نشرت
صحيفة "
فايننشال تايمز" تقريرا لمراسلتها في طهران نجمة بوزرجمر قالت فيه
إن الرئيس
الإيراني إبراهيم
رئيسي وعلى خلاف محمود أحمدي نجاد وحسن روحاني لم يتعرض
بعد لغضب وانتقاد الإصلاحيين والمتظاهرين في الشوارع المطالبين بالديمقراطية.
ففي
الوقت الذي طالبوا فيه برحيل النظام وصبوا جام غضبهم على آية الله خامنئي، المرشد الأعلى
للجمهورية، لم يركزوا على الرئيس، ليس حبا به ولكن لأنهم يعتقدون أنه بدون أجندة ويفعل
ما يطلبه المرشد.
وأضافت
الصحيفة أن رئيسي يجب عليه الشعور بالضغوط المتراكمة، بسبب المظاهرات التي عمت البلاد
منذ أيلول/ سبتمبر ولم تظهر أي مؤشر على التلاشي، والريال الإيراني فقد الكثير من قيمته
منذ توليه السلطة في آب/ أغسطس 2021 في انتخابات شعر الكثيرون أنها بدون شرعية، كما
زاد التضخم إلى نسبة 45%، والمفاجأة للكثيرين أن رئيسي، رجل الدين المتشدد ظل خارج
الصورة وتجنب غضب المتظاهرين الذين تحولت مطالبهم من تلبية حقوق المرأة بعد مقتل الفتاة
مهسا أميني إلى تغيير النظام، فقد تم تجاهله خلافا لنجاد وروحاني اللذان واجها فترات
من الغضب الشعبي خلال عام 2009 و 2019 على التوالي.
ويقول
المحللون إن عدم مواجهة المتظاهرين لرئيسي ليس لأنه أقل شعبية بين نقاد النظام ولكن
صورة عن الطريقة التي ينظر فيها الكثير من الإيرانيين إليه باعتباره رئيسا ينفذ ما
يأمر به المرشد وما تريده مراكز السلطة الأخرى في النظام.
ونقلت
عن المحلل الإصلاحي للاقتصاد السياسي الإيراني سعيد ليلاز قوله: "تجاهل الناس
رئيسي، في المعنى الحقيقية للكلمة لأنه لم يظهر أي مؤشر عن رجل لديه تفكيره وفعله الخاص
به وقت الأزمة وخلافا للرؤساء السابقين".
وينظر
لرئيسي بأنه الرجل الذي اختاره خامنئي بعناية وتم تعبيد الطريق له للوصول إلى الرئاسة
عندما تم منع المرشحين البارزين من الإصلاحيين والمعتدلين من المشاركة في السباق الرئاسي.
ولم يذهب الكثير من الإيرانيين إلى مراكز الاقتراع في عملية انتخابية سجلت أدنى مشاركة
في تاريخ إيران. إلا أن المتشددين احتفلوا بانتصار رئيسي حيث كانوا قادرين على إعادة
السيطرة على فرعين من فروع الحكم في الدولة ولأول مرة منذ عقد.
ويرى المحللون أن المتشددين في الهيئة القضائية ومجلس
حماية النظام والحرس الثوري اعتقدوا أن تضع الانتخابات حدا للمواجهات المرة والمنافسة
بين المعسكرات داخل النظام. وكان التنافس واضحا خلال فترة روحاني التي تبنى فيها سياسة
وسطية وحظي بدعم من الإصلاحيين داخل النظام.
ويقول
المحللون إن شخصية رئيسي غير المعروفة ناسبت القيادة حتى لو عنى هذا تحول خامنئي لمركز
غضب المتظاهرين. وهو ثمن كان النظام مستعدا لدفعه بدلا من وجود رئيس يسير في طريق مختلف
أو تقديم تنازلات لدعاة الديمقراطية.
وقال
ليلاز: "لا يشعر من جلبوا رئيسي إلى السلطة بالندم لأن أي شخص أقوى منه كان سيؤدي
لمواجهة بين الرئيس والسلطات العليا التي لا يريد المتشددون حدوثها مرة أخرى".
وبالنسبة للإصلاحيين، كان انتخاب رئيسي نقطة تحول وضعت حدا لأمال الناس بإمكانية التغيير
عبر صناديق الاقتراع.
وأخبر
عباس عبدي، المحلل الإصلاحي الصحافة المحلية بأن "انتخاب روحاني عام 2017 كان
آخر انتخابات ذات معنى لهذا البلد" و"بعد ذلك لم يعد للناس أي أمل في الاقتصاد
واكتشفوا أن المؤسسة السياسية لن ترد على مطالبهم".
واندلعت
الاضطرابات الأخيرة في أيلول/ سبتمبر بعد وفاة مهسا اميني، 22 عاما أثناء احتجاز شرطة
الأخلاق لها.
وفي
الوقت الذي أصرت فيه السلطات على وفاتها بسبب سكتة قلبية، فإن غياب الثقة بالنظام دفعت
الكثير من الإيرانيين ومنهم عائلة أميني لاتهام الدولة بالكذب وأنها ماتت بعد تعرضها
للضرب.
ومنذ
ذلك الوقت قتل أكثر من 400 شخصا بمن فيهم 44 طفلا، حسب منظمة "أمنستي إنترناشونال"،
مع أن السلطات الإيرانية أكدت وفاة 200 شخص، بمن فيهم عناصر في الأمن.
وأدخل
القتل إيران في حالة من الحداد التي تفاقمت بعد الإعدامات الأخيرة في الأسابيع الماضية
لأربعة من المحتجين.
وحاول
رئيسي، 62 عاما وخلال الاضطرابات الحفاظ على مظهر أن الأمور اعتيادية وركز على الاقتصاد
المنهار وجهود توفير المواد الأساسية للسكان مثل الطعام والوقود.
وعكست
الخطابات التي ألقاها في جولاته بالبلاد رؤية خامنئي من وقوف أيد أجنبية وراء الاحتجاجات.
ويقول
الساسة الإصلاحيون إن الخطاب هذا وغياب التنازلات، غير التوقف عن فرض الحجاب على النساء
في الأماكن العامة تظهر أن المحتجين لم يقتنعوا بعد بتغير في مسار النظام. وقال نائب
الحرس الثوري عباس نيلفوروشان، هذا الشهر: "هذه إيران، بلد الشهداء. ولكي تطيح
بالنظام عليك عبور بحر من الدماء".
ويعتقد
المتشددون أن نجاح رئيسي في جهوده لاستقرار الاقتصاد، فإنه سيحبط المؤامرات الأجنبية
والاضطرابات.
وقال
مدير تنفيذي لشركة ومقرب من القوى المتشددة: "لا يزال رئيسي يتمتع بموقع اجتماعي
جيد ويأمل الناس بتحقيق حقوقهم من خلاله لأنه ليس فاسدا ولا توجد مظاهر فساد في حكومته".
ومن "سوء حظه اندلاع هذه التظاهرات خلال فترته لكنها لم تضعف رئيسي".
واستطاع
فريقه الاقتصادي تحقيق العوائد الضريبية المتوقعة للسنة المالية في وقت زاد فيه تصدير
الغاز والنفط رغم العقوبات الاقتصادية. وتمت زيادة الرواتب العامة والتقاعد بحيث منع
الناس من المشاركة في الاحتجاجات.
ودعت
المعارضة لعصيان عام من أجل زيادة الضغط على النظام، إلا أن مديرا بارزا في شركة كبرى
تابعة للحكومة قال إن العاملين فيها ترددوا في المشاركة بالعصيان لأنه دفع رواتبهم
بالوقت وزادها في الأشهر الأخيرة "لم نصل بعد مرحلة العصيان المدني" كما
قال.
وشجع
المد والجزر في حركة التظاهرات وغياب الإضرابات العمالية الواسعة، المتشددين بأنهم
يستطيعون السيطرة على الأزمة. وهو ما سيسمح لهم بمواصلة التقدم العسكري والنووي وكذا
تحديد الخليفة لخامنئي البالغ من العمر 83 عاما.
وقال
محلل إن وضع الرئيس تحول بشكل عملي إلى منصب "رئيس وزراء حتى بدون تغيير دستوري".
وأضاف "لا نية لرئيسي على ما يبدو لكي يعطل النظام الجديد غير المعلن عنه".