نشر موقع
مركز أبحاث المجلس الأطلسي تقريرًا، قال فيه إن
الاحتجاجات التي اندلعت في
الصين بخصوص إجراءات سياسة صفر كورونا تطورت، وبات المحتجون يتطلعون إلى ما هو أكثر بكثير من إنهاء عمليات الإغلاق الشديدة، كما يضغط البعض من أجل تنحي شي جين بينغ، ولكي يتوقف الحزب عن فرض الرقابة على المعارضة.
وعرض الموقع، في التقرير الذي ترجمته "عربي 21"، رأي عدد من الخبراء في الجهود التي قد يبذلها
الحزب الشيوعي للتعامل مع هذه الاحتجاجات ومدى فاعليتها.
متى تبدأ الأزمة الحقيقية للحزب الشيوعي الصيني؟
بحسب الموقع، قال جون كولفر، وهو زميل أقدم غير مقيم في مركز الصين الدولي، إن الحزب الشيوعي الصيني محاصر بسياسة صفر كوفيد، والتي خدمت أهدافه السياسية إلى أن ضربتها متغيرات أوميكرون، وإذا انفجرت الإصابات فقد ينهار النظام الصحي تمامًا، مؤديًا لوفاة ما يقارب 1.6 مليون شخص، وقد تسبب الفشل في تخفيف سياسة صفر كوفيد قبل بضعة أسابيع بعد اجتماع الحزب العشرين في الموجة الحالية من عمليات الإغلاق الجديدة.
وأوضح أن الطريقة العملية الوحيدة لخروج الحزب من المأزق الآن هي استيراد أو ترخيص تصنيع لقاحات الغرب، ولكن حتى ذلك سيستغرق أشهرًا أو ربما عامًا آخر، وسيتعين على الحزب الاعتراف كرهًا بأن سياساتهم واعتمادهم على اللقاحات المحلية قد فشلت.
من الناحية السياسية، يتوفر لهم أدوات عقابية أوسع وأكثر تعقيدًا وانتشارًا مما كانت عليه خلال احتجاجات ميدان تيان آن من في عام 1989، وهو الوضع الذي بنى من أجله شي وسلفه الدولة الحزبية المتشددة، ومع ذلك لا يمكن إدارة البلاد إذا وصلت لحالة من الاحتجاجات الكبيرة والمستمرة طوال الوقت.
وقال كولفر إن المسار العملي حاليًا هو تنفيذ حملات قمع انتقائية وتخفيفها بمرور الوقت، وسيكون الاختبار الحقيقي للوضع في مهرجان الربيع الذي يبدأ 22 كانون الثاني/ يناير من العام المقبل، فإذا تم منع السفر على نطاق واسع فسوف يتعمق كابوسهم الأمني، لكن يعرض السماح بالسفر بتفشي المرض، وسيحدث ذلك مباشرة قبل المؤتمر الشعبي الذي سيعقد لتنصيب رئيس الوزراء الجديد ومجلس الدولة.
اظهار أخبار متعلقة
لذلك يحتاج الحزب الشيوعي الصيني إلى وقف أكثر الاحتجاجات وضوحًا، خاصة في بكين وشنغهاي، مع تقديم الأمل للناس، واستمرار الاعتماد على الأقنعة، وعزل المرضى واللقاحات الصينية الأقل فعالية، مع الإعلان عن خطط لاستيراد وترخيص أحدث العلاجات الغربية، بالإضافة إلى تخفيف إجراءات الإغلاق والتخلص منها تدريجيًا.
وبين كولفر أن إحدى النقاط الرئيسية التي يجب النظر فيها الآن هي انقسام القيادة؛ حيث تأتي الاحتجاجات في وقت حرج بين فوز شي بولايته الثالثة وقبل الإعلان عن رئيس الوزراء الجديد ومجلس الدولة في آذار/ مارس. ورغم التماسك البادي، إلا أن مكونات انقسام الفصائل موجودة دائمًة متأصلة في طبيعة النظام والحزب الشيوعي الصيني، وتظل هذه الفصائل كامنة حتى تتبدى الأزمة وتتبلور العلاقات المجردة إلى شبكات قوة تصطف تجاه قادة معينين بناءً على حسابات القوة والبقاء.
الأزمة حتى الآن ليست كافية لتشكيل الفصائل بين النخب، كما أن إمكانية أن يميز المراقبون ظهور الفصائل ستصبح أصعب بكثير اليوم مما كان عليه في عام 1989، عندما حدث انقسام الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني زاو زيانغ علنًا على التلفزيون. وإذا كانت هناك أزمة سياسية كبيرة على غرار عام 1989، فيتعين أن تبدأ من القمة وليس من القاعدة الشعبية، وإذا أظهرت الأحداث الشعبية لخصوم شي أن هناك حاجة وفرصة للانقسام، فهذا هو الوقت الذي ستبدأ فيه الأزمة الحقيقية لشي والحزب الشيوعي الصيني.
ولاحظ كولفر أنه لم يشاهد ظهور شرطة الشعب المسلحة في الاحتجاجات بعد، وهي قوة ضخمة لمكافحة الشغب سيحدد ظهورها في المدن الرئيسية تفاقم الأزمة. وقد نبه كذلك إلى أن حملة مكافحة الفساد التي أطلقها شي قبل عشر سنوات تمكنه من الاعتماد على جيش التحرير الشعبي، الذي أصبح بالكامل تحت سيطرته، لكن يجب أن يمثل الحل الأخير له، وبغض النظر عن مدى ولاء الجيش، قد تؤدي مواجهات متكررة مع الشعب إلى تغيرات في ولائه.
اظهار أخبار متعلقة
خيارات شي غير المستساغة: تخفيف أو تضييق؟
يقول مايكل شومان، وهو زميل أول غير مقيم في مركز الصين الدولي وكاتب مساهم في مجلة "أتلانتيك كاونسل"، إن الاحتجاجات ضد سياسة صفر كوفيد التي تبناها شي تمثل أكبر تحد لسلطته منذ أن تولى رئاسة الصين لأول مرة قبل عقد من الزمان؛ حيث تظهر الطريقة الاستبدادية التي يتبناها النظام على أنها من أعلى أشكال الحكم، ورغم أن سياسة صفر كوفيد تهدف إلى حماية الصحة العامة، فقد تم فرضها بصرامة تعسفية من قبل المسؤولين المحليين؛ حيث واجه شي خيارات غير مستساغة، وهي إما تخفيف السياسة والمخاطرة بالإضرار بمكانته السياسية وتفشي الفيروس غير المنضبط أو التضييق. وتؤكد الحكومة حاليًا إلى أنها ستستمر في السياسة لكن مع تعديلها لإزالة بعض تجاوزاتها، وليس من الواضح ما إذا كان ذلك سيرضي الجمهور المحبط.
ويؤكد شومان إن الإجراءات المعلنة لتخفيف أو "تحسين" سياسة صفر كوفيد هي بشكل عام تعديلات على النظام الحالي المطبق، كذلك ستضطر الحكومة إلى إدخال المزيد من التعديلات الأساسية لإحداث تغيير حقيقي. وبما أن إستراتيجية الوباء تعتمد على الاعتقالات التعسفية وإغلاق الأعمال، فإن حياة الناس ومعيشتهم ستستمر في الانقطاع، وما دامت القيادة تطالب بضرورة إبقاء الإصابات عند الصفر أو بالقرب منه، سيظل المسؤولون المحليون يشعرون بالضغط لاتخاذ أي خطوات ممكنة لقمع الفيروس، وهذا يعني استمرار الانتهاكات.
توقَّع المزيد من السياسات القمعية في جميع المجالات
ويعتقد ديفيد أ. شولمان، وهو المدير الأول لمركز الصين الدولي ومسؤول استخباراتي أمريكي سابق مهتم بشرق آسيا، أن الاحتجاجات العامة ليست مستبعدة في الصين، بل هي نتاج إحباط مشترك من سياسة الحكومة المركزية، ولذلك فإن إجراءات سياسة صفر كوفيد الصارمة وحالات الغضب واسع النطاق ضد الحكومة وضد شي جين بينج نفسه غير عادية إلى حد بعيد ومثيرة للقلق له وللقادة الآخرين. وعادة ما تكون دولة الحزب فعالة للغاية في استخدام أدوات الرقابة والتحكم الاجتماعي لمنع الاحتجاجات في المناطق المحلية بخصوص قضايا العمل والبيئة وغيرها، بخلاف أن تصبح مظالم مشتركة ضد الحكومة المركزية.
لكن هذا لا يعني أننا نشهد بداية نهاية الحزب الشيوعي، لكن السؤال المطروح الآن هو ما إذا كانت الإجراءات الصارمة للقمع وجهود الدعاية والرقابة المكثفة والاعتقالات الانتقائية ستكون فعالة في قمع الاحتجاجات. وإذا لم تتلاش الاحتجاجات من تلقاء نفسها، فما الذي سيفعله القادة الصينيون الذين يتبنون سياسة "الحفاظ على الاستقرار" الشاملة لضمان عدم خروج الأمور عن نطاق السيطرة؟ في حال تصاعدت الاضطرابات مع احتجاج عشرات الآلاف في المدن الكبرى، فليس من المعقول أن يقوم شي بتكثيف استخدام جهاز الأمن الداخلي الصيني -بما في ذلك قوة الشرطة المسلحة الشعبية الصينية- لاستعادة النظام. وبالإضافة إلى الخسائر البشرية الفادحة المحتملة، فإنه من المرجح أن تضع هذه النتيجة الأساس لسياسات أكثر قمعية في جميع المجالات ،حيث يصبح حكم الدولة الحزبية أكثر هشاشة، ويعتمد على تهديد القوة الغاشمة والتحكم في المعلومات للحفاظ على السلطة.
ويوجد أيضًا عنصر "النماذج المتنافسة"؛ حيث إنه من الواضح أن هذه الاحتجاجات لا تتوافق مع ادعاءات شي بأن إدارة الصين الناجحة لفيروس كورونا مقارنة بالولايات المتحدة والديمقراطيات المتقدمة الأخرى قد أظهرت فعالية النظام الاستبدادي الصيني مقارنة بالديمقراطية؛ حيث كرر المسؤولون الصينيون أن الشعب الصيني يوافق بأغلبية ساحقة على حكم الحزب ونهجه في الإدارة.
اظهار أخبار متعلقة
احذر من المقارنات مع سنة 1989، إنها في الغالب حول فيروس كورونا
تؤكد كينتون تيبوت، وهي زميلة أولى مقيمة في الصين في مختبر أبحاث الطب الشرعي الرقمي التابع لمجلة "أتلانتك كاونسل"، أن هناك أربع نقاط مهمة يجب مراعاتها عند تتبع هذه الاحتجاجات:
أولاً: تختلف حملات الصين على منصات التواصل الاجتماعي العالمية عن أنشطتها على وسائل التواصل الاجتماعي المحلية؛ حيث تهدف حملاتها العالمية حول هذه القضايا إلى تقييد المعلومات ومنع انتشار الأخبار، إما إلى السكان المحليين أو إلى الشتات والجمهور الأوسع، وكذلك تركز حملات وسائل التواصل الاجتماعي المحلية على فرض رقابة على المناقشات والانتقادات المتعلقة بسياسة صفر كوفيد، وحجب أخبار الاحتجاجات، مع تضخيم الأخبار المحايدة. وقد كانت الدعوات لتغيير النظام خلال بعض الاحتجاجات حقيقية، لكن لم تكن أساسية، ومن الصعب تحديد مدى انتشار أي دعوات عبر الإنترنت لتغيير النظام على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية، بسبب الحظر الأوتوماتيكي على أي شيء من هذا القبيل. وعلى سبيل المثال، يتم حظر تلقائي على أي شيء تنشره عن شي أو مظاهرات ساحة "تيانانمن".
ثانيًا، لا ينبغي النظر إلى هذه الاحتجاجات على أنها "مفاجئة" أو عفوية، فقد تركزت الاحتجاجات في الغالب على الإحباط العام بشأن الإجراءات الصارمة لسياسة صفر كوفيد، وقد بذلت الرقابة الصينية جهوداً مضنية لإزالة المقالات والتعليقات والأخبار التي توثق أحداث الغضب العام واليأس بشأن إجراءات الإغلاق من على منصات وسائل التواصل الاجتماعي المحلية؛ حيث تعتبر الوفيات التي يمكن تفاديها حساسة بشكل خاص، وهذا هو السبب في أن أخبار حريق أورومكي كانت بمثابة حافز لهذه الجولة من الاحتجاجات. وعلى سبيل المثال، عندما انقلبت حافلة تقل مواطنين إلى منشأة للحجر الصحي في شهر أيلول/ سبتمبر وقتلت سبعة وعشرين شخصًا، خضع هذا الخبر لرقابة شديدة وتقييد بعد أن أثار ردود فعل شعبية شديدة على الإنترنت.
ثالثًا، يبدو أن الاحتجاجات التي تضم تحالفًا أوسع من المعتاد تركز بشكل أكبر على مشاكل الحكومات المحلية، ما حد من التحديات المباشرة لشرعية الحكومة المركزية، ولكن نظرًا إلى مركزية سياسة صفر كوفيد، فإنها قد تدفع إلى تحد مباشر للحكومة المركزية مماثل لاحتجاجات تيانانمن، وحركة الفالون غونغ.
رابعًا، ينبغي الحذر بشأن رسم أوجه تشابه مباشرة مع سنة 1989، فقد أتقنت الصين آليات القمع بعد مذبحة ميدان تيانانمن، وفيما لا تزال سياسة صفر كوفيد مشكلة حادة، فقد يسمح الحزب الشيوعي الصيني بالاحتجاجات إلى حد معين كنوع من تحرير الضغط، قبل أن يلجأ إلى عمليات القمع. كما أن الحزب اليوم لا يحتوي على فصائل واضحة كما كانت الحال في سنة 1989؛ حيث يمتلك شي سيطرة قوية على نخب الحكومة المركزية والمحلية، التي من غير المرجح أن تدعم المتظاهرين بالطريقة التي فعلها المعتدلون في سنة 1989.
اظهار أخبار متعلقة
الأصوات الصينية تضخم الاحتجاجات عبر الإنترنت
وأوضح كاتب آخر أن التدفق المفاجئ للاحتجاجات تجاوز بالفعل مقاومة فترة ولاية شي الثالثة؛ حيث تعمل الأصوات الصينية بنشاط على تضخيم الاحتجاجات على منصات وسائل التواصل الاجتماعي الغربية، كما يقوم الطلاب الأجانب بوضع ملصقات وتنظيم مظاهرات.
وأضاف الكاتب أنه بالرغم من استمرار الاحتجاجات، لكنها لن تؤدي غالبًا إلى إصلاحات تأسيسية للحكومة الصينية أو تخفيف كبير للقيود الوبائية في شكلها الحالي، لكنها تعد عرضًا صارخًا للأضرار العاطفية والجسدية والاقتصادية التي يعاني منها الشعب الصيني في ظل عمليات الإغلاق الصارمة هذه.
وأشار ماثيو كرونيغ، مدير مركز سكوكروفت للإستراتيجية والأمن، إلى أنه من غير المحتمل أن تؤدي هذه الاحتجاجات إلى سقوط الحزب الشيوعي الصيني على المدى القريب، لكن عدم استقرار النظام يضعف الديكتاتوريات في منافسة القوى العظمى؛ حيث تذكر هذه الاحتجاجات العالم بأن المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، التي تعاني من عدم استقرار داخلي، قد تنتهي بانهيار نظام الحزب الشيوعي الصيني.
وأفاد هانغ تران، الزميل في مركز "جيوإيكونوميكس"، أنه مع ما يؤدي إليه انتشار الاحتجاجات ضد سياسة صفر كوفيد الصارمة، وارتفاع معدلات الإصابة بكوفيد-19 إلى مستويات يومية قياسية، من تعطل النشاط الاقتصادي ومزيد من الكساد لبقية العام، فإن السلطات الصينية سيتعين عليها تخفيف بعض الإجراءات الصارمة لتهدئة المشاعر العامة، والأهم من ذلك، أنه سيكون عليها تخفيف سياسات الاقتصاد الكلي لدعم الاقتصاد، فهناك مجال لمزيد من التيسير في السياسة النقدية للصين، حتى بعد تخفيض نسبة متطلبات الاحتياطيات هذا العام إلى 7.8 بالمئة والحزم المخصصة لمساعدة قطاع العقارات.
كيف يرى المستثمرون تأثير سياسة صفر كوفيد على الاقتصاد الصيني؟
وبين جيريمي مارك، الزميل الأقدم في مركز "جيوإيكونوميكس"، أن هذه الاضطرابات لا تبشر بالخير لاقتصاد يكافح للتعافي من أسوأ انكماش منذ أكثر من أربعين عامًا؛ حيث أدت سياسات صفر كوفيد إلى القضاء على الطلب على سلع التجزئة والترفيه والسفر، وأضعفت الاستثمار التجاري، كما فاقمت أزمة الإسكان المقلقة، وتسببت في دفع المستثمرين الأجانب لإعادة النظر في التزامهم تجاه الصين، كما زادت من بطالة الشباب في المدن بنحو 20 بالمئة، ما زاد من حدة الغضب في الشوارع.
وأكد الموقع -في ختام تقريره- على أنه رغم أن التزام بكين المعلن بتخفيف قيود الإغلاق قد شجع بعض المستثمرين، إلا أنهم يشهدون أيضًا تخبط المسؤولين عن هذه السياسة على الأرض، بالإضافة إلى تزايد الغضب المستمر في الشوارع، الذي يؤدي بدوره إلى تعميق الضائقة الاقتصادية.