الظاهر هو استيعاب آلاف المعتقلين السياسيين ضمن حملته القمعية بحق أنصار جماعة الإخوان المسلمين، خاصة التي بدأت منتصف 2013، ومستمرة حتى اليوم.
وكان لافتا بناء السيسي سجونا كبيرة بمناطق نائية مثل "وادي النطرون" و"بدر" وغيرهما، وذلك في مقابل إخلاء عشرات السجون المركزية بالمحافظات وبالقاهرة والإسكندرية، التي تقع في مناطق حيوية ووسط مدن مهمة.
أكبر السجون التي بناها السيسي كان مجمع سجون "وادي النطرون" (شمال غرب)، الذي استقبل سجناء 12 سجنا، وأغلقهم لاحقا، إلى جانب مجمع عادة التأهيل في مدينة بدر، الذي يضم 3 سجون هي "بدر 1 و2 و3"، والذي تبعه غلق 3 سجون قديمة.
وبقرار حكومي مثير للجدل في 5 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بدا واضحا منطق السيسي الاقتصادي والتجاري بقرار نقل ملكية 10 سجون ومركز احتجاز بمناطق حيوية وبمساحات شاسعة، وسط الكتل السكنية لعواصم المحافظات، من ملكية وزارة الداخلية لوزارة المالية.
وهو ما اعتبره مراقبون خطوة من النظام لبيع تلك المساحات الشاسعة من المباني والأراضي، وتمهيدا لطرحها للبيع للمستثمرين المصريين والعرب والأجانب، أو استغلالها في بناء عقارات سكنية وتجارية.
وأكد خالد الشريف، أن "السيسي، بنى عشرات السجون لسجن وتعذيب المصريين، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمات اقتصادية، وهو يستغل أماكن السجون القديمة، بالبيع والمتاجرة، كما فعل مع أصول الدولة كافة".