انتهى
سعي
المغرب لتحقيق مجد صعب المنال في كأس العالم على يد فرنسا، ففي خسارته بنتيجة
2-0، قدم المغرب أداءً مشرفًا ولم يسقط بدون قتال.
هناك
خيبة أمل واضحة من أن هذا الفريق، الذي حصل على الكثير من الدعم على طول الطريق وأفرح
جماهيره والمحايدين على حد سواء، لن يكمل الحلم ويخوض المباراة النهائية ضد الأرجنتين
يوم الأحد.
ارتفع
سقف طموح المنتخبات الرياضية من هذه المناطق بشكل دائم. وبدلاً من مجرد المشاركة، يمكننا
الآن أن نحلم بالفوز.
بالتأكيد أنه لا عيب في الخسارة أمام أبطال العالم؛ حيث بُنيت جهود المنتخب المغربي البطولية للوصول
إلى هذه المرحلة على قوته الدفاعية، فلم يتلق الفريق سوى هدف واحد قبل نصف النهائي.
وقبل
المباراة؛ كانت هناك شكوك حول لياقة لاعبي الدفاع الأساسيين؛ حيث كشف لاعب خط الوسط
الدفاعي سفيان مرابط أنه منذ دور الـ16 أمام إسبانيا، قد لعب وهو مصاب وبمساعدة الحقن
للتغلب على الألم، وكان المدافعون نايف أكرد ورومان سايس ونصير مزراوي يعانون من مشاكل
تتعلق باللياقة البدنية قبل مباراة نصف النهائي. وفي النهاية، فقد انتهى الأمر بسايس والمزراوي
بخوض المباراة؛ وهي شهادة على التضحيات الجسدية التي كان المغاربة على استعداد لتقديمها
لبلدهم.
ويظهر
غياب أكرد والحالة البدنية للاعبين مثل سايس، الذي اضطر للخروج بعد 20 دقيقة من بداية
المباراة، مدى بساطة الفوارق في هذه المرحلة، فإذا أجريت المباراة في يوم آخر وبوجود
فريق يتمتع بكامل اللياقة، فقد كان من الممكن أن تكون النتيجة مختلفة.
ولكن
بمجرد أن تتلاشى المشاعر القاسية لهذه الهزيمة، فإن الشعور السائد سيكون الإحساس بالفخر؛
حيث يجب على أسود الأطلس الآن التقاط أنفاسهم للمنافسة في مباراة تحديد المركز الثالث
ضد كرواتيا يوم السبت. ولكن بغض النظر عن هذه النتيجة، فإن الدولة الواقعة في شمال
أفريقيا قد دخلت التاريخ بالفعل كأفضل مركز من أي دولة أفريقية أو عربية في تاريخ كأس
العالم.
ذكريات
خالدة
من وجهة
نظر شخصية؛ فإن الذكريات الراسخة التي تركها المنتخب المغربي الموهوب ستكون طويلة الأمد:
انتصاراتهم على بلجيكا وكندا وإسبانيا والبرتغال، ورقصهم المبهج على أرض الملعب مع
عائلاتهم وسجودهم على أرض الملعب ورفعهم لأعلام فلسطين بفخر؛ حيث ألهم الفريق مشجعيه
الذين ملئوا الملاعب بالألوان والصخب في جميع أنحاء قطر، وأثاروا إعجاب الملايين من
الناس حول العالم للاحتفال بانتصاراتهم.
الوقت
وحده كفيل بتحديد إلى أي مدى سيُلهِم هذا الإنجاز التغيير والتقدم المستقبلي في الرياضة
بالنسبة للمغرب وجميع أنحاء المنطقة، لكن المؤشرات الأولية تشير إلى أنه سيترك إرثًا
إيجابيًا في أفريقيا والشرق الأوسط؛ حيث تم رفع سقف الطموحات للفرق الرياضية في هذه
المناطق بشكل دائم، فبدلًا من مجرد المشاركة؛ يمكننا الآن أن نحلم بالفوز.
لقد
أنار المنتخب المغربي الطريق وقدم أقوى حجة ممكنة للاستثمار في تنمية المواهب - اللاعبين
والمدربين على حد سواء – بالإضافة إلى البنية التحتية.
لقد
قيل الكثير عن كون منتخب المغرب صاحب أعلى نسبة من اللاعبين المولودين خارج البلاد
بمعدل 14 لاعباً من أصل 26، وجاء ذلك في أعقاب جهود حثيثة من قِبل الاتحاد المغربي
لكرة القدم منذ سنة 2014 لجذب المواهب الناشئة من الجالية المغتربة البالغ عددها قرابة
أربعة ملايين شخص.
في بعض
الأحيان؛ كان الانجذاب العاطفي أو العائلي لبلد والديهم كافياً؛ وفي مناسبات أخرى،
تم تقديم حوافز لجذب لاعبين من بلاد الاغتراب. على سبيل المثال، ورد أن الاتحاد المغربي
لكرة القدم قام بتغطية تكاليف جنازة والد اللاعب الهولندي المغربي محمد إحتارين.
وتعرض
حكيم زياش، أحد النجوم المغتربين، للاستخفاف والانتقاد لقراره تمثيل المغرب بدلاً من
تمثيل البلد الذي ولد فيه، هولندا؛ حيث تساءل أسطورة كرة القدم الهولندية والمدرب السابق
ماركو فان باستن في 2016: "ما مدى غبائك في اختيار المغرب إذا كنت في منافسة على
المنتخب الهولندي؟".
بالنظر
إلى أن زياش مثّل المغرب في بطولة كأس العالم 2018، والتي لم يتأهل فيها الهولنديون،
ثم ألهم فريقه بالتأهل إلى الدور نصف النهائي هذه المرة بينما خرجت هولندا من ربع النهائي،
فمن العدل أن نقول إنه هو من فاز بالنهاية.
الاستثمار
في كرة القدم
الافتراض
الذي كان دائمًا واردًا هو أن تمثيل دولة أوروبية يوفر مساحة أفضل للمنافسة على أعلى
مستوى عالمي. ومع ذلك، فإن أحد الموروثات الدائمة لنجاح المغرب سيكون بالتأكيد إلهام
المزيد من المواهب الناشئة من أصول عربية وأفريقية في جميع أنحاء العالم لتمثيل بلدهم
الأصلي.
هؤلاء
اللاعبون؛ الذين تلقوا تدريبًا في كثير من الأحيان في أفضل أكاديميات كرة القدم في
العالم منذ سن مبكرة، يتمتعون بتأثير إيجابي على الجودة الشاملة لمنتخباتهم الوطنية،
مما يعود بالفائدة بشكل غير مباشر على مواطنيهم الذين يلعبون في بطولات الدوري المحلية.
كان
مونديال قطر 2022 استثنائيًّا أيضًا لأن جميع البلدان الأفريقية الخمس كانت تتنافس
ضد بعضها ويديرها مدربون أفارقة، مما يعكس إضفاء الطابع الاحترافي الذي جاء متأخرًا
للتدريب في جميع أنحاء القارة.
أظهر
مدرب المنتخب المغربي، وليد الركراكي، أنه في ظل نفس الفرص التي تتمتع بها الفرق الأوروبية،
يمكن للمغرب التنافس تكتيكيًّا ضد أفضل المنتخبات في العالم وفي أكبر المراحل. لا يسع
المرء إلا أن يأمل في أن تأخذ اتحادات كرة القدم الأخرى في جميع أنحاء إفريقيا والشرق
الأوسط في الاعتبار نجاح الركراكي وأن تحذو حذوه.
كان
الاستثمار في البنية التحتية داخل البلاد أيضًا عاملاً رئيسيًا في نجاح المنتخب المغربي.
ففي سنة 2007، بدأ العمل على أكاديمية الملك محمد السادس لكرة القدم التي تبلغ تكلفتها
12 مليون جنيه إسترليني (15 مليون دولار) - وهي عبارة عن مجمع متقدم يضم ثمانية ملاعب
بمعايير الفيفا وملعب داخلي يتم التحكم بدرجة حرارته - بهدف تطوير لاعبي كرة القدم
المغاربة الشباب. ومن أبرز نجوم هذه البطولة من خريجي الأكاديمية؛ يوسف النصيري وعز
الدين أوناحي ونايف أكرد.
الأكاديمية
جزء من المشروع الناجح الذي دفع هذا الجيل من لاعبي كرة القدم المغاربة إلى المضي قدمًا.
ومن الصواب أن نفترض أن اتحادات كرة القدم في جميع أنحاء أفريقيا والشرق الأوسط ستتعرض لضغوط متزايدة لإثبات
كيف يمكن تخصيص مواردها نحو مستويات مماثلة من التخطيط والاستثمار في المنشآت الرياضية.
لم تنته
الرحلة بعد؛ وسيواصل العديد من العرب والأفارقة والمسلمين تشجيع المغرب ضد كرواتيا
يوم السبت، لكن الفخر والذكريات ستستمر لفترة أطول، وستُروى حكايات هذا المنتخب وما
دافع عنه للأجيال القادمة.