نشر موقع "كاونسل أوم فورين ريلايشنس" تقريرًا تحدّث فيه عن قيام الولايات المتحدة والدول
الغربية بإعادة تقييم لوائح
الاستثمار الأجنبي في خضم تنامي اهتمام
الصين بالقطاعات الاستراتيجية. وعادة ما ترتبط المخاوف المتعلقة بالمعاملات الأجنبية بعمليات الاندماج والاستحواذ على الشركات المحلية بدلاً من الاستثمارات الجديدة.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن الولايات المتحدة تعتبر أكبر مستثمر أجنبي مباشر في العالم وأكبر مستفيد منه، ولكن مثل كل دولة ذات سيادة، فقد سعت إلى تخفيف احتضانها للأسواق المفتوحة عبر حماية مصالح أمنها القومي؛ حيث إن تحقيق هذا التوازن يعني فرض قيود معينة على الاستثمار الخارجي في القطاعات الحساسة استراتيجيًا للاقتصاد الأمريكي.
وأوضح الموقع أن لجنة الاستثمار الأجنبي تأسست في الولايات المتحدة سنة 1975، وهي لجنة قوية مشتركة بين الوكالات تقوم بفحص المعاملات الأجنبية مع الشركات الأمريكية بحثًا عن مخاطر أمنية محتملة، وقد وسع المشرعون صلاحيات اللجنة في سنة 2018 في خضم تنامي الاستثمار الصيني. وفي سنة 2022؛ أصدر الرئيس جو بايدن المجموعة الأولى من المعايير المحددة للجنة لتحديد تهديدات الأمن القومي. وفي غضون ذلك، تقوم باقي الدول الغربية بتشديد رقابتها على الاستثمارات الأجنبية.
اظهار أخبار متعلقة
كيف تستفيد الولايات المتحدة من الاستثمار الأجنبي؟
وذكر الموقع أن واشنطن قادت تقليديًا الجهود الدولية لإزالة العوائق أمام تدفقات رأس المال عبر الحدود بهدف توسيع فرص الاستثمار للشركات الأمريكية متعددة الجنسيات وإنشاء نظام دولي أكثر استقرارًا وفعالية. وتعتمد الولايات المتحدة بشكل كبير على التدفقات الأجنبية لتعويض النقص في المدخرات المحلية، وهي تُصنّف من بين الوجهات الأكثر تفضيلًا للمستثمرين الأجانب المباشرين، كما يلعب الاستثمار الأجنبي المباشر دورًا مهمًا متناميا في الاقتصاد الأمريكي.
ما هي المخاوف بشأن الاستثمار الأجنبي؟
ووفق الموقع؛ فعادة ما ترتبط المخاوف المتعلقة بالمعاملات الأجنبية بعمليات الاندماج والاستحواذ على الشركات المحلية بدلاً من الاستثمارات الجديدة، وقد أصدرت حكومة الولايات المتحدة تشريعات تمكن الوكالات الفيدرالية من مراجعة الصفقات الأجنبية التي يمكن أن تتسبب في الاستعانة بالعمالة الأجنبية، أو فقدان السيطرة على سلاسل التوريد الزراعية، أو مشاركة التكنولوجيات الحساسة، أو إضعاف البنية التحتية الحيوية.
وأشار الموقع إلى أن العديد من الخبراء الاقتصاديين يحذرون من أن فرض قيود صارمة على تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر يمكن أن يدفع الدول الأخرى إلى تبني سياسات انتقامية. ولتجنب ذلك؛ وقع 38 عضوًا في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إلى جانب 12 دولة غير عضو، على التزام غير ملزم بمعاملة الشركات التي تسيطر عليها جهات أجنبية على أراضيها على نحو لا يقل تفضيلًا عن الشركات المحلية.
ومع ذلك؛ فإن الحكومات تُمنح بموجب هذه الاتفاقية مجالًا واسعًا لإعفاء قطاعات من اقتصاداتها تعتبر ضرورية للأمن القومي، وتحدد البلدان هذه "البنية التحتية الحيوية" بطرق مختلفة، ولكن معظم التعريفات تشمل الخدمات والأصول التي سيكون لها تأثير سلبي كبير على اقتصاد الدولة أو الأمن القومي.
اظهار أخبار متعلقة
ونقل الموقع عن خبيري الاستثمار الدوليين، آلان لارسون وديفيد ماركيك، أن ملكية الدولة للشركات متعددة الجنسيات غالبًا ما تكون غير ضارة. ومع ذلك؛ فقد لاحظا أن المخاوف تنشأ "عندما تصبح قرارات الشركة الأجنبية امتدادًا لقرارات سياسة الحكومة بدلاً من المصالح التجارية للشركة".
كيف تطورت مراجعة الاستثمار الأجنبي؟
أفاد الموقع بأن الرقابة الفيدرالية على الاستثمار الأجنبي قد تطورت بمرور الوقت، وذلك غالبًا استجابة للظروف الاقتصادية والأمنية المتغيرة؛ فقد أنشأ الرئيس جيرالد فورد لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة في سنة 1975 في خضم الاستثمارات المتزايدة من قبل أعضاء منظمة أوبك في الولايات المتحدة، والتي اعتبرها العديد من صانعي السياسة مشبوهة.
ومع ذلك؛ شعر الكثير في واشنطن أن هيئة الرقابة لم تفِ بالتزاماتها. وفي سنة 1988؛ عزز الكونغرس عملية مراجعة لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة من خلال تمرير تعديل "إكسون فلوريو" لقانون الإنتاج الدفاعي لسنة 1950. وكما حدث في العقد السابق، نشأ التعديل بسبب المخاوف التي أثيرت بشأن الاستثمار الأجنبي المتزايد في الصناعات الأمريكية الحساسة؛ حيث حوّل تعديل "إكسون فلوريو" لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة إلى هيئة مراجعة قوية ومنح الرئيس صلاحيات واسعة لدرء الاستحواذ الأجنبي على أسس "الأمن القومي".
وتابع الموقع قائلًا إنه تم تعديل إجراءات لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة مرة أخرى بموجب قانون الاستثمار الأجنبي والأمن القومي لسنة 2007، والذي مُرّر في أعقاب فضيحة موانئ دبي العالمية في آذار/ مارس 2006.
وفي سنة 2022؛ وقع بايدن أمرًا تنفيذيًا يقدم أول تعبير صريح عن مخاطر محددة يجب على لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة مراعاتها، وقد حدد الأمر خمسة معايير لمراجعة أي صفقة محتملة، والتي تشمل التأثير على سلاسل التوريد الأمريكية، والتأثير على القيادة الأمريكية في مجال التكنولوجيات المتقدمة، وكيفية وضع الصفقة ضمن اتجاهات الاستثمار في الصناعة، ومخاطر الأمن السيبراني التي يمكن أن تنشأ عن الصفقة، والمخاطر التي تهدد بيانات الأمريكيين الشخصية.
اظهار أخبار متعلقة
ما هو الدور الذي لعبه تنامي الاستثمار الصيني؟
ولفت الموقع إلى تزايد مخاوف المشرعين والمسؤولين الأمنيين بشأن نمو الاستثمارات الصينية في الشركات الأمريكية، والتي بلغت قيمتها الإجمالية أكثر من 180 مليار دولار منذ سنة 2005. وقد شجبت الإدارات الأمريكية المتعاقبة سياسة "صنع في الصين 2025" الصناعية، والتي تعزز من خلالها بكين الاستثمار الصيني في التكنولوجيا الأجنبية والشركات لتطوير قطاع التصنيع عالي التقنية في الصين بسرعة. وفي سنة 2022، أدرك بايدن أن "بعض البلدان تستخدم الاستثمار الأجنبي للوصول إلى البيانات والتقنيات الحساسة لأغراض تضر بالأمن القومي الأمريكي".
وقال الموقع زن لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة وسّعت نطاق تدقيقها في السنوات الأخيرة، مما جعل المزيد من الصفقات خاضعة لاختصاصها. وفي سنة 2016، وسعت الوكالة عملية المراجعة الخاصة بها لتطبيق المزيد من الرقابة على ما يسمى بالمعاملات غير المبلغ عنها.
وبحسب الموقع، فقد أقر الكونغرس في سنة 2018 قانون تحديث مراجعة مخاطر الاستثمار الأجنبي، والذي وصفه العديد من الخبراء بأنه أهم إصلاح لسلطات الوكالة منذ سنة 1988. ويسمح هذا القانون للجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة بمراجعة مجموعة واسعة من الصفقات. كما أنه يطيل فترة المراجعة، ويمنح لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة مساحة أكبر لتعليق الصفقات.
وفي حين أن التشريع لم يستهدف بكين بالاسم، فقد تراجع الاستثمار الصيني في الولايات المتحدة منذ أن أصبح قانونًا. وفي غضون ذلك، يشعر المتشككون في الإصلاحات بالقلق من أنها قد تثقل كاهل لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، وتعيق القدرة التنافسية للشركات الأمريكية، وتضعف ديناميكية قطاع التكنولوجيا.
وعلى حد تعبير جون بيتمان من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، فإن السياسات التي تقيد الاستثمار الصيني في الولايات المتحدة "يمكن أن تكون مكلفة وغير دقيقة وغير مجدية حتى".
اظهار أخبار متعلقة
كيف تعمل عملية مراجعة لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة؟
تعمل لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة وفقًا لتقدير الرئيس ويرأسها وزير الخزانة. وهي تضم رؤساء وزارة التجارة والدفاع والطاقة والأمن الداخلي والعدل، بالإضافة إلى الممثل التجاري للولايات المتحدة ومدير مكتب سياسة العلوم والتكنولوجيا.
وأوضح الموقع أنه قبل إقرار قانون تحديث مراجعة مخاطر الاستثمار الأجنبي؛ راجعت لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة كل اندماج أو استحواذ ينتج عنه "سيطرة أجنبية على أي طرف منخرط في التجارة الداخلية في الولايات المتحدة"، فقبل التقديم الرسمي؛ تشجع اللجنة الأطراف في أي صفقة أجنبية قد يكون لها آثار أمنية على التشاور مع موظفي لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة بشكل سري لتحديد ومعالجة المخاوف المحتملة. وبمجرد تقديم إخطار رسمي، تقوم لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة بمراجعة الصفقة المقترحة لمدة تصل إلى 45 يومًا، وخلال هذه الفترة يمكنها طلب معلومات إضافية وتقديم ملاحظات إلى الأطراف.
وتحتاج لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة والأطراف المتعاملة في بعض الأحيان إلى التفاوض على اتفاقية لمعالجة أي مخاوف تتعلق بالأمن القومي. وبعد فترة التحقيق؛ يمكن للجنة أن تقدم توصية سلبية إلى الرئيس، الذي أمامه مهلة 15 يومًا لاتخاذ قرار.
ويمتلك الرئيس صلاحية إلغاء الصفقة فقط، ولكن ينبغي استيفاء شرطين مسبقًا، أولا يجب أن يكون لدى الرئيس "دليل موثوق" على أن الصفقة ستضر بالأمن القومي ويجب أن يقرر أن القوانين الأمريكية الحالية غير كافية لحماية الأمن القومي.
كم مرة تقوم لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة بمراجعة الاستثمارات الأجنبية؟
ذكر الموقع أنه منذ الأزمة المالية العالمية لسنة 2008؛ ارتفع عدد الشركات التي تسجل صفقات لدى لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة بشكل مطرد، من 65 شركة في سنة 2009 إلى 272 في سنة 2021، ومنذ إنشاء لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة؛ ألغى الرؤساء الصفقات في خمس مناسبات فقط، على الرغم من انسحاب الشركات من الصفقات التي اعتبروها من غير المرجح أن تفوز بموافقة لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة.
اظهار أخبار متعلقة
كيف تقارن سياسات الولايات المتحدة بشأن الاستثمار الأجنبي مع بقية دول العالم؟
في السنوات الأخيرة؛ قامت مختلف دول العالم بإعادة تقييم أنظمة الرقابة الخاصة بها وتشديدها في كثير من الأحيان، وقام معظمهم، وفق الموقع، بتوسيع نطاق ما يعتبر "حساسًا للأمن القومي" ليشمل الطاقة والاتصالات السلكية واللاسلكية والبنية التحتية والرعاية الصحية.
ومثل الولايات المتحدة؛ عززت الحكومات الأخرى عملية فحص الاستثمار الأجنبي، حيث أصبحت أكثر قلقًا بشأن المستويات القياسية لنشاط الاستحواذ الصيني، والذي يستهدف بشكل أساسي قطاعي الصناعة والتكنولوجيا.
ويبين الموقع أنه في أوروبا؛ بدأت فرنسا في طلب موافقة الدولة على معظم المناقصات الأجنبية في سنة 2014، وتبعتها ألمانيا - الوجهة الاستثمارية الأولى للصين في أوروبا - بعد فترة وجيزة، فيما أصدرت المملكة المتحدة قانون الأمن القومي والاستثمار في سنة 2021، والذي يمنح المسؤولين الحكوميين القدرة على مراجعة الصفقات في قطاعات معينة.
بالإضافة إلى ذلك؛ منع أعضاء الاتحاد الأوروبي الشركات الصينية من الاستحواذ على العديد من الشركات، بما في ذلك شركات نقل الكهرباء وشركات تصنيع الرقائق المتطورة.
واختتم الموقع تقريره بالقول إنه نتيجة لذلك؛ تراجعت عمليات الاندماج والاستحواذ الصينية التي تستهدف أوروبا، حيث انخفضت بنسبة 74 بالمئة على أساس سنوي في الربع الأول من سنة 2022، بحسب قيمة الصفقة.