تدخل
الاحتجاجات الإيرانية شهرها الثاني أكثر قوة
ومضاءً على الاستمرارية من غيرها من
الاحتجاجات التي شهدتها إيران في سنوات 2009، و2017، 2019. ويتزايد خطر الاحتجاجات
مع حالة الانسدادات الداخلية والإقليمية والدولية، التي تعد إيران جزءاً أصيلاً
منها، إن كان فيما يتعلق بالملف النووي وانسداداته، أو فيما يتعلق بالحرب في
أوكرانيا، والمستنقع الذي دخلته حليفتها روسيا، بينما تسعى إيران أن تعمق علاقاتها
مع روسيا أكثر فأكثر من خلال دعمها بحربها في أوكرانيا بالمسيرات وبالخبراء. فهي
ترى الحرب الروسية حربها اليوم، وانهيار ضلع من أضلاع مثلث الحلف الإيراني- الروسي-
الصيني هو انهيار للجميع، ولذا فقد ألقت بثقلها في الحرب الأوكرانية، وربما لذلك
علاقة بإنقاذ روسيا لإيران في حربها ضد ثورة السوريين، يوم تدخل بوتين لإنقاذ
إيران من الانهيار أمام ثورة السوريين عام 2015، حيث كادت عصابات الأسد أن تنهار
لولا دعم وغزو بوتين.
توسع المظاهرات ليشمل معظم المدن الإيرانية الفارسية
والأذرية والكردية والبلوشية، وغيرها من العرقيات، أشّر لمرحلة واحتجاجات جديدة
غير مسبوقة، حيث كانت الحكومة الإيرانية في السابق تحرص على دمغ الاحتجاجات بلون
معين، وإلصاقها بعرقية وطائفة معينة، أملاً في حصرها وعزلها عن باقي العرقيات
والطوائف الإيرانية، مما يسهل التعاطي معها سريعاً والقضاء عليها. وهو فعلياً ما
حدث، لكن دخول العرقيات كلها على خط الثورات والاحتجاجات، ودخول المدن الإيرانية
معها بما فيها طهران، وحتى المدن التي كانت حكراً على نظام الملالي كقم وأردبيل
وغيرهما، دفع الكثيرين إلى القول إن النظام الإيراني لن يقدر على الخروج سالماً
هذه المرة من هذه الاحتجاجات، لا سيما وقد وصلت نقاط الاحتجاجات إلى أكثر من 350
نقطة احتجاج، فضلاً عن تسيّد مشهد الاحتجاجات
المرأة والطلبة، وهما عنصران مهمان
لنجاح أي ثورة في العالم. فعنصر الطلبة ليس لديه ما يخسره في تظاهراته، بخلاف
شرائح عمرية أخرى ربما تكون مشغولة في طلب الرزق لأهلها وبيتها، والمرأة لديها قوى
دعم غربية ممثلة باللوبي الغربي النسوي الذي لن يستطيع أن يقف مكتوف الأيدي تجاه
احتجاجات المرأة الإيرانية، وقد ظهر أخيراً في اجتماع وزراء خارجيات الدول
العالمية عبر منصة الزووم.
عنصر الطلبة ليس لديه ما يخسره في تظاهراته، بخلاف شرائح عمرية أخرى ربما تكون مشغولة في طلب الرزق لأهلها وبيتها، والمرأة لديها قوى دعم غربية ممثلة باللوبي الغربي النسوي الذي لن يستطيع أن يقف مكتوف الأيدي تجاه احتجاجات المرأة الإيرانية، وقد ظهر أخيراً في اجتماع وزراء خارجيات الدول العالمية عبر منصة الزووم
العنف والعمل المسلح يبدو هو الساحة والمربع الجديد
الذي ستدخله الاحتجاجات الإيرانية، وذلك مع إصرار حكومة الملالي على قمع
الاحتجاجات، وتزايد اعتقال المتظاهرين الذين وصل أعدادهم للآلاف، بالإضافة إلى
أعداد القتلى المتزايدة التي بلغت المئات، وهو الأمر الذي انعكس بردة فعل
الإيرانيين المعارضين عبر عمليات عسكرية وتبني عمليات عسكرية، وهو ما يعني
بالضرورة تزايد العنف والعنف المضاد. وظهر ذلك بمسعى إيراني حكومي في تصدير الأزمة
إلى العراق عبر عمليات عسكرية ضد الأكراد العراقيين، وتخطي الحدود من قبل قوات
الأمن الإيرانية. لكن ذلك قد يكون له مفعول عكسي، إذ إنه سيوفر الغطاء والمبرر
للأكراد في إيران أو في العراق للتعاون فيما بينهما بغية مساعدة الثورة الإيرانية
الحالية ودعمها.
الإشكالية الأساسية في الثورة الإيرانية الحالية هي أن
حدود إيران مفتوحة على دول مضطربة، التي قد تكون مرشحة أكثر من غيرها للقفز أملاً
في التدخل بشؤون إيران أكثر فأكثر. فالحدود الواسعة مع العراق ومشاطرتها للأكراد
المقيمين على طرفي الحدود العراقية- الإيرانية قد يوفر فرصة للطرفين، ولكثير من
الناقمين على السياسة الإيرانية التاريخية المؤذية للشعب العراقي للانتقام. ولدينا
الحدود المفتوحة على أفغانستان وباكستان، ومشاطرة البلوش المظلومين في إيران
لإخوانهم الباكستانيين والأفغان، الأمر الذي قد يوفر فرصة ذهبية أخرى لهذه العرقية
لتصفية حسابات تاريخية مع حكام طهران، فضلاً عن قوى إيرانية مقموعة وسط العرقيات
والأقليات الأخرى، التي قد تجد الفرصة قد لاحت لتصفية حسابات قديمة مع حكام طهران.
من الواضح أن الثورة الإيرانية في تصاعد، ومن الصعب أن تتراجع ونحن نرى دخول إيلون ماسك على الخط تماماً كما دخل على خط الحرب الأوكرانية فنشر لاقطات ستارلينك لتلقي الإنترنت المجاني للشعب الأوكراني، وها هو اليوم يقدم هذه الخدمة للإيرانيين
من الواضح أن الثورة الإيرانية في تصاعد، ومن الصعب أن
تتراجع ونحن نرى دخول إيلون ماسك على الخط تماماً كما دخل على خط الحرب الأوكرانية
فنشر لاقطات ستارلينك لتلقي الإنترنت المجاني للشعب الأوكراني، وها هو اليوم يقدم
هذه الخدمة للإيرانيين من أجل دعم الثورة والاحتجاجات، ومثل هذا الدعم لم يسبق أن قدمته
الشركات الأجنبية وتحديداً الأمريكية لاحتجاجات وثورات إيران في السابقة، مما يجعل
هذه الثورة وهذه الاحتجاجات مختلفة عن غيرها وعن سابقاتها.
صحيح أن الثورة الإيرانية لم تحظَ بدعم إعلامي كما حصل
مع ثورات وحروب أخرى، لكن الصحيح أيضاً أن الإعلام الاجتماعي الذي يعتمد عليه
العالم بشكل أساسي في الخبر والمعلومة يتفاعل ويدعم بشكل قوي هذه الثورة، وفي ظل
اعتماد الجمهور على هذه المنصات يجعل مسألة محاصرة الثورة الإيرانية من قبل
الإعلام التقليدي غير مجدٍ، ولن يخفف ذلك على حكام طهران، فالإعلام الاجتماعي هو
الذي حرّك ثورات الربيع العربي، وهو الذي أبقاها حية، وهو القادر على إبقاء
احتجاجات إيران كذلك.