نشرت صحيفة "
وول
ستريت جورنال" مقال رأي لكارين إليوت هاوس، المختصة بالشؤون
السعودية، علقت
فيه على المبارزة الكلامية بين الرئيس جو بايدن وولي العهد السعودي محمد بن سلمان،
مشيرة إلى أن كليهما خاسر.
وأشارت هاوس إلى مثل
عربي "السكوت من ذهب"، وهذه نصيحة جيدة لكل من حكومة الولايات المتحدة
والسعودية لو كانتا راغبتين بالحفاظ على
العلاقات الأمنية المهمة اليوم أكثر مما
كانت عليه قبل ثمانية عقود.
وأضافت أن الغرب قد
استثمر في الحرب الأوكرانية وربما وجد نفسه وبسهولة متورطا في نزاعات ساخنة مع
الصين وإيران قبل نهاية فترة بايدن في الحكم. ووصل سعر برميل النفط إلى 90 دولارا
في الولايات المتحدة، وربما تضاعف لو قرر فلاديمير بوتين التوقف عن ضخ مزيد من
النفط أو قررت الدول الأوروبية المضي في قرارها والتوقف عن استيراد النفط الروسي
عبر البحر بعد 5 كانون الأول/ديسمبر. ورغم هذا الكابوس العالمي المتربص، فإن
الرئيس بايدن والأمير محمد بن سلمان منخرطان في مشاجرة بشأن النفط تهدد أمن
الولايات المتحدة والسعودية.
وما بدا كموقف سياسي من
المرشح جوزيف بايدن الذي تعهد بجعل المملكة "منبوذة"، لاعتقاده أن الأمير
متواطؤ في جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي، أصبح عداء شخصيا بين الزعيمين.
وفي الوقت الذي يخوضان فيه هذه الجولة من الانتقام، انتبه الأعداء واستفادوا.
ففي يوم الثلاثاء أكد
متحدث باسم مجلس الأمن القومي أن الجيش في حالة تأهب من هجوم إيراني محتمل ضد
السعودية.
وأصدر وزير النفط
السعودي، الأخ غير الشقيق لولي العهد، الأمير عبد العزيز بن سلمان تحذيرا مثيرا
للخوف في 5 تشرين الأول/ أكتوبر حول مستقبل النفط: "من واجبي العميق التوضيح
للعالم أن فقد الاحتياطي الإستراتيجي في الأشهر المقبلة قد يكون مؤلما"، وكان
يلمح إلى محاولات بايدن المستمرة سحب نفط من المخزون الاحتياطي لتخفيض أسعار النفط
في محطات الوقود والفوز بأصوات في الانتخابات النصفية الأسبوع المقبل. وهذا
المخزون أنشئ عام 1975 من أجل حماية الولايات المتحدة ضد أي انقطاع مفاجئ
للنفط، في أدنى مستوياته منذ 40 عاما. وسحب الرئيس في الأشهر الأخيرة ثلث ما كان
في المخزون عندما تولى الرئاسة.
وتقول هاوس إن ما يخطط
له السعوديون ليس واضحا بالضبط. ولكن بداية كانون الأول/ ديسمبر ستكون لحظة حاسمة
في إمدادات النفط العالمية عندما يلتقي كارتل النفط (أوبك بلس) الذي تقوده
السعودية وروسيا في 4 كانون الأول/ ديسمبر، وقبل يوم واحد من بدء أوروبا تطبيق
تهديدها بمنع استيراد، وتمويل، وتأمين السفن المحملة بالنفط الروسي حتى لو كانت
لطرف ثالث مثل الهند أو الصين.
ووصفت الكاتبة الولايات
المتحدة والسعودية بأنهما مثل زوجين غاضبين وسط عمليات إجراء طلاق. وسوء الفهم
عميق وعام وليس من المتوقع أن يتوقف العداء إلا بدخول رئيس جديد إلى البيت الأبيض.
ويواصل البلدان التعبير
عن تظلماتهما بشكل يثير الرأي العام في البلدين. وقال السعوديون إنهم كانوا
مستعدين لتجاوز تعهد بايدن في حملته حول جعل بلدهم "منبوذا"، ولكنه
عندما دخل البيت الأبيض استمر باتهام ولي العهد، وأسوأ من هذا فقد قام بالحد من
صفقات الأسلحة بل وشطب حركة الحوثيين من قائمة المنظمات الراعية للإرهاب، وانحدرت
الأمور للأسوأ من تلك النقطة.
وفي تموز/يوليو، عندما
كانت أسعار النفط والتضخم يرتفعان بشكل حاد، زار بايدن السعودية. ومع أنه نفى
علاقة الزيارة بزيادة معدلات إنتاج النفط، إلا أن الجميع كانوا يعرفون أنها مجرد
غزل. وأخبرت وزارة الخارجية متشككين، مثل الكاتبة، وبثقة أن السعودية ستزيد من
معدلات إنتاج النفط بحلول الخريف. ولكن الرئيس خرج من لقائه مع السعوديين متبجحا
أنه اتهم ولي العهد وبوجهه أنه من أمر بعملية قتل خاشقجي.
وبدلا من زيادة معدلات إنتاج
النفط، أعلنت المملكة مع كارتل النفط (أوبك بلس) في 5 تشرين الأول/أكتوبر تخفيض
مستويات الإنتاج. واتهم المسؤولون الأمريكيون السعودية بالتنكر للاتفاق. وأعلن
بايدن علانية وبصوت عال أن القرار ينبي عليه "تداعيات" بما في ذلك
مراجعة صفقات الأسلحة. وزادت الأمور حدة عندما كشفت "وول ستريت جورنال"
الأسبوع الماضي أن الأمير كان يهزأ من زلات بايدن ويشك في صحته العقلية.
خرجت حرب القيادة
الأمريكية- السعودية عن السيطرة، وحتى أثناء حظر النفط في عام 1973 تأكدت المملكة
من توفر النفط الكافي للقوات الأمريكية. وبعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 على برجي
التجارة العالمية في نيويورك والبنتاغون في واشنطن عمل الرئيس جورج دبليو بوش
والملك عبد الله بن عبد العزيز على حماية العلاقات بين البلدين والتأكد من عدم
خروجها عن المسار. وهناك حاجة لموقف مشابه اليوم.
فمن حق السعودية اتخاذ
قرارات تضع الأولوية لمواردها النفطية من أجل تمويل المشاريع الكبرى الضرورية
للإصلاح، لكن على قادة البلد ألا يفاجأوا لو رأى بعض الأمريكيين القرار غير مراع
للمشاعر إن لم يكن جحودا. وبعد كل هذا حمت الولايات المتحدة، فعليا، آبار النفط
السعودية من صدام حسين في حرب الخليج الأولى. ولم تكن من مصلحة الولايات المتحدة
السماح لصدام بالسيطرة على نفط الشرق الأوسط. وهذه هي النقطة، فالولايات المتحدة
والسعودية تشتركان في مصلحة أمن الشرق الأوسط وإمدادات النفط. وبوجود روسيا وإيران
والصين التي تتآمر للاستفادة مما تراه تراجعا في القوة الأمريكية، فمن الواجب على
الولايات المتحدة والسعودية إعادة العلاقات عبر الدبلوماسية الحكيمة والهادئة.
وإذا أرادت الولايات المتحدة
النفط السعودي فعليها الالتفات لمظاهر قلقها الأمني حول إيران والتوقف عن مغازلة طهران.
ولا تؤمن المملكة أن روسيا والصين ستكونان ضامنا لأمنها. ولا تعتقد الولايات
المتحدة جادة أن الطاقة النظيفة جاهزة لكي تحل محل النفط. ويمدح الإنجيل والقرآن
فضيلة الصمت، ومن الحكمة لو هدأ كل من بايدن وابن سلمان ولو لفترة.