هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
وصف أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في كلية إيكيرد بالولايات المتحدة الأمريكية، وليام فيليس، في مقال له بصحيفة "تامبا باي تايمز" قمة المناخ التي تستضيفها مصر في السادس من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل بـ"الدموية".
وقال فيليس، إن أسوأ نتيجة يمكن أن تخرج بها القمة المناخية هي منح فرص دعائية لا تقدر بثمن لرئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي حتى يبرز في صورة "الزعيم الذي ينشط في الحفاظ على البيئة".
وأضاف: "لن ينجم عن ذلك سوى تمكينه من الإمعان في ممارسة المزيد من القمع. ينبغي أن تكون واحدة من أولويات القمة وضع حد للمذابح التي ترتكب داخل السجون المصرية".
وفي ما يأتي النص الكامل للمقال كما ترجمته "عربي21":
قمة المناخ الدموية في مصر
سوف تستضيف مصر من السادس وحتى الثامن عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني في مدينة شرم الشيخ مؤتمر التغير المناخي الدولي السابع والعشرين الذي تنظمه الأمم المتحدة. الغاية من المؤتمر هي تقييم مدى ما حققه العالم من تقدم في خفض انبعاث الغازات التي تسبب الاحتباس الحراري وتحديد الإجراء المطلوب لحصر ارتفاع درجة الحرارة العالمية في 1.5 درجة مئوية (2.7 درجة فهرينهيت) بحلول عام 2030. وقريباً يوشك على احتلال هذا المنتجع الساحلي الآلاف من زعماء العالم وأعضاء الوفود الرسمية ومسؤولو الأمم المتحدة ونشطاء المناخ والصحفيون.
إلا أن الأمم المتحدة تواجه من خلال قرارها عقد هذه القمة البيئية في مصر كارثة إنسانية حقوقية. وطبقاً لما يقوله عالم أفريقي ريادي فإن الحكومة الحالية تمثل "أكثر الأنظمة قمعاً في التاريخ الحديث للدولة المصرية." فقد استولى الجنرال عبد الفتاح السيسي على السلطة في عام 2013، وبحسب ما تقوله منظمات حقوق الإنسان فإنه يدير الآن واحداً من أشد الأنظمة توحشاً وقسوة في العالم. وكانت منظمة هيومان رايتس واتش قد كتبت تقول: "مازال يقبع في السجون عشرات الآلاف من منتقدي الحكومة، بما في ذلك الصحفيون والنشطاء السلميون والمدافعون عن حقوق الإنسان."
ومن هنا فإن المجتمع الدولي يواجه معضلة جوهرية. فمن ناحية، توفر القمة فرصة لأزمتنا المناخية لكي تتصدر أخبارها العناوين الرئيسية في وسائل الإعلام، كما تمنح فرصة للحكومات والنشطاء لكي يجددوا العهد والالتزام بمضاعفة الجهود للحد من انبعاث الغازات الكربونية. ولكن في المقابل، تمنح القمة الفرصة لمصر لكي تروج لنفسها زوراً باعتبارها دولة ليبرالية تدافع عن البيئة وتلتزم بالتغير نحو الأفضل. وكما كتبت الناشطة البيئية ناعومي كلاين تقول: "تتجاوز هذه القمة بمراحل مجرد غسيل آثام دولة ملوثة للبيئة، إنها تغسل آثام دولة بوليسية." وفعلاً، تمنح هذه القمة النظام القمعي المصري الفرصة لكي يبدو ناشطاً في مجال الحفاظ على البيئة أمام العالم.
كيف ينبغي على الولايات المتحدة التعامل مع هذه الإشكال؟ فمن أجل دعم العمل في مجال التغير المناخي، هل يجدر بإدارة بايدن الاكتفاء بالتحدث بلطف ونعومة حول الانتهاكات المروعة التي يتعرض لها الآلاف من المواطنين المصريين؟ أم ينبغي علينا اتخاذ ما يلزم من الإجراءات حتى لو خاطرنا بالتعاون العالمي في مجال الحفاظ على البيئة، وذلك من خلال اتخاذ موقف صارم ضد النظام المصري الغاشم؟ كيف يمكن للولايات المتحدة التعامل مع هذا الوضع؟
تبرز هذه المعضلة الجوهرية فيما بين الأولويات المتضاربة في العديد من مجالات السياسة الخارجية للولايات المتحدة. ولقد تم التعبير بوضوح عن هذا الإشكال في استراتيجية الأمن القومي الجديدة لإدارة بايدن والتي نشرت في شهر أكتوبر/ تشرين الأول، حيث تمثل وثيقة الاستراتيجية موجهاً ومرشداً للتخطيط الوطني العسكري والدفاعي للولايات المتحدة وتحتل القلب من عملية وضع الميزانية ورسم خطة التحرك الدبلوماسي.
وصف جيك سوليفان، مستشار بايدن للأمن القومي، الوثيقة بأنها مدفوعة "بتحديين استراتيجيين رئيسيين اثنين." أما الأول "فهو التنافس بين القوى الكبرى في تحديد ملامح مستقبل النظام العالمي." وهذا يتضمن "التغلب على الصين ولجم روسيا" وإيثار الترويج للديمقراطية على مناصرة الطغاة والمستبدين (من مثل النظام في مصر). وأما الثاني فهو التعامل مع التحديات العابرة للحدود القطرية مثل "التغير المناخي وانعدام الأمن الغذائي وصولاً إلى الأمراض السارية والإرهاب وتحولات الطاقة والتضخم." تتطلب هذه التحديات من الولايات المتحدة العمل مع البلدان الأخرى، الأصدقاء منهم والأعداء على حد سواء، من أجل مواجهة هذه الأخطار العالمية.
واللغز الذي يقبع في القلب من استراتيجية بايدن هو ما العمل حينما يقع تصادم بين هذين التحديين الاستراتيجيين. وبالفعل، يتجلى هذا التناقض في أوضح صوره في حالة قمة المناخ التي سوف تنعقد في مصر. فهذا المؤتمر يضع تركيز إدارة بايدن على الديمقراطية وحقوق الإنسان في مواجهة مباشرة على مسار تصادمي مع أجندة التغير المناخي. يقول ريتشارد بيرزهاوس، مدير البيئة وحقوق الإنسان في منظمة هيومان رايتس ووتش: "ثمة توتر بين ما يفترض أنهما عالمان مختلفان تماماً: حقوق الإنسان في جانب والعمل المناخي القوي في الجانب الآخر. وها نحن نرى هذا التوتر في أوضح تجلياته."
إلا أنه بإمكان الولايات المتحدة العمل على تحقيق الأولويتين معاً وفي نفس الوقت.
ففي ما يتعلق بالتغير المناخي، ينبغي على الولايات المتحدة التوقف عن استثمار طاقتها الدبلوماسية الثمينة في الاتفاقيات غير الملزمة التي هيمنت على المؤتمرات البيئية السابقة. وكما قالت غريتا ثانبيرغ في تصريحها الشهير ذات مرة فإن جل ما يتم التعهد به في هذه الوثائق التي لا سبيل لإلزام الآخرين بها هو مجرد ثرثرة لا أكثر. ينبغي على الولايات المتحدة بدلاً من ذلك تركيز كل طاقتها على الدفع بالبلدان ذات الدخل المرتفع نحو الوفاء بما قطعته على نفسها من تعهد بالمساهمة في تمويل ميزانية العمل المناخي البالغة 100 مليار دولار لمساعدة البلدان الأدنى دخلاً على التعامل مع آثار ارتفاع حرارة الكوكب. والحقيقة هي أنه على مدى عشرة أعوام، لم تزل البلدان المتقدمة تجر أقدامها وتتقاعس عن الوفاء بالتزاماتها.
وفي ما يخص موضوع حقوق الإنسان، بإمكان الولايات المتحدة لفت نظر العالم إلى الوضع المريع في مصر من خلال تبني قرار في المؤتمر يطالب الحكومة بإطلاق سراح علاء عبد الفتاح، أحد أبرز السجناء السياسيين في مصر والذي بات رمزاً لثورة 2011 التي طالبت بالتحول نحو الديمقراطية. لم يزل علاء عبد الفتاح يخوض إضراباً عن الطعام منذ إبريل/ نيسان الماضي احتجاجاً على اعتقاله.
يقال إن دونالد ترامب أشار ذات مرة إلى السيسي بعبارة "دكتاتوري المفضل". إن أسوأ نتيجة يمكن أن تخرج بها القمة المناخية هي منح فرص دعائية لا تقدر بثمن للسيسي حتى يبرز في صورة "الزعيم الذي ينشط في الحفاظ على البيئة". لن ينجم عن ذلك سوى تمكينه من الإمعان في ممارسة المزيد من القمع. ينبغي أن تكون واحدة من أولويات القمة وضع حد للمذابح التي ترتكب داخل السجون المصرية.