وجهت
نقابة
الأطباء المصرية رسالة تحذيرية من مغبة استمرار استقالة آلاف الأطباء من القطاع
الصحي الحكومي الذي يعاني من تدني الخدمات والأجور منذ عقود. وتحت عنوان "نقابة الأطباء
تدق ناقوس الخطر"، فإنها دعت إلى ضرورة التدخل الجاد والعاجل لوقف نزيف انهيار المنظومة.
ووصفت
النقابة الإحصاءات والأرقام الواردة في
تقرير لها "بالمفزعة" بعد استقالة
11 ألفا و536 طبيبا من العمل الحكومي خلال سنوات فقط.
وألقت
باللوم على الجهات الحكومية في عدم الالتزام بما جاء في الدراسة التي أصدرتها وزارة
التعليم العالي والبحث العلمي بالتعاون مع وزارة الصحة والسكان عام 2019 والتي تتعلق
باحتياجات مصر للأطباء البشريين بالمقارنة بالمعدلات العالمية.
وذكرت
الدراسة أن أعداد الأطباء البشريين المرخص لهم بمزاولة مهنة الطب حتى آخر عام 2018
بدون الأطباء على المعاش تقدر بـ 212 ألفا و835 طبيبا، بينما من يعملون وقتها فعليًا
في مصر بالجهات المختلفة يبلغ عددهم 82 ألف طبيب فقط بنسبة 38% من القوة الأساسية المرخص
لها بمزاولة مهنة الطب.
وأضافت
الدراسة أنه طبقًا لهذا العدد يكون معدل الأطباء في مصر 8.6% طبيب لكل 10 آلاف مواطن، بينما المعدل العالمي هو 23 طبيبا لكل 10 آلاف مواطن.
وذكرت
النقابة أن الوضع بات أسوء وأن عزوف الأطباء عن العمل بالقطاع الحكومي في تزايد من
أجل
الهجرة خارج مصر، مشيرة إلى استقالة أكبر عدد من الأطباء في عام 2021 حيث استقال
4127 طبيبا، مقارنة باستقالة 1044 طبيبا في عام 2016، أي أنها تضاعفت أربع مرات.
واستقال
934 طبيبا منذ بداية عام 2022 وحتى آذار/ مارس الماضي بحسب آخر الإحصاءات، وبلغ إجمالي
عدد الأطباء المستقيلين في الفترة من 2019 وحتى الربع الأول من 2022 نحو 11 ألفا و
536 طبيبا.
أجور
الأطباء في مصر، بحسب النقابة، هي أقل بكثير من أجور زملائهم في دول مثل صربيا والصومال
والسويد وماليزيا وتركيا وروسيا والسعودية وقطر بمتوسط راتب لا يقل عن 22 ألف جنيه
مقابل 3700 جنيه للطبيب في مصر، ومتوسط معاش الطبيب بعد نحو 35 سنة عمل بالحكومة
2300 جنيه مصري لا غير (الدولار يساوي 24.77 جنيه).
مناخ
وأجور طاردة ومنظومة متهالكة
من
جهته قال منسق لجنة الدفاع عن الحق في الصحة (غير حكومية) الدكتور محمد حسن خليل، إن
"مناخ عمل الأطباء طارد، وهيكل الأجور طارد، ومتوسط أجر الطبيب المصري أقل بكثير
من متوسط الأجور في الكثير من الدول الأفريقية ويأتي في ذيل الأجور، إضافة إلى أن مصروفات
الدراسات العليا مرتفعة".
وأضاف
في تصريحات لـ"عربي21": "بيئة العمل غير آمنة مثل تكرار الاعتداء على
الأطباء، وهناك تشريع يجيز حبس الطبيب، وفي إحدى الوقائع قام وكيل نيابة بحبس 19 طبيبا 45 يوما، وبعد خروجهم من السجن فرغت المستشفى من الأطباء"، مضيفا أن "هناك
أوجها للاستقالة منها الهجرة للخارج، أو العمل بالقطاع الخاص، أو العمل بالخارج، أو
هجر المهنة برمتها".
وعن
أسباب القفزة الأخيرة في أعداد المستقيلين، أرجع الخبير الصحي ذلك إلى "حاجة العديد
من دول العالم مثل بريطانيا إلى أعداد كبيرة من الأطباء بسبب وباء كورونا نتيجة العجز
في عدد الأطباء ما سمح بقبول المزيد من الأعداد".
ورأى
خليل أن حل مشاكل المنظومة الطبية "بيد
الحكومة، فهي القادرة على إزالة كافة المعوقات
أمام قطاع ومهنة الطب من خلال رفع مستوى أجور الأطباء، ومن خلال التزام الحكومة بنسبة
الإنفاق على الصحة بما يتفق مع الدستور، وتعديل إجراءات التعامل مع الأطباء والتهديد
بالحبس".
الهجرة
إلى بريطانيا
كشف
التقرير السنوي للقوى العاملة في بريطانيا، مؤخرا، عن ارتفاع نسبة الأطباء المصريين المهاجرين
إلى بريطانيا بنسبة تزيد على الـ200% منذ عام 2017 حتى عام 2021.
وذكر
التقرير أن 435 طبيبا مصريا هاجروا إلى بريطانيا في عام 2017، وارتفع العدد كل عام
ليصل العام الماضي إلى 1312 طبيبا.
وتأتي
مصر بعد الأردن والسودان في دول الشرق الأوسط بالنسبة لعدد الأطباء المهاجرين إلى بريطانيا، بحسب ما ذكره التقرير.
ما أسباب
تكرار التحذيرات
كانت
نقابة الأطباء أصدرت تقريرا تحذيريا مشابها في نيسان/ أبريل الماضي، وعن أسباب تكرار
مثل تلك النداءات والمناشدات والتحذيرات دون جدوى، قال المشرف العام على مشروع العلاج
لأعضاء نقابات المهن الطبية الدكتور رشوان شعبان: "نحن في نقابة الأطباء لن نكف
عن إصدار التقارير ودق ناقوس الخطر باستمرار مثل القطار الذي يرى خطرا داهما لا يتوقف
عن إطلاق الصافرة حتى تدوي في جميع الأرجاء ويسمعها الجميع".
وأكد
في حديثه لـ"عربي21": "مثل تلك التقارير تتكرر لأن الحكومة لم تأخذ
بها ولم تكترث لها، وإلا كنا تحدثنا عن وجود تحسن في منظومة الصحة أو أوضاع الأطباء،
وهذه التحذيرات المتكررة رسائل للحكومة والمسؤولين والمواطنين من أجل توعيتهم والتذكير
بوجود سياسات تؤدي إلى هجرة الأطباء بل وتشجعهم على الهجرة".
وأشار
رشوان إلى أن "الأمر يبدو مستحيلا لتصويب الأوضاع ولكنه ممكن ومتاح؛ الأمر لا
يتعلق بزيادة الأجور فقط، بل يتسع ليشمل تحسين وتطوير المنظومة الطبية وقوانينها وتقديم
خدمات تليق بالمواطن المصري، وتوفير معدات وأجهزة ودورات تدريبية في المستشفيات، وبيئة
عمل مشجعة وآمنة، وحمايتهم من الاعتداءات المتكررة إلى جانب معالجة أزمة الأجور المتدنية
التي لا تليق بوضع الطبيب".
وبشأن "متى تهتم الحكومة بتحسين الوضع الصحي في القطاع العام؟"، فيعتقد عضو مجلس نقابة الأطباء
أنه "عندما يعالج المسؤولون وكبار الشخصيات في المستشفيات المصرية فإنهم سوف يهتمون بالأطباء والمنظومة الطبية، ولكننا نجد في فترة من الفترات قيام وزير صحة سابق بإجراء
عملية جراحية بالخارج وهو وزير لمنظومة صحية في أكبر بلد عربي يخرج أطباء، ولا يوجد
معنى لذلك سوى أن الوزير نفسه لا يثق في منظومته الصحية".