مع التطور التكنولوجي الذي يشهده العالم، أصبحت الرقائق الإلكترونية محور
صراع جديد بين الولايات المتحدة والصين، أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، باعتباره عنصرا جوهريا في كل الأجهزة الإلكترونية، من الهواتف الذكية إلى الأسلحة والمعدات العسكرية.
وتقع هذه الأجزاء الصغيرة من السيليكون في قلب صناعة تبلغ قيمتها 500 مليار دولار، ومن المتوقع أن تتضاعف بحلول عام 2030، حيث تسعى كل من واشنطن وبكين إلى التحكم في سلاسل التوريد، التي تضم الشركات والبلدان التي تصنع
الشرائح، من أجل الهيمنة على السوق العالمي.
في الوقت الحالي، تنتصر الولايات المتحدة، لكن حرب الرقائق التي أعلنتها على
الصين تعيد تشكيل الاقتصاد العالمي.
وخلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أعلنت واشنطن عن بعض من أوسع قيود التصدير حتى الآن، بحيث باتت الشركات التي تنوي تصدير هذه الرقائق إلى الصين ملزمة بالحصول على تراخيص تصدير. وشملت القيود الرقائق التي يتم إنتاجها باستخدام معدات أو برامج كمبيوتر أمريكية، بغض النظر عن مكان صنعها في العالم.
كما تمنع القيود المواطنين الأمريكيين وحاملي بطاقة الإقامة الخضراء من العمل في بعض شركات الرقائق الصينية، من أجل قطع الطريق أمام الصين للوصول إلى القدرات الأمريكية، ما سيؤثر على قدرتها على تطوير أشباه الموصلات المتطورة.
تُستخدم الرقائق المتطورة لتشغيل أجهزة الكمبيوتر السوبر ومعدات الذكاء الاصطناعي والتجهيزات العسكرية، فيما تقول الولايات المتحدة إن استخدام الصين للتكنولوجيا يشكل تهديدا لأمنها القومي.
ويُعدّ تصنيع أشباه الموصلات أمرا معقدا، فعلى سبيل المثال يحتوي جهاز هاتف آي فون على شرائح تم تصميمها في الولايات المتحدة، وتم تصنيعها في تايوان أو اليابان أو كوريا الجنوبية، ثم تم تجميعها في الصين. ويمكن للهند، التي تستثمر أكثر في هذه الصناعة، أن تلعب دورا أكبر في المستقبل.
وبصفة عامة، يتم تصنيع معظم شرائح العالم حاليا في تايوان، ما يمنح هذه الجزيرة، التي تتمتع بالحكم الذاتي، ما يسميه رئيسها "درع السيليكون"، أو بعبارة أخرى، الحماية من الصين، التي تطالب بالإقليم.
تم اختراع أشباه الموصلات في الولايات المتحدة، ولكن مع مرور الوقت ظهرت شرق آسيا كمركز تصنيع، إلى حد كبير؛ بسبب الحوافز الحكومية، بما في ذلك الإعانات.
وسمح ذلك لواشنطن بتطوير علاقات تجارية وتحالفات استراتيجية في منطقة كانت عرضة للنفوذ الروسي خلال الحرب الباردة. وهذا التحالف مفيد الآن بنفس القدر، في مواجهة نفوذ بكين المتزايد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
ويتواصل السباق لصنع أفضل الشرائح وأكثرها كفاءة على نطاق واسع، وكلما كانت أصغر، كان ذلك أفضل. ويكمن التحدي في عدد الترانزستورات، وهي مفاتيح كهربائية صغيرة يمكنها تشغيل التيار أو إيقاف تشغيله.
وفي إجابة عن إمكانية تركيب أصغر جزء من شريحة السيليكون، قال جيو وانغ ، الشريك في مؤسسة باين آند كومباني في وادي السيليكون لـ"بي بي سي"، إن "ما تسميه صناعة أشباه الموصلات بقانون مور، حيث تتضاعف كثافة الترانزستور بمرور الوقت، هدف صعب التحقيق".
وأضاف قائلا: "إن ذلك ما يمكن هواتفنا من أن تصبح أسرع، ويصبح أرشيف الصور الرقمية لدينا أكبر، كما تصبح أجهزتنا المنزلية الذكية أكثر ذكاءً بمرور الوقت، ومحتوى الوسائط الاجتماعية لدينا يصبح أكثر ثراءً".
ولا يُعد الوصول إلى هذه المرحلة بالأمر السهل حتى بالنسبة لكبار صانعي الرقائق. في منتصف عام 2022، أصبحت سامسونغ أول شركة تبدأ في إنتاج كميات كبيرة من شرائح ثلاثية النانومتر على نطاق واسع. في وقت لاحق من ذلك العام، تبعتها شركة تايوان سيميكونداكتور الصناعية (تي إس إم سي) - أكبر صانع للشرائح في العالم، ومورد رئيسي لشركة آبل.
في المقابل، جعلت بكين أيضا إنتاج الشرائح أولوية وطنية، وتستثمر بقوة في أجهزة الكمبيوتر العملاقة والذكاء الاصطناعي، حيث يقول ميلر إنها لم تقترب من أن تكون رائدة عالميا، لكنها لحقت بالركب بسرعة في العقد الماضي، لا سيما في قدرات تصميم الرقائق.
وأضاف قائلا: "ما تجده تاريخيا هو أنه كلما امتلكت الدول القوية تكنولوجيا حوسبة متقدمة، فإنها تطبقها في أنظمة استخباراتية وأنظمة عسكرية".
من جهته، قال الرئيس الصيني شي جينبينغ في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي: "سنركز على الاحتياجات الاستراتيجية الوطنية، ونجمع القوة لإجراء البحوث العلمية والتكنولوجية المحلية والرائدة، وسننتصر بحزم في معركة التقنيات الأساسية الرئيسية".
وفي ظل المنافسة مع الصين، تسعى الولايات المتحدة لصنع المزيد من الشرائح، حيث يقدم قانون الرقائق والعلوم 53 مليار دولار من المنح والإعانات للشركات التي تصنع أشباه الموصلات في أمريكا.
ويستغل اللاعبون الرئيسيون ذلك، حيث تستثمر شركة" تي إس إم سي" في مصنعين بقيمة 40 مليار دولار في الولايات المتحدة، وليس لدى الشركة خارج تايوان منشآت أخرى.
اظهار أخبار متعلقة
وأعلنت شركة "ميكرون"، أكبر شركة مصنعة لرقائق الذاكرة، وهي ضرورية لأجهزة الكمبيوتر العملاقة والأجهزة العسكرية وأي جهاز به معالج ومقرها الولايات المتحدة، عن خطط لإنفاق ما يصل إلى 100 مليار دولار على مدار العشرين عاما القادمة في مصنع إنتاج شرائح الكمبيوتر في شمال نيويورك.
ويقول سانجاي ميهروترا، الرئيس التنفيذي لشركة ميكرون تكنولوجي: "قانون الرقائق قادر على سد فجوة تكلفة الإنتاج بين الولايات المتحدة وآسيا، وستستمر شركة ميكرون في الاستثمار في مصانعها في آسيا. المهم هو أنه سيكون هناك مجال متكافئ في جميع أنحاء العالم".