يظهر قضاء الاحتلال الإسرائيلي، تساهلا تجاه جرائم المستوطنين ضد الفلسطينيين في
الداخل المحتل، في الوقت الذي يصدر أحكاما انتقامية تعسفية ضد الشبان الذين شاركوا في "
هبة الكرامة" التي اندلعت في أيار/ مايو 2021 دفاعا عن المسجد الأقصى وضد العدوان على قطاع غزة.
وتحكم سلطات الاحتلال منذ أكثر من 74 عاما، ما تبقى من فلسطين المحتلة الخاضعة لاحتلالها بالمنطق العسكري، وتتعامل مؤسساتها القضائية والقانونية تجاه فلسطينيي48 بذات المفاهيم العسكرية الاحتلالية، دون مساواة بينهم وبين
اليهود في المحاكمات والتحقيقات وتوكيل المحامين، وهو ما وصل ذروته في أحداث أيار/ مايو 2021.
وجرت العادة لدى محاكم الاحتلال وأجهزته القضائية أن يتم إغلاق تحقيقات الشرطة التي تم فتحها في أعقاب الجرائم التي ارتكبها المستوطنون اليهود ضد فلسطينيي48، وإن لم يتم إغلاق التحقيق، فإن الشرطة والنيابة العامة تقرر في نهايته تقديم لائحة اتهام صورية، أو إغلاق القضية كليا.
وأظهرت مراقبة المنظمات الحقوقية الفلسطينية والإسرائيلية والدولية أن نظام إنفاذ القانون الإسرائيلي فشل بشكل منهجي في الوفاء بواجباته بموجب القانون الدولي لحماية فلسطينيي48 من عنف المستوطنين خلال أحداث 2021، ما أدى الى شرعنة الإجرام الأيديولوجي الذي تنفذه مجموعات من اليهود المتطرفين في المدن الفلسطينية المحتلة عام 48.
اقرأ أيضا: فلسطينيو الداخل يحذرون من استفحال الفاشية بدولة الاحتلال
وكشفت منظمة "ييش دين" الحقوقية الإسرائيلية أنه بين عامي 2005 و2021 تم فتح 1,395 ملف تحقيق من ضحايا فلسطينيين تعرضوا لجرائم مستوطنين يهود، وتم إغلاق 1,279 قضية في نهاية التحقيق دون تقديم لائحة اتهام، بنسبة 92 بالمئة من القضايا.
وفي 116 حالة فقط تم تقديم لائحة اتهام، أي بنسبة 8 بالمئة فقط من القضايا، وتبين أن شرطة الاحتلال فشلت في التحقيق في 81 بالمئة من القضايا التي فتحت ضد المستوطنين، وانتهت معالجتها بنتيجة معروفة منحازة سلفا معهم، وضد الضحايا من فلسطينيي48، لأنه بالمجمل أدين 3 بالمئة من المستوطنين الذين نفذوا جرائم ضد فلسطينيي48.
تمثل هذه المعطيات الإسرائيلية إقرارا رسميا بأن قضاء الاحتلال يعمل على "قوننة" السلوك الإسرائيلي غير المنضبط والجريمة اليهودية القومية تجاه فلسطينيي48.. أما حين يكون الضحايا من غيرهم فإن فرصة قيام وكالات إنفاذ القانون الإسرائيلية بتقديم لائحة اتهام تكون أضعافا مضاعفة.
وتظهر المعطيات القانونية والحقوقية والقضائية أن هناك موقفا تمييزيا إسرائيليا في عمل أجهزة إنفاذ القانون في الأراضي المحتلة عام 1948، حيث تؤدي جريمة يرتكبها إسرائيلي بحق إسرائيلي مثلا، أو غير فلسطيني، إلى تحقيق كبير من قبل الشرطة، وتقديم لوائح اتهام في المحاكم؛ في حين أنه في ما يتعلق بالعنف الموجه ضد فلسطينييي48، فإن نظام إنفاذ القانون يتصرف على أقل تقدير بإهمال، ولا يلاحق الجناة من المستوطنين اليهود.
اقرأ أيضا: الاحتلال يفرض أحكاما انتقامية على شبان شاركوا بـ"هبة الكرامة"
ولذلك فإن الافتقار إلى الإنفاذ والردع ضد الجرائم الأيديولوجية التي يرتكبها المستوطنون اليهود ضد فلسطينيي48، يتيح ارتكاب جرائم إضافية ضدهم، وهم المدنيون العزل، خاصة أن سياسة الإنفاذ الإسرائيلية المتساهلة ضد عنف المستوطنين تنبئ بغياب أي احتمال لردع الجناة اليهود، وتشير إلى أن محاكم الاحتلال وجهازه القضائي متواطئان ومسؤولان عن العنف ضد فلسطينيي48، ما يجعل من الاعتداءات عليهم في أحداث مايو 2021 نموذجا مصغرا عن ما ينتظرهم بسبب غض طرف القضاء الإسرائيلي عن جرائم المستوطنين من جهة، وقدوم حكومة يمينية تضع فلسطينيي48 في عين العاصفة في سياساتها العنصرية.