تابع الكثيرون الجهد المشكور الذي قامت به أسرة علاء عبد الفتاح، لكي يفك أسره من سجون السيسي وظلماته، وإن لم تثمر نتيجة مرضية حتى الآن، نسأل الله أن يفك أسره وأسر كل المسجونين، لكن الجهد ملاحظ، ومقدر، من كل مراقب لهذه الجهود المتنوعة، والتي لم تترك وسيلة يمكن طرقها إلا وسارعت بكل ما تملك من طاقة وقدرة على طرقها، مهما كانت النتائج، ومهما كانت الصعوبات.
سواء كان ذلك في حبسه الأول، أو الأخير، والذي كان يقوم به نساء، الأم، وأختان لعلاء، من اعتصامات أمام السجون، وجلوس بالساعات، ونضال بالقول والفعل، والتضامن بالإضراب معه، كل هذه الجهود، جعلت كثيرين من أبناء التيار الإسلامي قبل غيره تقارن بين جهدهن مع علاء، وجهد الإخوان مع قادتها وشبابها، وفتياتها وأطفالها.
وجعل الناس يتساءلون: هل نجحت سناء سيف وأسرتها، بينما فشل الإخوان في الملف الحقوقي؟ وهو سؤال وجيه، لو رحنا نجيب عنه بعيدا عن إلقاء التهم على الجماعة، بل من باب المناقشة المنصفة للموضوع، فليس المستهدف من المقال هنا أو نقاش المخلصين إلا إدراك مواضع الضعف لتعالج، ومواطن القوة لتزداد، ويتم الاستمرار والمداومة عليها.
فلا يكاد يمر يوم، دون وجود شهيد في سجون السيسي، بين شيبان وشباب، وكلهم إما بالإهمال الطبي، أو التصفية خارج القانون، وإن توقفت منذ فترة، لكن حل بديلا عنها بوتيرة أكثر ترك المسجون يموت بلا علاج، في ظل ظروف لا تؤدي به إلا إلى الوفاة ولكن بشكل غير مباشر.
أجاب الأستاذ فراس أبو هلال في مقاله: (لماذا يتعاطف الغرب مع معتقلين ليبراليين ويتجاهل الإسلاميين؟) المنشور "على عربي21"، عن نقطتين مهمتين، بل وجوهريتين كذلك، في كيفية صنع الأيقونة، وكيفية التحرك بالملف الحقوقي لأشخاص يمثلون قضية سجين
رأي، ومعتقل حريات، وهو كلام صادر عن كاتب يعيش في الغرب، ويعرف عقليته جيدا، ويعمل بالإعلام الإلكتروني كذلك، أي أن التشخيص والعلاج صدرا عن خبير بالداء والدواء.
وبخاصة أن مقاله يجيب عن حجة يتذرع بها بعض الإخوان، بأن العلة ليست في المسجونين الإخوان، بل العلة في الغرب الذي لا يتعاطف إلا مع مثيله، وهو كلام عار تماما عن الصحة، فمحمد سلطان ابن الدكتور صلاح سلطان، أبوه من الإخوان، وعلماء الشريعة، ومحمد إن لم ينتم لتيار إسلامي، فهو ليس منتميا لتيار ليبرالي، ولا ينضوي تحت أي فريق يتخذ موقفا سلبيا أو معاديا للدين، حتى نقول: إن الوقوف معه لهذه العلة، ونماذج أخرى يمكن ذكرها.
بقيت أمور مهمة تضاف لما ذكره أبو هلال، ليست في سياق موقف الغرب، بل في سياق الجهود المبذولة، فهل فعلا بذل الإخوان جهودا حقوقية يمكنهم القول وقتها بأنهم فعلوا ما عليهم، ولكن تحيز الغرب، أو جبروت السلطة وعمالتها هي التي جعلت جهدهم بلا فائدة؟!
الحقيقة للإنصاف، هناك جهود مبذولة من أفراد في الإخوان، ولم تكن هناك جهود تحترم أو تقدر من الجماعة كتنظيم، وحينما قام البعض بالتحرك، كان تحركه فرديا، فالجماعة ممثلة في قياداتها وأعني هنا تحديدا الدكتور محمود حسين لأن مفاصل الجماعة في الفترة الأولى للانقلاب كانت في يده بوضوح، ولم يكن هناك لقاء من أي جهة حقوقية إلا ولا بد من المرور عليه أولا، كي تنال شرعية التحرك.
كنت أشعر أن هناك عدم إرادة، ولا جدية، من قيادة الجماعة آنذاك في التحرك في الملف الحقوقي، وقد شهدت بنفسي على عدة محاولات للمساعدة من أناس ليسوا من الإخوان، لكنهم يحبون أن يخدموا في هذا الملف، وكانت تقابل مساعيهم وتنتهي بهم بخيبة أمل، وإحباط، من رد فعل المسؤولين الإخوان.
شهدت بذلك تجربة من المرحوم الشيخ عباسي مدني، وقد أوكل لأحد معارفه المهمين في مجال حقوق الإنسان في أوروبا، وطلب أن أوصل استعداده وآخرين لمساعدة الإخوان وغيرهم في هذا الملف، وبالفعل قمت بتوصيل المعلومة والطلب، للدكتور محمد عبد الوهاب وقد كان وقتها ـ ولا يزال ـ ملازما للدكتور محمود حسين، وهز رأسه، وقال: أبشر، سنفعل، ونوصل الحقوقيين عندنا به، ولكن شيئا لم يحدث مطلقا.
وطلب مني أحد مراكز حقوق الإنسان المهمة في أوربا، فيديو لمدة خمس دقائق مترجم باللغة الإنجليزية، يتحدث عن مذبحة الحرس الجمهوري، أو المنصة، لوجود جلسة حقوق إنسان في شهر أكتوبر بعد فض رابعة بشهر ونصف، وطلبت من نفس الأخ السابق ذكره في الطلب السابق، فقال: هذه سهلة جدا، من عيني، وأوصلته بالشخص، وقابلني هذا الوسيط بعد مدة ساخطا، فسألته: ألم يتواصل معك أحد؟ قال: لا، ولم يوافيني أحد بشيء، وطلبت أكثر من مرة ممن أبلغتني التواصل بهم، دون جدوى.
وتفاصيل أخرى ذكرتها في مقالات لي، وذكر آخرون شهادتهم في ذلك، منها شهادة د. أمير بسام على هذا الملف، وكيف تم التعامل مع طلب الدكتور المنصف المرزوقي في هذا الملف بتجاهل شديد، وتجارب كثيرة، عنوانها ونتيجتها: تحرك من الأفراد، وتفويت فرص، وإفشال مساعي من القيادة.
كانت لدى الإخوان فرصة هائلة وقوية، في بداية الانقلاب العسكري، وبخاصة في السنة الأولى منه، فقد كانت هناك دول لا تعترف به، ودول أخرى تنتظر حتى يثبت نفسه، كانت هذه هي الفرصة الحقيقية التي ضيعتها الجماعة،
ليست إذن المسألة هنا، هو الإهمال من الأفراد، فهناك أفراد في الجماعة، سعوا من أنفسهم، وطوروا قدراتهم الحقوقية بصفة فردية، للعمل على هذا الملف، لما وجدوه من ضعف في الجماعة في الأمر، لكن أحدا لم يساعدهم بشيء، بل إن بعضهم حورب للأسف، لأن القيادة تريد أن يوضع الملف في يد أشخاص تثق فيهم، ولو على حساب الكفاءة الحقوقية.
كانت لدى الإخوان فرصة هائلة وقوية، في بداية الانقلاب العسكري، وبخاصة في السنة الأولى منه، فقد كانت هناك دول لا تعترف به، ودول أخرى تنتظر حتى يثبت نفسه، كانت هذه هي الفرصة الحقيقية التي ضيعتها الجماعة، فبدل أن تقدم للمجتمع الدولي وزراء ومحافظين كانوا في حكومة هشام قنديل، قامت بتكبيلهم، وتهميشهم، وبدل أن يتحرك التنظيم باسم الحزب: حزب الحرية والعدالة، كواجهة سياسية يمكنها التحرك دوليا، قامت القيادة بتعطيله وتهميشه وتجميده وكذلك أعضائه.
كل الأدوات السياسية والمدنية والحقوقية التي كانت يمكن أن تتحرك بالملف، للأسف جرى تعطيلها، وجرى مطاردتها، ومطاردة أصحابها، حتى البرلمان
المصري، تحت الضغوط عاد بالخارج، ولكن بعد فوات الأوان، بعد مرور أكثر من عام على الانقلاب، وكان أداة سياسية مهمة للتحرك، ولا ندري هل كان التعطيل عن جهل، أم عن عمد؟!! وأصبحت كل المؤسسات التي يمكن أن تعمل في الملف الحقوقي والسياسي، بدل أن تكون أداة لخدمة المعتقلين والقضية، أصبحت مادة وميدانا للنزاع والشقاق، والسيطرة بين فصائل التنظيم المختلفة.
الحقيقة أن سناء سيف نجحت في التحرك بقضية علاء، ونتمنى لها النجاح، فهذا حقه، ولكن الإخوان كأفراد ـ في مجملهم ـ لم يفشلوا، الإنصاف يقول: لقد أُفشلت "الإخوان"، وللأسف كان إفشالها من داخلها، وليس من خارجها، فلو أن كل أمر وكل لأهله لنجحوا، أو على الأقل لأسقطوا وزر إهمال حقوق إخوانهم المسجونين من على عاتقهم، لكنه لم يحدث، وللأسف فإن هناك ما يقال أكثر مما كتب في الموضوع، لكن العقول مغلقة، ولن يصلح معها نصح أو قول، ما لم تتغير.
[email protected]