ثمة، من جانب أوّل، أوريت ستروك وزيرة المهام
الوطنية في حكومة بنيامين
نتنياهو السابعة والثلاثين وعضو الكنيست عن حزب
“الصهيونية الدينية” الذي يترأسه بتسلئيل سموتريتش؛ وزير المالية، الوزير الإضافي
في وزارة الأمن، ثاني صقور الكنيست والحكومة، الأشهر في التطرّف والنزوع الفاشي
بعد إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي وعضو الكنيست وزعيم حزب “القوة اليهودية”.
ستروك، الحليفة المقرّبة من نتنياهو، افتتحت نشاطها في الكنيست بتصريح أرادته
مدوياً وصارخاً وجاذباً للانتباه والضجيج: سوف نعيد النظر في التشريع الخاصّ بعدم
التمييز، بما يتيح للمشافي عدم استقبال المثليين.
ثمة، على الجانب الثاني، أمير أوحانا الذي
انتُخب رئيساً للكنيست من موقعه في عضوية حزب الليكود، والذي لم يتورّع عن إعلان
مثليته وأنه يعيش مع شريكه ولديهما توأم بالتبنّي، كما أنه يترأس مجموعة مثليي
الجنس في الحزب؛ وهو، إلى هذا، عامل سابق في جهاز استخبارات الـ”شاباك”، وله فصول
عنف دامية في رئاسة حاجز كارني على تخوم غزّة. أوحانا لم ينصت إلى وعيد ستروك
بحرمان أمثاله من دخول المشافي، وحدها؛ بل توجب أن يصغي كذلك إلى تهديدات أفي
ماعوز صاحب المواقف الأكثر تشدداً ضدّ المثليين، خاصة وأنه اليوم وزير بالنيابة
يترأس سلطة جديدة تدعى “الهوية اليهودية الوطنية”، ويُغضبه كثيراً أن تحمل تلك الهوية
امرأة مثلية، فكيف برجل على رأس الكنيست.
هذه، وسواها من تفاصيل أخرى كثيرة، لا تضيف
جديداً إلى افتراض شاع واستقرّ واعتُمد بعد انتخابات الكنيست الأخيرة، في أنّ
الحكومة التي شكّلها نتنياهو هي الأكثر يمينية وتطرفاً في تاريخ دولة
الاحتلال؛
لكنها، في بُعد آخر ليس أقلّ أهمية وقد يكون أعلى دلالة، تذكّر بأنّ سلسلة من
التناقضات المستعصية، الصريحة أو حتى الفاضحة، لا تبدّل ما هو جوهري وراسخ ومثبَّت
في علاقة أصدقاء الكيان الصهيوني بهذه “الدولة”، أو ما تبقى منها في مستوى
المؤسسات والقوانين والحقوق؛ أو في حجم مساندتهم العمياء لكلّ ما هو عدواني
واستيطاني وهمجي، ثمّ انعزالي وعنصري وفاشي، تنقلب إليه هذه التي يواصلون تسميتها
“واحة الديمقراطية” في الشرق الأوسط.
ولعلّ المثال الأوضح، لأنه أيضاً الأشدّ صفاقة،
ما صرّح به الرئيس الأمريكي جو بايدن تعليقاً على متغيرات دولة الاحتلال الأخيرة،
من أنّ الولايات المتحدة “تتطلع” إلى العمل مع حكومة نتنياهو الجديدة، وفي الآن
ذاته تحذّر من اتخاذ سياسات “تتناقض مع مصالحنا وقِيَمنا المشتركة”. هل في تلك
الحزمة، من المصالح والقيم، أن يهدد يائير نتنياهو بأنّ الذين تسببوا في اقتياد
أبيه إلى المحاكم (بتُهم فساد متعددة!) يستحقون عقوبة الإعدام؟ أم في عدادها أن
يلوّح وزير العدل الإسرائيلي الجديد بإحالة المحكمة العليا إلى رفوف أحكام
التوراة، وإبطال مبدأ “السببية” أو انعدامها، الذي يمكن للمحكمة أن تلجأ إليه
للبتّ في حقوق أساسية مثل عدم التمييز بين التلاميذ في المدارس؟ أم أنّ الحزمة
إياها تبيح تعيين أرييه درعي وزيراً للداخلية، هو المدان جنائياً، وسُجن سنتين
بتهمة الفساد، كما أُدين بالتهرب الضريبي مطلع العام المنصرم، ولم يفلت من العقاب
إلا بعد توقيع تعهد بعدم شغل أيّ منصب عام؟
والحال أنّ سلسلة التطوّرات السياسية
الإسرائيلية الداخلية التي أعقبت توقيع اتفاقيات أوسلو (اغتيال رابين، انتخاب
نتنياهو في غمرة تحقير شمعون بيريس، انتخاب إيهود باراك وتحقير نتنياهو، انتخاب
شارون وتحقير باراك، ثمّ انتخاب نتنياهو وتحقير “كاديما” وباراك معاً، وصولاً إلى
انتخاب نتنياهو وتحقير ثنائي يائير لبيد/ بيني غانتس…)؛ لم تكن إلا سبيل
الإسرائيليين للتأكيد على أنّ ما تبقى من “الدولة” ليس سوى العناصر ذاتها التي
واصلت وتواصل ردّها إلى صيغة الكيان البدئي الأوّل، أو راهنه الذي أخذ ينحصر في
شرنقة صهيونية تحثّ الخطى نحو منظومة الأبارتيد.
(القدس العربي)