مقابلات

سياسي ليبي: الصراع يُدار من الخارج وإجراء الانتخابات يتحقق بثلاثة شروط

العرادي: كل من في السلطة لا يريد حلا يقصيه أو يأتي بخصم قد ينهي تطلعه السياسي- عربي21
العرادي: كل من في السلطة لا يريد حلا يقصيه أو يأتي بخصم قد ينهي تطلعه السياسي- عربي21
أكد الكاتب والسياسي الليبي، عبد الرزاق العرادي، أن البلاد رهينة صراع إقليمي ودولي على المصالح بأدوات محلية، مشددا على أن الأزمة الراهنة بحاجة إلى تسوية سياسية توحد البلاد وتشارك فيها جميع الأطراف الرئيسية.

وفي مقابلة خاصة لـ"عربي21" أكد العرادي أن أدوات هذا الصراع محلية "للأسف"، وتدار من دول لها مصالح في ليبيا ويهمها أن تتحقق مصالحها بواسطة هذه الأدوات.

ويرى العرادي؛ وهو كاتب وباحث وعضو في المجلس الوطني الانتقالي سابقا أن البعثة الأممية في ليبيا تدير الأزمة ولا تعمل على حلها، لأنها تعلم أن الخلاف في ليبيا دولي قبل أن يكون ليبيا ليبيا. قائلا: "لن تستطيع البعثة مساعدة الليبيين في التوصل إلى حل ما لم تتفق الدول المتدخلة في الشأن الليبي، على الحد الأدنى الذي تضمن فيه مصالحها".

اظهار أخبار متعلقة


وعن الانتخابات فإن السياسي الليبي يعتقد أن ليبيا "لن تشهد أي انتخابات تفضي إلى الاستقرار ما لم تتحقق ثلاثة شروط مهمة: حوار وطني معمق ينتج عنه ميثاق وطني وخارطة طريق لمصالحة وطنية وعدالة انتقالية جادة، ثم إعادة صياغة مشروع الدستور الذي يتواءم مع الميثاق الوطني، وأخيرا توحيد المؤسسات السياسية والعسكرية والاقتصادية".

وتاليا نص مقابلة السياسي والكاتب عبد الرزاق العرادي:

هناك صراع سياسي مستمر على السلطة في ليبيا.. فما هي تأثيراته على المستقبل الليبي؟ وهل يمكن له أن يفرض حلا بذاته للأزمة الليبية؟ 


الصراع في ليبيا لم يكن صراعا محليا فحسب. بل هو صراع تتداخل فيه عوامل محلية ودولية وإقليمية. بل يمكن القول إن الصراع في ليبيا صراع مستتر منذ قيام الدولة الليبية بين القوى الكبرى المتنافسة في المنطقة. لقد واجه القذافي أوان انطلاق الثورة الشعب الليبي بالحديد والنار، وأدى ذلك إلى التدخل الدولي المباشر في ليبيا، وكان هذا التدخل فرصة للمتنافسين في المنطقة لتثبيت وجودهم من خلال استمرار زعزعة الاستقرار في ليبيا.

أدوات هذا الصراع للأسف محلية ولكنها تدار من دول لها مصالح في ليبيا ويهمها أن تتحقق مصالحها بواسطة هذه الأدوات. المبعوث السابق الدكتور غسان سلامة تنبه مبكرا إلى أبعاد الصراع الدولي وعمِل على رتق الخلاف بين هذه الدول لتمكين الليبيين من التوصل إلى حل عبر مسارات ثلاثة؛ سياسية وعسكرية واقتصادية، لكن هذه المسارات سرعان ما تعثرت. ستستمر الأزمة الليبية طالما استمر الخلاف بين الدول المتدخلة في الشأن الليبي.

نشهد تباعدا وانقساما سياسيا بين الشرق والغرب.. فما هي مواصفات السلطة التي يمكن أن توحد الجميع وتقبل بها كل الأطراف؟



حوار جنيف ساهم بشكل كبير في مد الجسور وتقريب الكثير من وجهات النظر، وقلل من شبح الحرب، وأعطى مساحة أكبر للتعاطي السياسي والتواصل المباشر والزيارات المتبادلة، ولكن السلطة التنفيذية، وبالذات حكومة الوحدة الوطنية فشلت في توحيد المؤسسات، وفي التفاهم مع الأطراف الرئيسية الليبية، ولا يشفع لها أنها حققت بعض الإنجازات. الأزمة الليبية بحاجة إلى تسوية سياسية توحد البلاد وتشارك فيها جميع الأطراف الرئيسية. فتحي باشاغا رئيس الحكومة الليبية المعينة من قبل مجلس النواب؛ جلس مع الخصوم الذين سبق وأن تقاتل معهم وقدم تسوية سياسية، ولكن مجلس النواب فشل في إخراجها وفق الوثائق الدستورية. نعم الحكومة التي قدمها باشاغا فيها قدر من المحاصصة وفيها ضعف، ولكن الطريقة التي أديرت بها جلسة منح الثقة -التي نقلت على المباشر- كانت كارثية أفسدت هذه التسوية أو أخرتها.

هل يمكن أن نشهد هذا العام إجراء انتخابات في البلاد؟


لن تشهد ليبيا أي انتخابات تفضي إلى الاستقرار ما لم تتحقق ثلاثة أمور مهمة؛ حوار وطني معمق ينتج عنه ميثاق وطني وخارطة طريق لمصالحة وطنية وعدالة انتقالية جادة، ثم إعادة صياغة مشروع الدستور الذي يتواءم مع الميثاق الوطني. الأمر الثالث هو توحيد المؤسسات السياسية والعسكرية والاقتصادية. وبعد هذا يمكن أن تجرى الانتخابات، وبدونها لا يمكن للانتخابات أن تؤدي إلى الاستقرار، بل على العكس من ذلك، لربما تؤدي إلى الحرب من جديد -لا قدر الله- كما حدث في السابق.

كيف تقيّم دور الأطراف الدولية والبعثة الأممية في التعاطي مع الأزمة الراهنة؟


ليبيا رهينة صراع إقليمي ودولي. ولذلك البعثة تدير الأزمة ولا تعمل على حلها، لأنها تعلم أن الخلاف في ليبيا دولي قبل أن يكون ليبي ليبي. لن تستطيع البعثة مساعدة الليبيين في التوصل إلى حل ما لم تتفق الدول المتدخلة في الشأن الليبي، على الحد الأدنى الذي تضمن فيه مصالحها.

هناك اتهام للأجسام السياسية بأنها تريد التمديد، وتسعى لتعطيل الانتخابات.. ما رأيك؟


الأزمة في ليبيا عصية على الفهم وعلى الحل. لا شك أن كل من في السلطة لا يريد حلا يقصيه أو يأتي بخصم قد ينهي تطلعه السياسي ولا يستطيع الرجوع إلى السلطة عبر بوابة الانتخابات القادمة، لكن في الوقت ذاته لا حل سياسي بدون هذه الأجسام، إلا إذا سبق الانتخابات صفقة سياسية. يمكن بعد ذلك تمهيد الطريق لانتخابات يقبل بها الجميع، وهذا لن يحدث إلا إذا تحققت الأمور الثلاثة التي ذكرناها سالفا.

المجلس الرئاسي حاول التوسط بين مجلسي الدولة والنواب إلا أنهما لم يستجيبا له.. فما هي خيارات المجلس؟ وهل يملك صلاحيات واسعة تفضي إلى إنهاء الصراع؟


لا أكتمكم سرا إن قلت إن المجلس الرئاسي الذي ليس له أي سند دستوري وفق الوثائق الدستورية النافذة -سوى الاعتراف الدولي- قد يصبح اللاعب الأول في ليبيا، إذا صح دعم الجيش الجديد والولايات المتحدة الأمريكية التي تضغط بشكل كبير على الأطراف الليبية والاقليمية، من أجل قيام المجلس الرئاسي بإجراءات وتغييرات سياسية كبيرة في البلاد لتحقيق أولوياتها في المنطقة.

بالطبع هذا مرهون بدعم من القوة الخشنة في الشرق والغرب، ولعل لقاء المنفي بحفتر والاجتماع الثلاثي المزمع عقده في القاهرة، واجتماع الأردن الذي طاله الكتمان وحضره بعض القادة الميدانيين وربما يكون قد حضرته شخصيات أمنية رفيعة المستوى من عدة دول، كل ذلك يرجح أننا بصدد الدخول في مرحلة جديدة سيلعب فيها المجلس الرئاسي وتحديدا رئيسه دورا كبيرا لتهيئة الأرضية لتحقيق تلك الأولويات.

ماذا تقصد بهذه الأولويات؟


الحرب الروسية الأوكرانية قد تطول وتتحول إلى حرب استنزاف، وهي تمثل فرصة للغرب لتقليم أظافر روسيا المتمثلة في تمدد قوات الفاغنر في الجنوب الليبي ودول الجوار. كما أن الاستغناء عن النفط والغاز الروسيين لإضعاف الاقتصاد الروسي يتطلب استدامة ضخ النفط من الدول المنتجة، وعلى رأسها ليبيا، بل هناك حاجة إلى استثمارات كبيرة لإنتاج المزيد من النفط والغاز الليبي. هذه أولويات مهمة لإطالة أمد الحرب الروسية الأوكرانية. 

أمريكا تحتاج إلى واقع سياسي جديد في ليبيا يسمح بتواجدها في الجنوب الليبي، لتحقيق هذه الأولويات، وفي الوقت ذاته تقوية مساعي الحرب على الإرهاب، الذي قد يستخدم الفراغ  الأمني في الجنوب الليبي ودول الجوار لتشكيل تهديد على مصالح أمريكا. 

لذلك لربما نرى قريبا إعادة هيكلة الجيش بقرار من المجلس الرئاسي القائد الأعلى للجيش الليبي، ويكون هناك مجلس عسكري ورئاسة أركان موحدة وربما مناطق عسكرية تتبع للمجلس الرئاسي مباشرة.

ما مستقبل الحكومتين القائمتين الآن في ليبيا، في ظل التقارب بين مجلسي الدولة والنواب، خاصة بعد الحديث عن خارطة طريق جديدة؟


لست متأكدا من أن المجلسين سيتمكنا من التوافق على خارطة طريق، لكن الأمر الوحيد الذي قد يتفقان عليه هو تشكيل حكومة مصغرة، مدعومة من قبل الجيش بشكله الجديد، ومرحب بها من قبل الدول الكبرى، التي بدأت تتحدث عن هذه الحكومة الموحدة. وفي حالة فشل المجلسين في تشكيل هذه الحكومة، الأنظار ستتجه إلى المجلس الرئاسي للقيام بذلك.

هناك اقتراح لإحالة المواد الخلافية في الوثيقة الدستورية للاستفتاء الشعبي، هل تتوقع أن يصوت الشعب ضد ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية؟


إذا عرض الأمر على الشعب الليبي فإنه لن يسمح بترشح العسكريين ولا مزدوجي الجنسية، ولكن في الوقت ذاته لن تجري انتخابات في ليبيا تقصي حفتر، طالما أنه على قيد الحياة، ويملك القوة الخشنة التي تأتمر بأمره.

كثر الحديث خاصة من معسكر الشرق عن ضرورة التقاسم العادل لعوائد الثروة بين الأقاليم الثلاثة، باعتبار أن هذا الموضوع أحد أسباب الأزمة.. ما خلفيات هذه المطالب وواقعيتها؟


النظام الإداري السياسي في ليبيا مجحف للشرق وللجنوب. طرابلس ليست ليبيا ولا يجب أن يستمر هذا النظام المركزي المقيت الذي همش كل ليبيا بما فيها طرابلس. ليبيا رقعة جغرافية كبيرة بحاجة إلى إدارة هذه الموارد -وليس تقسيمها- لتستفيذ منها المناطق المنتجة للنفط والغاز والتي يمر بها أو تلك التي يصدر عبر موانيها. يجب أن تدار هذه الموارد وفق خطة تحقق الرفاهية والتنمية المستدامة لكل ربوع ليبيا.
التعليقات (0)