هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تناولت وكالة بلومبيرغ الأمريكية، في تقرير لها، موجة الهجرة الجماعية التي شهدتها روسيا عقب إعلان الرئيس فلادمير بوتين عن "تعبة جزئية" لتعزيز قواته التي تشن حربا على أوكرانيا منذ ثمانية أشهر تقريبا.
وبعد إعلان "التعبئة الجزئية"، شهدت المطارات والحدود الروسية ازدحاما كبيرا للرجال في سن التجنيد، هربا من الاستدعاء للحرب في أوكرانيا.
وتسبب ذلك في ارتفاع أسعار تذاكر رحلات الطيران، للوجهات التي يمكن أن تقبل المواطنين الروس دون تأشيرات، وسط صعوبة في الحصول على مقاعد.
عملية "فلاكس"
وذكرت وكالة بلومبيرغ أن شابا روسيا يدعى إيليا فلاكس، فكر في طريقة مختلفة لمساعدة مواطنيه على الفرار من البلاد ليقرر استئجار طائرة خاصة إلى أذربيجان، رغم أنه لا يملك المال الذي يكفيه لذلك.
ومنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، فر فلاكس من روسيا ليستقر به الحال في عاصمة أذربيجان، باكو.
وبعد إعلان تعبئة 300 ألف جندي لدعم المجهود الحربي الروسي، بدأ فلاكس يتلقى مكالمات من أصدقائه ومعارفه بشكل متزايد للخروج من روسيا.
ولمدة يومين كاملين، عمل الشاب الروسي على جمع الأموال اللازمة لاستئجار طائرة خاصة من أذربيجان بعد أن طلب ملاكها أكثر من 100 ألف دولار، حيث حصل على قرض من شقيقة شريكه بالعمل، ودفعة مقدمة من 8 مسافرين محتملين في روسيا، ونقود كان يملكها بعد بيع سيارته الفارهة قبل مغادرته موسكو.
وحسب بلومبيرغ، صُدمت زوجة فلاكس من تبديده الكثير من مدخراتهما على هذه الرحلة، لكنه قال: "لم نفكر في المال على الإطلاق، أردنا المساعدة".
وقبل إقلاع الرحلة، شعر مالكو الطائرة بتباطؤ في دفع قيمة إيجار الرحلة، لكن فلاكس تمكن من الوفاء بدفع أجرة الطائرة - الإيرباص 318 - التي سبق أن استخدمتها الحكومة الأذربيجانية لرحلتين، وهي طائرة مجهزة بـ 55 مقعدا فخما، حيث ادعى المسافرون أنهم يحضرون اجتماع عمل في باكو.
ولاحقا، نشر فلاكس إعلانا في موقعي فيسبوك وتليغرام عن الرحلة للأشخاص الذين يرغبون في السفر على متنها بواقع 2500 دولار للمقعد.
ورغم أن السعر لم يكن بسيطا، إلا أنه كان أيضا أقل من 5000 دولار قيمة تذاكر لبعض الوجهات القريبة من روسيا مثل تركيا والجبل الأسود، خلال تلك الأيام التي تلت إعلان التعبئة.
ونظمت إحدى مساعدات فلاكس في موسكو الرحلة بعدما استلمت المبالغ من المسافرين، وسجلت أسماءهم لتأكيد وجودهم على متن الطائرة.
ولإضفاء لمسة من الشرعية على الرحلة، وجه فلاكس الركاب بالقول إنهم كانوا يحضرون مؤتمرا وحجزوا تذاكرهم قبل أسابيع، لكن لم تكن هناك ضمانات بأن تلك الذريعة ستصمد أمام تدقيق كبير كانت تمارسه السلطات الروسية.
وقال فلاكس: "لم يكن لدي وقت لمناقشة ما إذا كان هذا ليس جيدا. فعلنا ذلك كصفقة جيدة لأصدقائي وشركائي".
وبعد إقلاعها من أذربيجان، هبطت في فنوكوفو، جنوب غرب موسكو، وهو مطار شيده ستالين للجيش الأحمر، تحول إلى الاستخدام المدني بعد الحرب العالمية الثانية.
اقرأ أيضا: أول اتصال بين وزيري دفاع أمريكا وروسيا منذ أشهر.. ما أهميته؟
خسارة لروسيا
وبينما كان الطيارون ينتظرون الموافقة على خطة رحلتهم، كان 50 رجلا وحفنة من النساء يتجهون إلى صالة المغادرة، وسط تعليمات لمنع المجندين من الفرار.
وقال الراكب ميخائيل كورت لوكالة بلومبيرغ: "كان الجميع متوترين للغاية، ويفكرون في كيفية الإجابة على الأسئلة المحتملة".
وأقلعت الطائرة أخيرا من موسكو متجهة إلى باكو في رحلة تستغرق 3 ساعات، وعندما هبطت، صفق المسافرون بحرارة بعد أن نجحوا في الفرار، وبينهم أحد المتخصصين في الأمن السيبراني.
ولاحقا، كرر فلاكس ذات الرحلة مرة أخرى، حيث قال إنه تنفس الصعداء أخيرا بعد أن هبطت الرحلتان، وذلك بعد ليال بلا نوم وترقب شديد لنجاح هذه المهمة.
وقبل أشهر، افتتح هو وشريكه التجاري الأذربيجاني، أراز ماميت، مساحة مخصصة للأعمال في باكو، واستمر قادرا على الوصول إلى الخدمات المصرفية الدولية.
وأمضى فلاكس وفريقه أياما في سباق لتنظيف وتأثيث عشرات الشقق الفارغة قبل الانطلاق إلى المطار لمقابلة الوافدين الجدد.
وقال ماميت إنه تلقى 600 استفسار إضافي من مهاجرين محتملين في إحدى محادثاته على تليغرام، لكنه وفلاكس يقولان إنهما بحاجة إلى تركيز طاقتهم على أولئك الذين وصلوا بالفعل.
ويعمل معظم الركاب على متن الرحلتين في مجال تكنولوجيا المعلومات، لكن كان من بينهم أيضا حاخام، ومغني أوبرا، وممثلة، ومصور، وحلاق، ومدير تنفيذي كبير في مسرح ماريانسكي في سانت بطرسبرغ.
ولم يصدر الكرملين بيانات بشأن عمليات فرار الروس، لكن السلطات في كازاخستان وجورجيا تقول إن ما لا يقل عن 300 ألف شخص فروا من البلاد منذ خطاب التعبئة لبوتين، إضافة إلى عشرات الآلاف الذين غادروا البلاد خلال الأشهر السبعة السابقة.
وأوضح ماميت: "لم تخسر روسيا في ساحة المعركة. روسيا خسرت في المطارات والحدود".
وأشارت بلومبيرغ إلى أن هؤلاء الناس عادة ما يفتقرون إلى ثروة الأوليغارشية، لكن من المؤكد أن خسارتهم سيكون لها تأثير سلبي على البلاد، حيث إنه من بين المهنيين الشباب، مهندسو برمجيات ومصرفيون وعلماء ومصممون.
وقال مدير برنامج روسيا- أوراسيا بمركز أبحاث "تشاتام هاوس" في لندن، جيمس نيكسي، "إن تأثير مغادرة ألمع العقول وتكريس مواهبهم لبلدان أخرى، سيكون أمرا مروعا لروسيا على المدى الطويل".
ويعمل رواد الأعمال، وهؤلاء الكفاءات، على إنشاء مراكز أعمال يسكنها الروس في القوقاز وآسيا الوسطى- وهي أماكن كانت لفترة طويلة تحت سيطرة موسكو، أصبحت تُعرف في حقبة ما بعد الاتحاد السوفيتي باسم "الخارج القريب".
ويمكن للروس عموما الدخول دون تأشيرات أو متاعب كبيرة، وهو اعتبار رئيسي نظرا لقواعد الاتحاد الأوروبي المشددة، حيث تظل لغتهم الأم لغة مشتركة.
وربما يمثل الوافدون الجدد عبئا سياسيا ومحركا اقتصاديا محتملا للبلدان التي وصلوا لها، حيث إنهم يخاطرون بخلق توتر دبلوماسي بين الحكومات المضيفة وبين الكرملين.
لكن تلك المواهب يمكن أن تتمكن من الوصول إلى رأس مال جديد، إلى جانب الخبرة والمهارات الصناعية التي يمكن أن تساعد على دفع عجلة النمو.
وقد جلب الكثير منهم أعمالا معهم، أو أسسوا أعمالا جديدة، بحسب بلومبيرغ، حيث قال فلاكس إن 10 شركات ناشئة تم تأسيسها بالفعل في مكان عمله.