قال الخبير الدولي في مجال المياه الدولية المشتركة، أحمد المفتي، إن "استمرار الوضع الحالي لأزمة
سد النهضة هو
قنبلة موقوتة سوف تنفجر حتما طال الزمن أم قصر، لأنه إذا قبلت الحكومات الآن بهذا الوضع غير السليم، فإن الشعوب التي سيزداد تضررها مع مرور الأيام ,سوف تقول كلمتها".
وأشار الخبير
السوداني في مقابلة خاصة مع "عربي21"، إلى أنه "بعد اكتمال الملء الرابع لسد النهضة فسيسوء الوضع أكثر مما كان بعد الملء الثالث، وهكذا الحال بعد أي ملء آخر، إلا إذا جاءت فيضانات كبيرة تحافظ على الوارد من المياه".
اظهار أخبار متعلقة
واستنكر المفتي، وهو المستشار القانوني لوفد السودان إلى مفاوضات دول حوض النيل في الفترة 1995- 2012، ما وصفه بـ"استسلام السودان ومصر للواقع الذي فرضته إثيوبيا بإرادتها المنفردة".
وحول تقييمه للمواقف الدولية من تطورات أزمة سد النهضة، أضاف أن "العالم المؤثر مرتاح لهذا الوضع الحالي، ولن يتحرك مطلقا، لأن أصحاب الشأن مُستسلمون إلا من بعض المطالبات غير الجادة باتفاق مُلزم وفقط، وبالتالي فإنهم من الطبيعي أن يراقبوا الوضع ولا يحركون ساكنا" .
وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
كيف ترى ما وصلت إليه أزمة سد النهضة اليوم في ظل الجمود الحالي؟
استسلام من جانب السودان ومصر للواقع الذي فرضته إثيوبيا بإرادتها المنفردة، والعالم المؤثر مرتاح لهذا الوضع، ولن يتحرك مطلقا، لأن أصحاب الشأن مُستسلمين إلا من بعض المطالبات غير الجادة باتفاق مُلزم وفقط، وإذا سألنا السودان ومصر عن مضمون ذلك الاتفاق سوف نجده ينصب فقط على القواعد والخطوط الإرشادية للملء والتشغيل، وذلك وحده لا يحفظ حقوقهما المائية.
برأيكم، ما هو العمر الافتراضي لسد النهضة؟ وهل تراكم الطمي حول خزان سد النهضة يُهدّد بتناقص مخزونه المائي الحالي والمستقبلي، كما يُقال؟
أنا قانوني ولا دراية لي بالأمور الهندسية، لكن أعتقد أن عمره الافتراضي مثله مثل السدود الأخرى يؤثر عليه ما يُقال عن عيوب التربة، والموقع، والمواد المُستخدمة، وعدم استكمال مطلوبات أمان السد.
وأعتقد أن تراكم الطمي يُقلل من سعته كما يحدث للسدود السودانية وغيرها، ودرجة التراكم تتحكم فيها عوامل عديدة تختلف من سد إلى آخر.
مصر أعلنت عن بدء الملء الأول لسد تنزاني تشيده القاهرة منذ نحو 4 أعوام بهدف تخزين المياه وتوليد الكهرباء.. فهل هذا السد له علاقة -بشكل أو بآخر- بأزمة سد النهضة؟
علاقته أنه سوف يبيع الكهرباء، وبالتالي فهو ينافس كهرباء سد النهضة.
وما تقييمكم لموقف تنزانيا من هذه الأزمة؟
تنزانيا كانت من أشد الدول حماسا لسريان اتفاقية عنتيبي من دون السودان ومصر، ولذلك فأعتقد أنها من أكثر المتحمسين لسد النهضة، بحسب وجهة نظر إثيوبيا، ولكن مع تشييد مصر لسد هناك فإن ذلك قد يقلل ذلك من تعاطفها مع سد النهضة.
لماذا لم يشعر المواطنون السودانيون والمصريون بآثار أزمة سد النهضة خاصة أن كل عمليات الملء السابقة مرت دون أي انعكاسات واضحة؟
قلة الوارد من المياه، وهو أهم الآثار، عوضته ضخامة الفيضانات التي حدثت مؤخرا لدرجة أن مصر صرفت كميات عبر مفيض توشكي، وهنالك آثار سلبية حدثت على السودان، ولكن لم يتم الوقوف عندها بسبب موقف السودان، ومنها على سبيل المثال أن السودان لم يتحصل بأسعار رمزية على جزء من الكهرباء التي تولّدت من السد، حسبما كان يُقال .
متى سيشعر السودان ومصر بخطورة أزمة سد النهضة؟
عندما تقل المياه الواردة، وعندما تصبح الأضرار البيئية ملموسة، وهي تراكمية. وعندما لا يغمر الفيضان الجروف، وعندما تظهر الآثار الاجتماعية السالبة مثل تهجير السكان، وعندما يستيقن المواطن أن إثيوبيا لا تلتزم بتعويض الضرر الملموس، وعندما لا يحصل السودان على كهرباء زهيدة الثمن كما فهم المواطن. وعندما -لا قدر الله- يحدث انهيار كلي أو جزئي للسد. وعندما يحتاج السودان إلى مياه أكثر من نصيبه الحالي ليصبح سلة غذاء العالم، ولا يجد تلك المياه أو تشترط إثيوبيا بيعها له.
ماذا بعد اكتمال الملء الرابع لسد النهضة؟
سيسوء الوضع أكثر مما كان بعد الملء الثالث، وهكذا بعد أي ملء آخر، إلا إذا جاءت فيضانات كبيرة تحافظ على الوارد. أما بقية الآثار الأخرى فستسوء أكثر مع زيادة التخزين.
ما تقييمكم للمواقف الإقليمية والدولية من تطورات أزمة سد النهضة؟
ما دام السودان ومصر مُستسلمين للأمر الواقع الذي فرضته إثيوبيا، وليس لهما إلا مطالب خجولة باتفاق مُلزم فإنهم من الطبيعي أن يراقبوا الوضع ولا يحركون ساكنا.
برأيكم، هل هناك حلول عملية وواقعية لقضية سد "النهضة" المتجمدة منذ أكثر من عام؟
الحل عندي هو أن يبدأ السودان ومصر باتخاذ مواقف تختلف تماما عن كل المواقف التي اتخذاها منذ العام 2011، والتي كانت نتيجتها الوضع الحالي، وتبدأ تلك المواقف بالمطالبة بالأرض التي يُقام عليها السد، لأنها أرض سودانية مُنحت لإثيوبيا بموجب اتفاقية 1902، بشرط أن لا تعترض إثيوبيا تدفق نهر السوباط والنيل الأزرق وبحيرة تانا، إلا بموافقة حكومة السودان.
وقد ثبت الآن أن إثيوبيا تعترض تدفق المياه، على الرغم من مطالب السودان المعقولة والمنصفة بأن يتم ذلك بموافقة الطرفين، ثم اتخاذ كل ما يلزم من خطوات عملية تؤكد جدية تلك المطالبة. ليس من أجل حرمان إثيوبيا من حقها في إقامة السد، ولكن من أجل أن يكون ذلك بما يحفظ حقوق كل الأطراف، بل ومن أجل تكامل اقتصادي بين الأطراف الثلاثة يُعظّم استفادة كل منهم.
وأعتقد أن الجمود سوف ينتهي إذا ما اتخذ السودان ومصر تلك المواقف القوية، لأن استمرار الوضع الحالي في اعتقادي هو قنبلة موقوتة سوف تنفجر حتما طال الزمن أو قصر، لأنه إذا قبلت الحكومات الآن هذا الوضع غير السليم، فإن الشعوب التي سوف يزداد تضررها مع مرور الأيام سوف تقول كلمتها في يوم من الأيام.
لكن هل باتت هناك خيارات أخرى لا تزال متاحة أمام السودان ومصر؟
الخيارات المتاحة ذكرتها آنفا. أما اقتصار مواقف السودان ومصر على قبول الأمر الواقع فإنه أمر لن يدوم طويلا، وسوف يكون هو السبب في حدوث أمور تضر بكل الأطراف.
وبالتالي، ما الذي ستنتهي إليه أزمة سد النهضة؟
إما اتباع الموقف الذي اقترحته أو أن حال السودان ومصر سيصبح مثل حال بعض الدول التي فرّطت في اتخاذ الموقف المناسب في الوقت المناسب، والآن هي تستجدي المياه التي كانت تستمتع بها فيما مضي، وغير معلوم كيف سوف يتطور ذلك الأمر، واستخدامات المياه في ازدياد مستمر، ولكن من المؤكد سوف يحدث توتر كبير في العلاقات بين الدول المعنية لا يعلم مداه إلا الله.
وكلمة أخيرة أقولها، وهي أن مشاكل المياه تزداد مع مرور الأيام، وكلما تأخر الحل كلما كان أكثر صعوبة، لأن الاستخدامات تزيد وكميات المياه لا تزيد، ولذلك من الأفضل حلها اليوم قبل الغد.
ولقد تلكأت دول حوض النيل في حل مشاكل المياه، حيث أنشأت بعضها مشروع "الهيدرومت" عام 1967 فقط لتبادل المعلومات، وفي عام 1992 أنشات "مجموعة التكونايل" فقط للتعاون الفني، إلي أن شعرت في العام 1995 بأهمية صياغة اتفاق شامل فكانت اتفاقية عنتيبي التي اكتملت إلا قليلا عام 2010، ولكن تجاوزتها إثيوبيا بسد النهضة، وهو لا يحل كل مشاكل نهر النيل، حتى لو توافقت عليه الدول الثلاثة، وذلك بُعد آخر لا بد أن يعيه السودان ومصر، لأن إثيوبيا لا تهمها إلا مياه النيل الأزرق ونهر السوباط، ولكن السودان ومصر يهمهما كل نهر النيل، ولو طُرح سد النهضة في إطار اتفاقية عنتيبي لكان ذلك أوفق للجميع.
وكلمة أخرى، وهي أنه "عرفا" لا بد من أخذ شواغل دول أسفل النهر في الاعتبار قبل اعتراض التدفق الطبيعي للمياه، مثال ذلك أن بريطانيا الدولة المحتلة للسودان ومصر عندما أرادت استخدام مياه النيل لزراعة القطن الذي تحتاج إليه، وذلك قبل الحرب العالمية الأولى فإنها توافقت مع مصر أولا قبل أن تبدأ في زراعة القطن في مشروع الجزيرة، ولكن إثيوبيا لم تتوافق مع السودان ومصر قبل أن تبدأ في تشييد سد النهضة.